استمع إلى الملخص
- التحديات المزدوجة وعزل غزة: أدى الإغلاق التام للمعابر إلى شلل الأسواق وارتفاع الأسعار، مع تضرر البنية التحتية والقطاعات الترفيهية والاتصالات، مما عزل غزة عن العالم وفقدان مصادر الدخل.
- الآثار الاجتماعية والاقتصادية: دُمرت 70% من المباني، مما أدى إلى نزوح وفقدان وظائف، مع تضرر القطاع الزراعي والصناعي، مما يستدعي خطط شاملة لإعادة الإعمار والتنمية.
أحدثت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة والتي انطلقت شرارتها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، أضراراً هائلة وغير مسبوقة في 15 قطاعاً حيوياً، وقد بلغت التكلفة الإجمالية للخسائر الأولية المباشرة قرابة 35 مليار دولار. تركزت الخسائر في مختلف القطاعات الاقتصادية بأذرعها الصناعية والتجارية والزراعية والترفيهية والفندقية، فيما طاولت قطاعات الاتصالات والإنترنت والنقل والمواصلات والكهرباء، وقطاعات الخدمات والبلديات، علاوة على القطاعات الصحية والتعليمية والإسكانية والدينية والحكومية والإعلامية.
وتداعت عوامل عدة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لإبادة الاقتصاد الفلسطيني على مدار عام متواصل، بداية بالإغلاق التام للمعابر، ومنع دخول مختلف البضائع والمتطلبات الأساسية كالماء، والوقود اللازم لتشغيل الكهرباء ومختلف المرافق والمصالح التجارية، مروراً بالقصف المكثف وغير المنقطع على البنايات السكنية والأبراج والمنشآت، التي تضم مقار مختلف الشركات والمحال التجارية والمخازن والمصانع، فضلاً عن التهجير القسري للتجار وأصحاب رؤوس الأموال خارج القطاع، قبل إغلاق معبر رفح بشكل كامل، إثر اجتياح مدينة رفح مطلع شهر مايو/ أيار الماضي، أو استشهاد بعضهم، أو نزوحهم إلى المحافظات الوسطى والجنوبية، وسط أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة.
تحديات مزدوجة
ألقت التحديات المزدوجة التي واجهت الاقتصاد الفلسطيني بظلالها القاسية على الأسواق والمحال التجارية والبسطات الشعبية التي بدت خاوية من البضائع بفعل المنع الإسرائيلي، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في الأسعار التي زادت في العديد من السلع الأساسية عن ثلاثين ضعفاً، خاصة في ظل الشلل الذي أصاب القطاع الصناعي، بفعل تدمير المصانع التي ترفد الأسواق بالعديد من السلع الأساسية.
يتزامن الشح وغلاء الأسعار مع ضعف القدرة الشرائية لما يزيد عن مليوني فلسطيني، فقدوا بيوتهم ومصادر دخلهم، جراء تدمير ما يزيد عن 70% من المباني المدنية والمنشآت، كذلك بفعل حالة النزوح القسري وعدم انتظام دفع الرواتب، إلى جانب إغلاق البنوك، وعدم القدرة على الوصول إلى الأرصدة والحسابات المصرفية، الأمر الذي دفعهم مكرهين إلى سحب السيولة من مكاتب الصرافة مقابل نسب تفوق 20% من المبالغ المراد صرفها.
يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، إن الأضرار الناجمة عن العدوان على غزة طاولت مختلف القطاعات الاقتصادية والخدماتية والمعيشية جراء القصف المتواصل، المتزامن مع الإغلاق التام للمعابر في وجه دخول البضائع والمتطلبات الأساسية. ويبيّن الثوابتة لـ"العربي الجديد" أن المصانع بمختلف أنواعها في قطاع غزة توقفت تماماً عن العمل، بعد توقف تشغيل الآلات والمعدات اللازمة لعملية الإنتاج في المصانع والمعامل وورش العمل، ما تسبب بخلق أزمة صناعية، ونقص حاد في السوق المحلي ومستلزمات المواطنين، فيما تقدر الخسائر الأولية لهذا القطاع بنحو 1.125 مليار دولار.
