كشف تحقيق صحافي مشترك بين التلفزيون الرسمي السويدي و"زد إف" الألماني عن شبهة فساد في كبريات شركات السويد لصناعة الحافلات والسيارات، سكانيا التي تديرها فولكسفاغن الألمانية، وذلك من خلال تقديم الإدارة السابقة للشركة "حافلة فاخرة على طراز كمالي" صنعت وجهزت خصيصاً لوزير المواصلات الهندي، نيتين جادكاري، الذي حجزها لتناسب زفاف ابنته في 2016.
ويثير الكشف عن "الرشوة" التي قدمت في 2016 صدمة في مجتمع الصناعة السويدي، الذي عُرف تاريخياً برفضه تقديم رشىً أو محاباة في الدول التي تصدَّر إليها الصناعات، فالتحقيق الذي عرض مساء أمس على القناتين التلفزيونيتين في استوكهولم وبرلين، أفاد بأن "موظفي سكانيا في الهند ارتكبوا تجاوزات للنظام المعروف باسم (طريقة سكانيا)"، بحسب ما أفاد المدير التنفيذي الحالي للشركة، هنريك هنريكسون.
وتعرف "طريقة سكانيا" في تاريخ الاقتصاد والصناعة التصديري السويدي بأنها الطريقة التي تمتنع فيها المؤسسات عن محاباة أو قبول منح امتيازات لقاء الحصول على عقود في الدول التي تنتشر فيها عمليات الرشى والمحسوبيات، ومن بينها الهند.
يظهر التحقيق أنه "في نهاية 2017 تلقى المدققون في سكانيا معلومات عن منح عائلة الوزير الهندي الحافلة الفاخرة التي صُممت وفق الطلب، ولم يُدفَع ثمنها كاملاً
وسبّبت الحافلة الفاخرة، التي زُودت بمقاعد جلدية وصُممت كما طلب السياسي الهندي المتنفذ في الحزب القومي الهندوس الحاكم، بهاراتيا جاناتا، بحرج شديد، بعد أن أظهر التقرير الصحافي وجود تحقيق داخلي في الشركة عن تقديمها كرشوة لقاء الحصول على عقود توريد إلى الهند.
ويحتل وزير المواصلات منصباً مهماً في مجال مسؤوليته أيضاً عن الشركات الصغيرة والمتوسطة المسؤولة عن استيراد سيارات الشحن والحافلات بمختلف الأحجام.
ويظهر التحقيق أنه "في نهاية 2017 تلقى المدققون في سكانيا معلومات عن منح عائلة الوزير الهندي الحافلة الفاخرة التي صُممت وفق الطلب، ولم يُدفَع ثمنها كاملاً".
وبدأت وسائل الإعلام المحلية تطلق على القضية المكتشفة "حافلة الوزير"، وأنها بحسب المراسلات الداخلية "جلبت فوائد مالية كبيرة لسكانيا"، التي تورط فيها مديرون كلهم من السويديين.
ورغم توجه القناتين التلفزيونيتين إلى الهند بحثاً عن الحافلة، إلا إنهما "لم يعثرا على أثر لها، ويبدو أنه إما أن عائلة جادكاري باعتها من خلال تجار سكانيا في الهند، أو أن الأبناء يستغلونها في تأجيرها لعلية القوم في مناسبات الزفاف".
من جانبها، أبلغت الشرطة السويدية صباح اليوم الأربعاء الصحافة المحلية أنها ستفحص الكشف عن الرشى المقدمة، وذلك من خلال شرطة مكافحة الجرائم المتعلقة بالاقتصاد والفساد.
وإلى جانب الحافلة الفاخرة، توسع الحديث عن وجود شبهات أخرى عن التلاعب في عمليات استيراد صناعات سكانيا في الهند، وخصوصا في ما خص تزوير عقود بتقديم أموال لسياسيين وموظفين في نيودلهي لتسيير معاملات توريد شاحنات خاصة بمناجم هندية.
وأكد مدير سكانيا التنفيذي، هنريكسون، صباح الأربعاء أنه بالفعل "استخدمت سكانيا الرشى للحصول على مزايا في أسواق الهند، في مخالفة صريحة لقواعد (طريقة سكانيا)، المتعلقة من بين أمور أخرى بعدم قبول دفع الرشوة والإبلاغ ودق ناقوس الخطر عند أدنى شك في حدوث غش".
اعتراف موظف كبير في الشركة بأنه "لا يجري بيع الإنتاج في 7 من ولايات الهند دون رشى، وهو موثق برسائل داخلية موقعة من مسؤولي الشركة السابقين (بين 2013 و2017)
وبدت تداعيات القضية ثقيلة على سكانيا، ومجتمع الصناعات السويدي كله، إذ منذ صباح اليوم توالت تقارير إخبارية اقتصادية - سياسية في الكشف عن اتساع "ظاهرة تقديم الرشى على شكل هدايا وأموال، بحسب رسائل نصية ورسائل إلكترونية ووثائق وشهادات اطلع عليها التلفزيون السويدي وهيئة البث العام الألمانية زد إف".
وما يزيد الطين بلة على "سكانيا"، اعتراف موظف كبير في الشركة بأنه "لا يجري بيع الإنتاج في 7 من ولايات الهند دون رشى، وهو موثق برسائل داخلية موقعة من مسؤولي الشركة السابقين (بين 2013 و2017)".
بل إن أحد المديرين قام بتصوير لتوثيق طلب ودفع رشوة نحو مليون روبية (نحو 13.7 ألف دولار) في إحدى المرات لمندوبة عن مسؤول في الهند "ليحمي نفسه"، بل إن الوزير الهندي جادكاري تلقى بنفسه في إحدى المرات رشوة تقدَّر بمليون ونصف مليون روبية فقط، من قبل وكيل سكانيا في نيودلهي، كما ذكر التلفزيون السويدي، وينضم ذلك إلى وثائق كثيرة للكشف عن حيثيات ما جرى.
ويخشى متخصصون في الصناعات الثقيلة السويدية، وفقاً للإعلام المحلي، أن تؤثر الضجة المثارة اليوم بشركة سكانيا، في الوقت الذي يعاني أصلاً الاقتصاد من آثار جائحة كورونا. ورغم ذلك، فإن الادعاء السويدي في مجال الجرائم الاقتصادية، وبالتعاون مع فولكسفاغن، سيباشر بفتح تحقيق شامل في تهم الفساد التي تؤخذ بجدية، ويُنظر إليها بخطورة في هذه الزاوية من أوروبا الشمالية.
(الدولار=73 روبية هندية)