استمع إلى الملخص
- تعاني الشركات الألمانية من ظروف اقتصادية صعبة مع ارتفاع حالات الإفلاس، مما يهدد بفقدان الأصول الاقتصادية ويزيد من عدم اليقين في السياسات الاقتصادية، خاصة في ظل الحرب التجارية العالمية.
- تتزايد التوترات بين الولايات المتحدة وأوروبا مع عودة ترامب، مما يهدد بزيادة الرسوم الجمركية. يسعى الاتحاد الأوروبي لتعزيز التنافسية عبر الابتكار وإزالة الكربون، لكن الغموض السياسي يعقد جهود التكامل الأوروبي.
يبدو أن 2025 سيكون عاماً فارقاً في تاريخ الاقتصاد الألماني، الذي يبدو محاصراً بتحديات بالغة الصعوبة على رأسها التنافسية الاقتصادية، لاسيما مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض هذا الشهر، والاضطرابات السياسية الداخلية التي تسببت في انهيار الائتلاف الحاكم والتوجه نحو انتخابات مبكرة الشهر المقبل، فضلا عن التوترات الجيوسياسية المحيطة، ما قد يعمق متاعب ألمانيا ويتسبب في أخطار تتخطى الحدود نظراً لمكانة الاقتصاد الألماني الأكبر في القارة.
وتظهر العديد من المؤشرات، استفحال الضعف في الاقتصاد، الذي يوصف بقاطرة أوروبا، إذ يتوقع البنك المركزي الألماني نمواً بنسبة 0.2% فقط خلال العام الجاري، بعد انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2% العام الماضي 2024.
وباتت الكثير من الشركات تواجه ظروفاً عصيبة تشبه إلى حد كبير من شهدته خلال الأزمة المالية العالمية قبل نحو 17 عاماً. وتحت عنوان "آفاق متجمدة للاقتصاد الألماني"، أشار تقرير لمعهد هالي للأبحاث الاقتصادية الألماني (IWH) نشره على موقعه الإلكتروني، اطلعت عليه "العربي الجديد"، إلى أن الصناعة الألمانية تعاني من فقدان القدرة التنافسية الدولية، فضلا عن التوقعات غير الواضحة بشأن السياسة الاقتصادية، ما يدفع الشركات والمستهلكين إلى الإحجام عن الإنفاق.
وذكر أوليفر هولتمولر، رئيس قسم الاقتصاد الكلي في المعهد أن "المشاكل البنيوية مثل ارتفاع أسعار الطاقة في ألمانيا، وشيخوخة القوى العاملة ونقص العمالة الماهرة ليست سهلة الحل، وهذا يؤدي إلى حالة من عدم اليقين، بالإضافة إلى ذلك، ازداد عدم اليقين بشأن السياسة الاقتصادية بشكل متزايد، كما ظهرت المخاوف بشأن الوظائف، حيث توقف نمو العمالة".
ولفت التقرير إلى أن الشركات الكبرى في قطاع التصنيع أعلنت مؤخراً عن تخفيضات كبيرة في الوظائف، وإذا استمرت التقارير عن تخفيضات الوظائف على نطاق واسع، فإن التعافي في الطلب الاستهلاكي المتوقع ربما لن يتحقق في 2025. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحرب التجارية العالمية من شأنها أن تضرب الاقتصاد الألماني الموجه نحو التصدير بشدة. وأخيرا، هناك خطر سياسي محلي، وفق هولتيمولر، قائلا: "إذا كان من المقرر أن ترتفع الثقة الاقتصادية مرة أخرى، فلابد من تشكيل حكومة مستقرة تتمتع بسياسة اقتصادية واضحة.. لكن لا يوجد ما يضمن حدوث ذلك".