ما يزيد عن مليوني فلسطيني، فقدوا بيوتهم ومصادر دخلهم، جراء تدمير ما يزيد عن 70% من المباني المدنية والمنشآت
ويلفت إلى أن القطاع التجاري الذي يشمل الأسواق والمحلات التجارية والمطاعم والفنادق والمخازن التجارية، وغيرها من المنشآت التجارية التي تعمل على استقرار الواقع في قطاع غزة، توقف كذلك عن العمل، وقد بلغت نسبة خسائره الأولية بعد عام من الحرب قرابة 1.625 مليار دولار، بينما وصلت خسائر القطاع الزراعي الذي يعتمد عليه الفلسطينيون بشكل رئيسي في توفير الغذاء لأكثر من 2.4 مليون إنسان يعيشون في جميع المحافظات إلى ما يقارب 1.050 مليار دولار، ويؤثر تعطل هذا القطاع بشكل سلبي بالحركة الاقتصادية من بيع وشراء وتربية، في القطاع الحيواني والاستزراع السمكي.
عزل غزة عن العالم
يلفت مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن القطاع الترفيهي والفندقي، الذي يضم المتنزهات والفنادق والمدن الترفيهية والملاهي والألعاب الإلكترونية وأجهزة التلفاز وكل ما يتعلق بألعاب الأطفال، تعرض لخسائر فادحة جراء العدوان وصلت إلى زهاء مليار دولار. كما واجه قطاع الاتصالات والإنترنت خسائر أولية تقدر بنحو 1.5 مليار دولار، وقد أدت الأضرار التي لحقت بهذا القطاع إلى عزل غزة عن العالم الخارجي بشكل نهائي، وفقدان العديد من الفلسطينيين العاملين في الأعمال الحرة والمهن الإلكترونية مصادر دخلهم.
أما قطاع النقل والمواصلات الذي يضم السيارات والمركبات المختلفة والشاحنات وأسواق ومعارض السيارات والسفن، وفق حديث الثوابتة لـ"العربي الجديد"، فإنه تعرض لأضرار بالغة بفعل العدوان جراء تخريب الطرق والشوارع والمفترقات، وتعطل الحركة بشكل عام، الأمر الذي تسبب بخسائر مادية مبدئية، وصلت إلى قرابة 1.2 مليار دولار، إضافة إلى توقف حركة النقل والمواصلات بشكل عام، وتوقف البيع والشراء والحركة الاقتصادية في هذا القطاع.
ويلفت المسؤول الحكومي إلى أنّ قطاع الكهرباء، ويشمل شبكات الكهرباء المختلفة والأسلاك والأعمدة الحديدية والخشبية والأدوات ومقدرات شركة توليد الطاقة وشركة توزيع الكهرباء وغيرها من المتعلقات في قطاع الكهرباء، تعرض لخسائر تقدر بحوالي 300 مليون دولار. كما تقدر خسائر القطاع الخدماتي والبلديات بنحو 3.147 مليارات دولار، إثر تدمير مقرات البلديات التي تقدم الخدمات المحلية للمواطنين، وقصف وتدمير وتخريب شبكات الصرف الصحي، وشبكات المياه، وتدمير آبار المياه.
ويوضح الثوابتة أن القطاع الصحي بأقسامه، التي تضم عمل المستشفيات والمراكز الصحية، ومراكز الأشعة والأدوية والصيدليات، وإجراء العمليات الجراحية في القطاع الخاص والعام وغيرها، تعرض لخسائر أولية تقدر بقرابة 575 مليون دولار. كما تعرض القطاع التعليمي، الذي يضم الجامعات والكليات والمدارس والمعدات والمختبرات والأجهزة التعليمية لكليات الطب والهندسة وقاعات التدريس والمختبرات والمرافق الرياضية، بخسائر تقدر بنحو 1.850 مليار دولار.
أما القطاع الإعلامي، ويضم مقرات المؤسسات الإعلامية المختلفة من فضائيات وإذاعات ووكالات إخبارية ومراكز إعلامية تدريبية، بما فيها من أجهزة لازمة لتشغيل محطات التلفزيون والإذاعة ووسائل الإعلام المختلفة، فقد تعرّض لخسائر تقدر بما يقارب 400 مليون دولار. كما تسبب العدوان بخسائر في القطاع الديني تصل إلى 350 مليون دولار، بفعل تدمير 611 مسجداً تدميراً كلياً، و214 مسجداً تدميراً جزئياً تحتاج إلى ترميم، إلى جانب تدمير ثلاث كنائس.
وشملت الخسائر القطاع الحكومي، توقف عمل جميع الوزارات والمؤسسات والقطاعات المختلفة، ما أثر تأثيراً سلبياً وبدرجة كبيرة غير مسبوقة على الأداء، الأمر الذي انعكس على إتمام مصالح المواطنين والعوائد الاقتصادية من وعلى المواطن والتجار من جهة، والحكومة من جهة أخرى، وبالتالي توقف العملية المالية التبادلية التي تعمل على تحريك السوق المحلي بشكل عام، وبلغت خسائره قرابة 825 مليون دولار، وفق حديث الثوابتة الذي شدد على أنّ الأرقام السابقة ناتجة عن تقديرات أولية، ولا تشمل الخسائر غير المباشرة، فيما لم تنته الفرق الميدانية من عمليات الإحصاء والحصر.
