وصل سعر الدولار في مصر خلال تعاملات يوم الأربعاء إلى 32 جنيهاً، للمرة الأولى في تاريخه، فانخلعت قلوب المصريين من انهيار عملتهم، على غرار ما حدث في لبنان أو سريلانكا أو غانا، إلا أن تعويض بعض خسائر العملة المصرية قبل نهاية تعاملات اليوم، نزولاً تحت سعر 30 جنيها للدولار، حمل بعض التفاؤل، الأمر الذي دعا سيتي بنك للتساؤل عما إذا كان الجنيه قد اقترب من الوصول إلى أضعف مستوياته.
وفي تقرير حمل عنوان "مصر - هل هي نهاية النفق"، قال البنك الأميركي، اليوم الأربعاء، إنه على الرغم من التحركات القوية التي شهدها سعر الجنيه خلال الأيام الأخيرة، ومنذ بدء التعويم الثالث في أقل من عشرة أشهر، فإن التقلبات القوية خلال تعاملات اليوم لا بد أن يكون لها دلالة.
وقال البنك: "نعتقد أن عملية تخفيض سعر الجنيه قد أوشكت على الانتهاء، ما يجعلنا نقترب من الوصول لمرونة أكثر في سعر الصرف".
وأظهر تقرير مطول، صدر عن صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء، تعهد الحكومة المصرية بسياسة "سعر صرف مرن بصورة دائمة" في سبيل الحصول على برنامج تسهيل ممتد بقيمة 3 مليارات دولار، على مدار 46 شهراً.
وأشار البنك الأميركي، الذي كان لسنوات أهم موردي الاستثمارات الأجنبية لسوق أوراق الدين المصرية، إلى خسارة الجنيه 7.6% من قيمته خلال تعاملات يوم الأربعاء، والتي وصلت بخسائره منذ بداية العام لأكثر من 20%.
ورصد البنك تحركات أخرى تخص الجنيه المصري، حيث أشار إلى تراجع الفجوة بين السوق الرسمية والسوق الموازية، بعد تراجع السعر في الأخيرة لأقل من 30 جنيهاً للدولار، كما زيادة تعاملات البنوك بعضها مع البعض الآخر، وصولاً إلى ما قيمته 831 مليون دولار، في تعاملات يوم الأربعاء فقط، كان الجزء الأكبر منها مبيعات دولارية بواسطة بنكي الحكومة، البنك الأهلي وبنك مصر.
ودأب البنك المركزي المصري خلال السنوات الأخيرة على التدخل في السوق المصرية من خلال ذراعيه، أكبر بنكين في مصر، البنك الأهلي المصري وبنك مصر.
وأصدر البنكان الأسبوع الماضي شهادات ادخارية للعملاء من الأفراد، بعائد 25%، في محاولة للتقليل من عمليات اكتناز العملة الأجنبية، ولتعويض المدخرين بالعملة المصرية عن تراجع قيمة عملتهم.
وكان "العربي الجديد" قد تواصل مع متعاملين في سوق الصرف بأحد البنوك المصرية، فأكد بعضهم تدخل البنك المركزي في السوق اليوم، بائعاً للدولار، بعد اقترابه من سعر 32 جنيهاً. وقال واحد منهم، فضل عدم ذكر اسمه: "المركزي باع اليوم ما يقرب من 880 مليون دولار، وعلى الأرجح ستكون نحو 10% مما ورد إليه من دولارات خليجية للاستثمار في أوراق الدين بالعملة المحلية".
وأشار سيتي بنك إلى أن إجمالي قيمة التعاملات منذ بدء عملية التعويم الأخير، التي سماها "عملية ضبط السعر"، بلغ نحو 1.5 مليار دولار، في إشارة إلى ضخامة تعاملات اليوم.
وأكد البنك واسع الخبرات في الأسواق النامية والناشئة أن هذا الحجم من التعاملات يعني أن كميات كبيرة من الطلبات المعلقة تم التعامل معها، وهو ما يتوقع أن يخفض الطلب على الدولار خلال الفترة القادمة، مؤذناً ببدء عملية التخلي عن الدولار في السوق المصرية.
وأكد سيتي بنك أن ظروف العملة المصرية قد بدأت في التحسن، حيث تعكس تحركات اليوم السير في الاتجاه الصحيح، خاصة بعد صدور تقرير صندوق النقد الدولي أمس الثلاثاء، الذي يلقي بعض الضوء على ما يمكن أن يكون عليه مسار العملة خلال الأيام القادمة.
وأشار سيتي بنك إلى عدم ثقته في التزام السلطات المصرية بنظام سعر صرف كامل التحرير إلا أنه أكد تطلعه للمزيد من "المرونة السعرية"، موضحا أن الصندوق اتفق مع البنك المركزي المصري على العديد من النقاط، التي ستتم متابعتها بصفة دورية، في ما يخص العملة المصرية وسعرها.
وأكد تقرير الصندوق على تعهد البنك المركزي بعدم استخدام احتياطيات النقد الأجنبي لديه في توفير العملة المطلوبة لاستيراد الجهات الحكومية للسلع، حتى ينعكس هذا النوع من الطلب المتزايد في سعر الجنيه مقابل الدولار في السوق الرسمية.
أيضاً تعهد البنك بعدم استخدام تلك الاحتياطيات في توجيه سعر الصرف. وطلب الصندوق من البنك المركزي تضييق الحدود الممنوحة للبنوك المصرية في المبالغ التي يمكن لهم بيعها للعملاء على المكشوف.
وكان العام الأخير قد شهد مبيعات كبيرة من البنوك المصرية، بما فيها البنك المركزي، على المكشوف، الأمر الذي تسبب في وصول صافي أصولها بالعملة الأجنبية إلى قيمة سالبة تقترب من 20 مليار دولار.
وتوقع البنك عودة الأموال الساخنة للاستثمار في أدوات الدين بالعملة المصرية، مقدراً وصول 6 مليارات دولار قبل نهاية يونيو/حزيران القادم، مشيراً إلى "تغير نبرة السلطات المصرية تجاه تلك الأموال"، باعتبارها أحد أهم مصادر العملة الأجنبية الواردة للسوق المصرية.
وكان نزوح الأموال الساخنة مطلع العام الماضي قد تسبب في بداية الأزمة الحالية، التي تعد من أكبر أزمات العملة في تاريخ مصر. وقدرت السلطات المصرية المبالغ التي نزحت بأكثر من عشرين مليار دولار، خلال الربع الأول من عام 2022.
وفي أكثر من مناسبة، أكد وزير المالية المصري محمد معيط عدم توجه الحكومة المصرية للاعتماد على الأموال الساخنة مرة أخرى، "بعد أن ذقنا ويلاتها ثلاث مرات"، وفقاً لقوله.
وقال البنك إن برنامج الإصلاح الذي تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد يهدف لإعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي في مصر، بمراكمة ستة مليارات دولار خلال العام المالي الحالي، المنتهي بنهاية يونيو/حزيران القادم، بالإضافة إلى 10 مليارات دولار أخرى خلال العام التالي، وهو ما اعتبره البنك الأميركي "برنامجا طموحا جدا".
وقال الصندوق إن البرنامج يهدف لزيادة احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد إلى 80 مليار دولار، بحلول عام 2026.