تنتظر قطاعات تجارية ومالية في إيران، ما ستقرره السلطات في كل من طهران وكابول، خلال الأسابيع المقبلة، حول شكل العلاقات التجارية، في الوقت الذي تسود فيه توقعات بأن تعلو ورقة المصلحة المتبادلة على الخلافات في الرؤى بين طالبان وطهران، إذ إن كليهما يواجهان ضغوطاً كبيرة من الولايات المتحدة وأوروبا ويسعيان إلى الفكاك منها.
أفغانستان جارة شرقية لإيران، وتعد من بين شركائها التجاريين الخمسة، لتحتل، خلال السنوات الأخيرة، موقع الشريك التجاري الرابع أحيانا والمركز الخامس أحياناً أخرى.
واستحوذت أفغانستان على نحو 6% من حجم الصادرات الإيرانية، خلال السنوات الماضية، بما يعادل 2.2 مليار دولار سنوياً، لكن الواردات الإيرانية منها تكاد تبلغ 20 مليون دولار.
السوق الأفغاني شكل مورداً مالیاً مهماً لإيران، في ظل تراجع مواردها بالنقد الأجنبي من 100 مليار دولار سنويا إلى 9 مليارات دولار بسبب العقوبات الأميركية
إلا أن الصادرات الإيرانية إلى أفغانستان تراجعت خلال الشهور الماضية، بسبب تفشي كورونا والتطورات السياسية الأخيرة في أفغانستان، كما يقول رئيس غرفة التجارة الإيرانية الأفغانية المشتركة، حسين سليمي.
يضيف سليمي لـ"العربي الجديد" أن السلع الإيرانية تحتل موقعاً هاماً في الاقتصاد الأفغاني، إذ تستحوذ على نحو 40% من واردات أفغانستان، لافتا إلى أن الصادرات الإيرانية إلى أفغانستان تتركز على المواد الغذائية ومواد البناء والوقود.
غير أن حركة التجارة بين البلدين شبه معطلة، منذ سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، خلال الأسابيع الأخيرة، حسب رئيس غرفة التجارة الإيرانية الأفغانية، الذي أضاف أن حالة الضبابية التي تحكم المشهد الأفغاني وعدم تشكيل حكومة واستقرارها جعلا المصدّرين الإيرانيين يمتنعون عن التصدير، بانتظار أن يتضح المشهد ومعرفة طريقة التحويلات المالية.
ويشير سليمي إلى أن معظم المنافذ الحدودية الإيرانية الأفغانية مغلقة، لكنه نفى توقّف حركة التجارة بالكامل، قائلا إنها "لا تمر بحالة عادية، بانتظار تشكيل حكومة جديدة في أفغانستان لاستئناف العلاقات التجارية".
وتربط بين إيران وأفغانستان حدود جغرافية مشتركة بطول 900 كيلومتر، وتجري حركة التجارة بين البلدين عبر 5 منافذ حدودية، سيطرت حركة طالبان على جميعها أخيراً، وأهمها "دوغارون ـ إسلام قلعة".
وثمة تساؤلات ملحّة يواجهها القطاع الخاص الإيراني لاستئناف التجارة مع أفغانستان، حسب سليمي، الذي قال إن القطاع بانتظار ما ستقرره السلطات الإيرانية والسلطة الأفغانية الجديدة، خلال الأسابيع المقبلة، حول شكل العلاقات التجارية وعما إذا كانت الحكومتان ستفتحان خط ائتمان لتصدير السلع أم لا.
لكن رئيس الغرفة التجارية الإيرانية الأفغانية المشتركة، يؤكد أن بلاده استأنفت تصدير الوقود إلى أفغانستان، بعد طلب من حركة طالبان، قائلا إن القطاع الحكومي يقوم بذلك.
ويرى سليمي أن حالة التعثر التي تمر بها التجارة بين البلدين بسبب التطورات السياسية في أفغانستان تبقى "مؤقتة" لحاجة هذا البلد إلى التجارة مع إيران، متوقعا أنه بعد عودة الحركة إلى مطار كابول، ومع تشكيل حكومة جديدة والمفاوضات بين طهران وكابول خلال الفترة المقبلة، ستتحسن التجارة بينهما ويتم إيجاد حلول للمشاكل التي طرأت أخيراً.
إلا أن هذا الوضع يحمّل إيران وتجّارها خسائر كبيرة وموارد مالية، في وقت تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية متفاقمة بسبب العقوبات الأميركية منذ أكثر من 3 سنوات، لذلك فإن تداعيات فقدان أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين ولو لبعض الوقت على الاقتصاد الإيراني كبيرة. وفي السياق، فقدت إيران في ظل التطورات الجديدة في أفغانستان، أحد أهم مواردها بالعملة الصعبة، أي سوق هرات بعد إغلاق مكاتب الصرافة فيها.
وشكل السوق مورداً مالیاً مهماً لها بالعملة الصعبة، في ظل تراجع مواردها بالنقد الأجنبي من 100 مليار دولار سنويا إلى 9 مليارات دولار، وفق تصريحات المسؤولين الإيرانيين.
ويؤكد رئيس غرفة التجارة الإيرانية الأفغانية، في حديثه مع "العربي الجديد"، أهمية سوق هرات في التبادل التجاري والمالي بين إيران وأفغانستان، قائلا إن إغلاق هذا السوق أحدث مشكلة أمام التحويلات المالية للمصدّرين الإيرانيين، لكن سليمي يرى أن الحكومة التي ستشكلها طالبان أو أي حكومة أفغانية أخرى "لا بد أنها ستجد حلاً للتحويلات المالية لاستئناف حركة التجارة وتصدير البضائع"، حيث "لا يمكن للمصدّر الإيراني أن يصدر بضائع من دون أن يتأكد من وجود طريقة مطمئنة للحصول على العوائد المالية".
بغض النظر عن هذه التحديات، يرى مراقبون إيرانيون أنه خلال المرحلة المقبلة، لا يمكن لحركة طالبان التي ستواجه ضغوطاً غربية وأميركية متزايدة وانقطاعاً في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع هذه الجهات، الاستغناء عن إيران في الاقتصاد الأفغاني.
وعليه، يؤكد هؤلاء المراقبون أنه كلما واجهت حكومة طالبان ضغوطاً أكثر من الغرب، دفعها ذلك نحو إيران أكثر، هي التي نسجت معها علاقات جيدة خلال العقدين الأخيرين بدافع مصلحي مشترك في مواجهة الاحتلال الأميركي لأفغانستان.
أفغانستان استحوذت على نحو 6% من حجم الصادرات الإيرانية، خلال السنوات الماضية، بما يعادل 2.2 مليار دولار سنوياً
وكان المتحدث باسم الاتحاد الإيراني لمصدّري المنتجات النفطية والغازية والبتروكيماويات، حميد حسيني، قد كشف قبل أيام عن تلقّي طهران، طلبا من "طالبان"، ببدء تصدير هذه المنتجات إليها، قائلا إن بلاده تجاوبت مع الطلب.
وأضاف حسيني، في حوار مع وكالة "إيسنا"، أن بلاده من بوابة تصدير الوقود والمنتجات النفطية إلى أفغانستان "يمكنها زيادة التجارة مع أفغانستان إلى الضعفين"، قائلا إن "ذلك سيحصل بينما كانت حكومة الرئيس (السابق) أشرف غني، بصدد خفض العلاقات التجارية مع إيران بسبب الامتثال للعقوبات الأميركية". وتوقع زيادة الصادرات الإيرانية إلى أفغانستان في ظل هذه الظروف.