طوابير للحصول على الدولار في العراق الغني بالنفط

03 ابريل 2023
المواطنون يعانون من تداعيات سلبية لأزمة الدولار (فرانس برس)
+ الخط -

تشهد بوابات البنوك المخولة بالإيداع المالي ضمن نافذة بيع النقد الأجنبي لدى البنك المركزي العراقي طوابير معاناة يومية وزحاماً كبيراً للحصول على الدولار بالسعر الرسمي. وأدت الأزمة إلى أن عدداً كبيراً من المواطنين لم يتمكنوا من إيداع أموالهم بالعملة المحلية لغرض الحصول على الدولار من مطار بغداد الدولي، بسبب ما أسموه عمليات الاحتيال الجديدة التي تتخذها معظم الشركات، بالإضافة إلى سوء التنظيم وإغلاق بنوك أخرى أبوابها أمام المودعين وعدم استلام مبالغ إيداع المواطنين الراغبين بالسفر إلى خارج العراق.
ويواجه مواطنون أزمة في الحصول على النقد الأجنبي اللازم لأغراض السفر للخارج، أو سداد مصروفات تعليم ذويهم الذين يدرسون خارج البلاد.

انتظار لساعات طويلة
أكد مواطنون أن المصارف العراقية تتخذ إجراءات معقدة وبطيئة في عمليات الإيداع المالي المطلوب للحصول على نقد أجنبي، بالإضافة إلى سوء الإدارة والتنظيم وتفشي المحسوبية والوساطات، التي تسببت بانتظارهم في طوابير لساعات طويلة أمام بوابات تلك المصارف.
وقال المواطن علي الصالحي، الذي يرغب بالحصول على الدولار لأغراض السفر، إنه جاء برفقة زوجته وابنه إلى المصرف منذ الساعة الرابعة فجراً، من أجل انتظار دورهم في الحصول على الحصة المقررة لهم من الدولار وفق الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة، وهي ألفا دولار لكلّ مسافر.

وأضاف في حديثه إلى "العربي الجديد" أنهم حتى الساعة الثانية بعد الظهر، لم يتمكنوا من إيداع نقودهم المحلية لدى البنك لغرض استلام الدولار على الرغم من أن موعد سفرهم في اليوم التالي.
وأشار الصالحي إلى سوء تنظيم واضح من قبل إدارة البنك، لأن هناك أشخاصا يدخلون إلى البنك مباشرة دون الانتظار مع بقية الناس، لكونهم تربطهم علاقات مع موظفي البنك أو يتبعون لجهات متنفذة في الدولة.
والأسبوع الماضي، خفض البنك المركزي العراقي المبلغ المحدد لكل مواطن من 7 آلاف إلى ألفي دولار فقط تمنح للراغبين بالسفر، في إجراء يهدف لتضييق الخناق على الشركات والجهات الجامعة للدولار بسعر الدولة لبيعه في السوق الحرة بفارق كبير يصل إلى 22 ألف دينار عن كل 100 دولار.
وفي ذات السياق، يقول أبو محمد إنه جاء إلى البنك برفقة عائلته لغرض الحصول على الدولار من أجل السفر، لأنّ أبناءه يدرسون في إحدى الجامعات خارج العراق، ولا بد من الحصول على الدولار لغرض تسديد رسوم دراستهم وتغطية نفقاتهم واحتياجاتهم هناك، ووجد أمامه طوابير المسافرين الذين يحاولون الحصول على الدولار أمام بوابات البنوك.
وأكد أبو محمد أن جميع فروع البنوك في بغداد تشهد نفس الحالة، حيث تقوم شركات السفر والجهات التي ترغب في الحصول على الدولار بتوزيع مسافريها على تلك الفروع بأعداد كبيرة لغرض إيداع أموالها بالحصة المقررة لكل مسافر.
وأضاف أنه اتجه إلى بقية البنوك التي ربما يكون الزحام فيها أقل، لكنه فوجئ بتوقف مصرف الرشيد والمصرف التجاري عن الإيداع، وأنّ هناك فروعاً بنكية أخرى لا تستلم سوى 20 حالة إيداع فقط في اليوم الواحد، ولا يتعامل موظفوها بإنسانية.
وأوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه بعد انتظار 14 ساعة برفقة أكثر من 80 شخصاً، تمكن أخيراً من دخول البنك لإيداع أمواله من أجل الحصول على الدولار، بعد تعاطف أحد رجال أمن البنك معه.

إجراءات بنكية
أعلن البنك المركزي العراقي، في وقت سابق، أن البنوك المخولة بالإيداع لغرض الحصول على الدولار هي مصارف الرافدين والرشيد والمصرف العراقي للتجارة.