خسائر فادحة
في السياق، يقول الخبير الاقتصادي، أحمد أبو قمر، إن الخسائر التقديرية المباشرة للاقتصاد الفلسطيني تجاوزت 35 مليار دولار، جراء توقف عجلات الإنتاج وتدمير المنازل والبنية التحتية والمرافق الخدماتية وغيرها، إلى جانب مليارات الدولارات الأخرى وهي خسائر غير مباشرة، جراء فقدان الوظائف، وتوقف عجلة التصدير، والعجز في الميدان الإداري.
توقف عمل جميع الوزارات والمؤسسات والقطاعات المختلفة، ما أثر تأثيراً سلبياً وبدرجة كبيرة غير مسبوقة على الأداء
ويلفت أبو قمر لـ"العربي الجديد" إلى أن الاقتصاد الفلسطيني مر بصدمة غير مسبوقة خلال العام الماضي، ألقت بظلالها الصعبة على مختلف المرافق الاقتصادية، مبيناً أن خسائر جولات التصعيد التي عصفت بقطاع غزة منذ عام 2008 مجتمعة لا تساوي العدوان المتواصل الذي يعتبر الأسوأ، إذ طرأ انخفاض ملموس في الناتج المحلي الاجمالي خلال الربع الأخير من عام 2023 الماضي بنسبة 81% في بداية الحرب، فيما واصل الناتج المحلي الانكماش مع حلول النصف الثاني من عام 2024 الحالي، ليصل العجز فيه إلى السدس، مقارنة بالمستويات التي سجلها في عام 2022.
يشير كذلك إلى أن القطاع الزراعي بشقيه النباتي أو الحيواني فقد خلال العدوان أكثر من 90% من إنتاجيته، بسبب تدمير وتجريف المحاصيل الزراعية، وتوقف الإنتاج، وإفشال المواسم الزراعية، أو بفعل عدم قدرة المزارعين على مواكبة الزراعة، بسبب الخطر المحدق بأراضيهم الملاصقة للشريط الحدودي، مبيناً أن المبادرات الخاصة بزراعة محاصيل جديدة تقابل بتجريف إسرائيلي، كما حصل مؤخراً في بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع. يشير كذلك إلى أن القطاع الخدماتي، الذي يعتبر القطاع الأكبر للاقتصاد، بحكم بيئة الحصار الإسرائيلي، ومنع دخول المواد الخام، تعرّض لخسائر تقدر بنحو 85% من إنتاجيته، وتتوزع النسبة الباقية على بعض الخدمات التي تقدم للفلسطينيين بطرق بدائية تتماشى مع ظروف الحرب.
من جانبه، يوضح الخبير الاقتصادي، محمد صافي، أن القطاع الصناعي، الذي يعتبر الأكثر أهمية، تعرّض لمحاربة إسرائيلية قبل بدء العدوان، من خلال الحصار المستمر منذ 19 عاماً، موضحاً أن 84% من الشركات التي تمكّنت من التغلب على صعوبات الحصار وتكوين نفسها، انهارت خلال العدوان الحالي، وخرجت عن الخدمة، فيما تواجه مشاكل متعلقة بإعادة ترميمها، وعودتها للعمل خلال الفترة المقبلة.
ويبين صافي لـ"العربي الجديد" أن القطاعات الاقتصادية بحاجة إلى خطة عمل وسياسات اقتصادية شاملة لضرورة النهوض فيها، مفسراً أهمية دمجها في مختلف الخطط الخاصة بإعادة إعمار القطاع دون أي تأخير، ويقول: "في حال عاد الاحتلال الإسرائيلي لسياسة التلكؤ في الإعمار، فلن تحدث أية عملية تنمية اقتصادية أو تعويض لأصحاب المصانع والتجار ورجال الأعمال".
يلفت صافي كذلك إلى تغير مهام العديد من الأصول التجارية والسياحية والزراعية، حيث باتت تضم الأراضي المخصصة للزراعة مخيمات النزوح التي تضم مئات الآلاف من النازحين، فيما تعرضت نسبة كبيرة من المنشآت السياحية والتجارية للقصف والتجريف والتدمير، أو تحول بعضها لإيواء الأسر النازحة، الأمر الذي ألحق بها خسائر إضافية بفعل توقفها عن العمل.