رمضان في دول البلقان له طابع مختلف... لهذه الأسباب
لميس عاصي
تختلف العادات التي تميز شهر رمضان المبارك في دول البلقان. هذه الدول التي يشار إليها بدول ملتقى الحضارات، حيث يجتمع سحر الشرق مع الغرب، وحضارات الدول الأوروبية مع ذلك الطابع العربي- الفارسي- التركي، تصبح من أكثر الدول شهرة في هذه الفترة من السنة. ببساطة، لأن التعرف على حضارات أمم عديدة في مكان واحد، يعد أمراً جاذباً جداً.
في الفترة الأخيرة، زاد الاهتمام بالسياحة الدينية، أو سياحة الثقافات، وهو نمط من أنماط السياحة الذي يخص زيارة دولة ما أو موقع ما للاحتفال بمراسم دينية. ولذا باتت زيارة بعض الأماكن في رمضان، نموذجاً يجتذى به، لأنه سيكون كفيلا لكم، للانتقال من مكانكم في رحلة شيقة، لا تخلو من الروحانية العالية.
ومن هنا، فإن التعرف على تقاليد السكان الرمضانية في كل من البوسنة والهرسك، البانيا وغيرها من دول البلقان، سيكون أمراً استثنائياً ولافتاً أيضاً.
تقاليد قديمة
في مسجد غازي خسرو بك ضمن العاصمة سيراييغو، تتلاقى حضارات إسلامية متنوعة. من تركيا، مروراً ببعض الدول الخليجية وصولاً الى إندونيسيا، تكون كلها حاضرة وبقوة في المسجد. كيف؟ من خلال تلاوة القران، حيث يجتمع قراء القرآن من جميع أنحاء الدول الإسلامية، لتلاوة الآيات بمقامات صوتية مختلفة، ما يشكل فرصة للتعرف على هذا النمط من السياحة الدينية. منذ القدم، كان مسجد غازي خسرو بك، ملتقى لقراء القرآن، خاصة في شهر رمضان، حيث تتلى الآيات بأصوات القراء منذ ساعات الفجر الأولى. المسجد سحري لجميع الزوار. يجلسون معا في انعكاس داخل المسجد العثماني المذهل وساحته الجميلة، للاستماع إلى الآيات القرآنية.
بُني الجامع عام 1530، عندما كانت البوسنة والهرسك جزءا من الدولة العثمانية، من قبل المعمار التبريزي عجم علي، وبأمر من حاكم ولاية البوسنة العثماني، الغازي خسرو بك.
ورغم عدم كونه أول جامع بني في المدينة عقب فتحها من قبل العثمانيين، إلا أنه الأهم فيها، لأنه لا يزال يُرفع فيه الأذان بالصوت المجرد لا عبر المكبرات.
النكهات المختلفة
ببساطة، رائحة الأطعمة الرمضانية ستأسركم بلا شك. تعد رائحة خبز "السومون" الطازج قبيل الإفطار، واحدة من أبرز التقاليد التي لا تزين دول البلقان وحسب، بل، تعطيها روحاً مختلفة. وعادة ما يصف سكان سيراييغو رائحة خبز "السومون" برائحة رمضان.
خلال شهر رمضان، يتم استهلاك "السومون" بكميات كبيرة، وبنكهات مختلفة، مما يعني أن الخبازين في جميع أنحاء البلاد يعملون مرتين خلال شهر الأعياد.
بالإضافة إلى خبز "السومون"، يتميز المبطخ البلقاني عامة، باللحوم والتوابل، ومن هنا، فإن المائدة الرمضانية لن تخلو من اللحوم، وفي مقدمتها، لحم الكباب، والسلطات المتنوعة، وختامها مسك مع أشهى أنواع الحلوى، وفي مقدمتها البقلاوة.
قائمة الطعام لا تنتهي عند وجبة الإفطار، بل تمتد إلى وجبة السحور، والتي تتميز أيضاً بغناها، ومن أبرز عناصرها الخضر والفاكهة، إضافة إلى أطباق من فطائر البيتا.
مهرجانات مختلفة
تحتفل دول البلقان بما يسمى بمهرجان رمضان، حيث تعمد السلطات المحلية إلى تزيين الشوارع والمساجد، وحتى الساحات العامة، كما يعمد التجار إلى تزيين محالهم، وتغيير دوامات العمل من ساعات الصباح الأولى إلى ساعات المساء، بحيث يسود الهدوء والسكينة في الصباح، فيما تعج الشوارع بالسكان بعد صلاة العشاء.
وكجزء من الاحتفالات، تقام الكثير من حفلات الذكر، والمحاضرات الدينية، والمعارض التي تقدم منتجات منزلية خاصة للشهر الكريم.
ومن الأماكن الأكثر سحراً، والتي يقصدها الزوار والسكان معاً، سوق "باش تشارشي"، إذ يزداد هذا السوق العثماني جمالا في رمضان، حيث يرتدي التجار الزي التقليدي. يتألف السوق من 30 حياً صغيرا، يشتهر كل حي بحرفة معينة أو صناعة تقليدية. يضم شارع "باش تشارشي" مساجد تاريخية، من أبرزها مسجد "فرهادية"، كما يضم عددا كبيرا من المقاهي الشعبية.
تنوع الإفطارات
الأجواء الرمضانية في جميع الدول تقريباً موحدة، حيث يحتفل السكان بالشهر الكريم من خلال المائدة الجماعية. ففي الأحياء السكنية، يحتفل السكان ولو مرة في الأسبوع بإفطار جماعي، إذ يقوم أهل الحي، بطهي الأطعمة الخاصة، ومن ثم التوجه إلى الشارع العام، حيث تعلو الزينة، ويحتفلون سوياً بتناول الطعام، وهو ما يعبر عن صدق مشاعرهم تجاه بعضهم البعض.
هذا التقليد، خف تدريجياً بسبب إجراءات فيروس كورونا، حيث منعت السلطات الإفطارات الجماعية في الأماكن العامة والتي تتخطى 6 أشخاص. ولكن وعلى الرغم من إجراءات السلطات، إلا أن العائلات تحرص على تناول وجبة الإفطار في الحدائق العامة، أو حتى الاجتماع في منزل العائلة حتى ساعات السحور.