ومن جانبه، أعلن مصرف الرافدين عن اتخاذه حزمة إجراءات خاصة بتوسيع منافذ إيداع الدينار العراقي في فروعه وبيع الدولار عبر المنصة الإلكترونية الخاصة بالبنك المركزي، للحد من الزخم الحاصل ومعالجة طوابير الانتظار.
وقال المكتب الإعلامي للمصرف في بيان إنّ البنك افتتح فروعاً جديدة في بغداد، واستكمل كافة الترتيبات لشمولها بإجراءات إيداع الدينار للمسافرين واستلام الدولار من منفذ مطار بغداد الدولي حصراً. وأضاف البيان أن إجمالي عدد الفروع التي افتتحت للإيداع في بغداد، والتي دخلت الخدمة في ما يتعلق بإيداع الدينار العراقي فيها، هي 12 فرعاً موزعة في مختلف مناطق العاصمة بغداد.
وفي اتصال هاتفي لـ"العربي الجديد" مع مسؤول أحد فروع مصرف الرافدين، والذي طلب عدم ذكر اسمه لعدم تخويله بذلك، أكد أن إدارة المصرف عازمة على تذليل كافة العقبات والحد من العمليات المشبوهة للحصول على الدولار، وأن هناك تعاوناً مشتركاً مع الأمن الوطني العراقي للكشف عن عمليات تهريب العملة من خلال مسافرين يعملون لصالح شركات، تسعى للحصول على الدولار بهدف المضاربة وتحقيق الأرباح بطرق مختلفة.
وكشف المسؤول أن مصرف الرافدين يعتزم افتتاح منافذ إيداع جديدة في مختلف المحافظات وإدخالها رسمياً إلى المنصة الإلكترونية لدى البنك المركزي، بهدف توفير الوقت والجهد للمسافرين من تلك المحافظات وعدم تحملهم عناء السفر إلى العاصمة بغداد لغرض الإيداع.

أعلن مصرف الرافدين عن اتخاذه حزمة إجراءات خاصة بتوسيع منافذ إيداع الدينار العراقي في فروعه وبيع الدولار عبر المنصة الإلكترونية الخاصة بالبنك المركزي


وزادت الإيرادات النفطية بشكل ملحوظ، الأمر الذي أدى إلى انتعاش الاحتياطيات النقدية، إذ قال المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، في تصريحات سابقة، إن الاحتياطيات من النقد الأجنبي للبلاد لامست 115 مليار دولار.

أسباب الأزمة
يرى مختصون أن الأسباب التي أدت إلى وقوف طوابير انتظار طويلة أمام بوابات البنوك تعود إلى أن موظفي المصارف المرخص لها بيع الدولار للمسافرين يتخذون عدة وسائل من أجل الاستحواذ على الدولار من خلال تذاكر سفر مزورة بالاتفاق مع شركات سفر.
وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، أكد الباحث الاقتصادي عمر الحلبوسي أنّ حصول أعداد قليلة من المسافرين على الدولار مع إعلان البنوك نفاده في اليوم التالي، يفسر أنها لم تنفذ عمليات بيع حقيقية إلا بقدر محدود.
وأضاف الحلبوسي أن هناك بنوكا تشتري الدولار بفواتير مزورة أو بجوازات مواطنين اشترتها عن طريق موظفيها الذين يجلبون الجوازات من مواطنين راغبين بالسفر مقابل 100 دولار عن كل جواز.
ولتجاوز الأزمة وفتح المجال أمام المسافرين بالحصول على الدولار من خلال عمليات بيع حقيقية، شدد الحلبوسي على أهمية فتح منافذ إيداع جديدة، بالإضافة إلى تفعيل عمليات الرقابة عن طريق أشخاص مهنيين يتمتعون بالنزاهة، للحد من عمليات التلاعب وكشف عمليات تهريب الدولار أو المضاربة به بطرق ممنهجة.
بدوره، يرى الباحث في الشأن المالي علي الحياني أنّ إعلان الحكومة اتخاذ الإجراءات الرادعة لا يكفي للحد من عمليات التلاعب في سعر الدولار والتحايل في الحصول عليه.
وأشار الحياني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن 30 بالمائة من المبالغ المباعة في المنافذ الرسمية تذهب لمستحقيها، فيما تذهب 70 بالمائة للشركات والمضاربين بالعملة عن طريق التحايل بإرسال مسافرين وهميين.
أضاف أنّ عمليات التحويل المالي التي تجرى عن طريق شركات التحويل الدولي وشركة ويسترن يونيون، تشهد هي الأخرى عمليات احتيال، من خلال إرسال الأموال بالعملة المحلية إلى الخارج واستبدالها بالدولار بالسعر الرسمي، لتعاد إلى العراق بطرق التحويل الاعتيادي بالدولار، فيجرى تدويرها وإعادة صرفها بالسعر الموازي، ما يشكل خطراً كبيراً على السوق المالية.

المساهمون