بخلاف العام الماضي 2021، يشهد موسم الزيتون السوري للعام الجاري إنتاجاً وفيراً، وصفه رئيس حكومة النظام بـ"موسم زيت غير طبيعي وأكبر من الاحتياج المحلي".
وبينما يصل الإنتاج إلى 820 ألف طن من الزيتون، و125 ألف طن من الزيت حسب تقديرات مكتب الزيتون في وزارة الزراعة السورية، قررت حكومة النظام تصدير ثلث إنتاج المزارعين من الزيت.
وأثار قرار تصدير 45 ألف طن من زيت الزيتون استياء كل من المزارع والمستهلك، وسط توقعات بارتفاع سعر صفيحة الزيت في السوق المحلية (16 كيلو) إلى أكثر من 400 ألف ليرة، وعجز أغلب السوريين عن شراء المادة لانعدام قدرتهم الشرائية جراء التضخم الحاصل.
ويعتقد مختصون أن قرار تصدير زيت الزيتون سيرفع سعره حكماً للمستهلك المحلي مقابل توقعات بعدم رفع سعر الشراء من المزارع.
ويرى مزارعون أن السماح بتصدير زيت الزيتون لن يساهم في تسويق المحصول والنهوض بقطاع الزراعة، ويقول خالد إدريس (44 عاماً)، وهو مزارع من ريف اللاذقية لـ "العربي الجديد": "دعم المزارع يبدأ من توفير مقومات الزراعة من سماد ومحروقات وأدوية زراعية، وليس باجتماعات وخطط على الورق".
يقول المزارع الأربعيني لـ"العربي الجديد"، إن تجاراً من دمشق وحلب واللاذقية بدأوا بـ"ضمانة" بساتين الزيتون من المزارعين والاتفاق على شراء كميات كبيرة منهم مع تكفل التاجر بتكاليف القطاف والعصر والنقل والتعبئة في العبوات البلاستيكية والمعدنية.
ويشرح إدريس أن قرار تصدير زيت الزيتون فاقم معاناة مزارعي الزيتون في الساحل السوري حيث يمتلك أغلب المزارعين مساحات صغيرة وإنتاجا جيدا، لكنه غير كافٍ لسداد ديونهم المستحقة على المحصول خلال العام وتحقيق ربح يوفر لهم حياة كريمة في ظل اعتماد أغلب الأسر هناك على مبيعات موسم الزيت في العيش.
وبرر وزير الزراعة في حكومة النظام حسان قطنا قرار السماح بتصدير مادة زيت الزيتون "بسبب انخفاض القدرة الشرائية للمواطن الذي بات يشتري كميات قليلة، فضلاً عن وجود فائض كبير من المادة في الأسواق".
وعليه، لا يتوقع المزارع فايز بدور (55 عاماً) أي آثار إيجابية لقرار التصدير على المزارع، ويقول لـ"العربي الجديد": "لدي 10 دونمات زيتون وأفضّل تخزين محصولي من الزيت على بيعه للتجار الذي يشترونه بسعر غير متناسب مع تكاليف الإنتاج ومن ثم يخزنوننه ويبيعونه بسعر أغلى مما اشتروه من المزارع".
وتبلغ تكلفة إنتاج تنكة الزيت (16 كيلو) حوالي 300 ألف ليرة تتوزع بين ما يسبقها من أجور عناية وحراثة ومبيدات وأجور قطاف ونقل وعصر وعبوات تعبئة، حسب المزارع بدور، وتباع اليوم بين 300 ألف و350 ألف ليرة خلال الموسم، وهذا السعر "غير منصف للمزارع وخارج قدرة المستهلك بذات الوقت"، يقول بدور.
ويضيف، بعد القرار سيرتفع السعر حكماً ما يجعل المنتج دون سوق تصريف محلياً.
ويعاني مزارعو الزيتون من ارتفاع تكاليف القطاف، إذ تبلغ أجرة عامل القطاف اليومية 30 ألف ليرة، فضلاً عن تكاليف نقل المحصول إلى المعاصر وأجور عصره، كما قال بدور لـ"العربي الجديد".
وأضاف أن شجر الزيتون يحتاج بعد القطاف للعناية به من حراثة وسقاية وتقليم وسماد وأدوية زراعية، وهذه كلها ذات أسعار مرتفعة.
وتشكل أجور قطاف الزيتون من خلال اليد العاملة 40 بالمائة من تكاليف الإنتاج، نظراً لارتفاع أجور عمالة القطاف بحسب تصريحات صحافية لمديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة عبير جوهر.
وأمام هذا الإنتاج الوفير يعجز أغلب السوريين عن شراء مادة الزيت، لارتفاع سعره وانعدام قدرتهم على شراء كميات كبيرة (تنكة 16 كيلو)، ما اضطر الكثير منهم إلى اللجوء للشراء بالكيلو الواحد بعدما كان السوريون يخزنون الزيت بكميات كبيرة كمؤونة شتوية.
وتقول نور العبدالله، وهي موظفة حكومية بدخل محدود لا يتجاوز الـ120 ألف ليرة لـ"العربي الجديد": "راتبي لا يكفي لشراء نصف تنكة زيت"، مضيفةً أن عائلتها تشتري الزيت بالكيلو بسعر 22 ألف ليرة سواء من السوق أو من المؤسسات السورية للتجارة التابعة لحكومة النظام.
وعبير هي واحدة من مليون و200 ألف موظف حكومي غير قادرين على تأمين احتياجاتهم من مادة زيت الزيتون، رغم توفره واشتهار بلدهم بنوعية الزيت وجودته عالمياً.
وتحتل سورية المرتبة الثامنة عالمياً من حيث جودة زيت الزيتون بعدما كانت الرابعة. ويعود ذلك إلى الظروف المناخية، ومنها ارتفاع درجات الحرارة فوق معدلها والتي أدت إلى تراجع الإنتاج، فضلاً عن تأثيرات الحرب وتداعياتها على أشجار الزيتون.
وفي وقت يعاني مزارعون من مشكلات تسويق وارتفاع أجور قطاف الزيتون، لا يزال سكان جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي محرومين من موسمهم من الزيتون والزيت بسبب منعهم من العودة لقراهم من قبل النظام.
ويستذكر عبد سينو (49 عاماً)، وهو من سكان منطقة جبل الأكراد أيام المواسم السابقة واجتماع العائلات لقطاف الزيتون في هذه الأيام.
ويقول سينو لـ"العربي الجديد": "ما زال النظام يمنعنا من العودة لبيوتنا، وكذلك من قطاف محاصيلنا المختلفة من زيتون وجوز وتفاح وخوخ وكرز والتين والعنب وغيرها دون وجود أسباب حقيقية تمنع عودتنا سوى سيطرته والمليشيات المتواجدة في المنطقة على رزقنا ومنازلنا".
ويضيف أن كل المواسم المتواجدة في المنطقة يأخذها عناصر النظام ويتاجرون بها منذ استعادته السيطرة على جبل الأكراد عام 2015.