ومن المقرر أن تشهد ألمانيا انتخابات مبكرة في 23 فبراير/ شباط المقبل، بعدما انهار الائتلاف الحاكم إثر إقالة المستشار الألماني أولاف شولتز زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وزير المالية كريستيان ليندنر، الذي يتزعم الحزب الليبرالي الشريك في الائتلاف الحكومي، وذلك على ضوء خلاف حول سياسات الاقتراض الحكومي، ما أدى إلى انسحاب بقية وزراء الحزب الليبرالي من الحكومة، وانهيار الائتلاف الحاكم، لتدخل البلاد في أزمة سياسية عميقة. ويتولى شولتز المستشارية عبر ائتلاف من ثلاثة أحزاب هي الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الحر، وحزب الخضر.
وجاءت الأزمة السياسية الداخلية لتزيد من حالة عدم اليقين في السياسات الاقتصادية الحكومية، بينما يشهد الاقتصاد في السنوات الأخيرة ضغوطاً كبيرة، زادت معه حالات الإفلاس بين الشركات. ووفق شتيفن مولر، رئيس قسم أبحاث الإفلاس في معهد هالي للأبحاث الاقتصادية، فإن حالات إفلاس الشركات في ألمانيا ارتفعت إلى مستويات مماثلة للأزمة المالية في عام 2009. وقال مولر:" في وقت الأزمة المالية عام 2009، كان لدينا حوالي 1400 شركة معسرة شهرياً. والآن وصلنا إلى هذا المستوى مرة أخرى".
وأشار مولر إلى أن عدد الشركات الصغيرة المفلسة في ذلك الحين كان مماثلاً لعدد الشركات الكبيرة المفلسة، لكن عدد الشركات الأكبر حجما الأكثر إفلاساً اليوم، ما يعني فقدان المزيد من الأصول الاقتصادية في عملية الإفلاس. في السياق أكد تقرير صادر عن وكالة الائتمان "كريديت ريفورم" في ديسمبر/كانون الأول الماضي هذا الاتجاه، حيث أظهر أن حالات الإفلاس بين الشركات الألمانية وصلت في عام 2024 إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2015، وفق ما نقلت وكالة أسوشيتدبرس، أمس الاثنين.
وإجمالا، تم تسجيل حوالي 121 ألفا و300 حالة إفلاس في ألمانيا عام 2024، من بينها حالات إفلاس أفراد وغيرها، ما يعني زيادة بنسبة 10.6% مقارنة بعام 2023. وقال باتريك لودفيش هانتسش، رئيس الأبحاث الاقتصادية في "كريديت ريفورم" إن "أزمات السنوات الأخيرة تضرب الشركات الآن بفارق زمني معين في شكل حالات إفلاس.. هذا يعني أن أرقام الإفلاس قد تكون قريبا ًعلى قدم المساواة مع المستويات القياسية لعامي 2009 و2010، عندما أفلست أكثر من 32 ألف شركة".
في السياق، أشار تحليل لـ"بلومبيرغ إنتليجنس" إلى مخاطر يواجهها الاقتصاد الألماني بما في ذلك الانكشاف المرتفع للعديد من القطاعات لاسيما السيارات على الصين، والانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها الشهر المقبل والتي قد تغير المشهد السياسي المحلي، وقدوم التعريفات الجمركية الأميركية المحتملة في عهد ترامب، الذي من المقرر أن يتم تنصيبه رئيساً في 20 يناير/كانون الثاني الجاري.
وفي حال تعمقت حالة الضعف التي يشهدها الاقتصاد الألماني خلال العام الجاري، فإن تداعيات ذلك ستطاول أوروبا، لاسيما أنه يوصف بقاطرة القارة العجوز بجانب فرنسا التي تشهد أيضا أزمة سياسية محلية وضغوطا مرتقبة بفعل رسوم ترامب.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قال رئيس البنك المركزي الألماني خواكيم ناغل، إن :الاقتصاد الألماني لا يعاني من رياح اقتصادية معاكسة مستمرة فحسب، بل يعاني أيضاً من مشاكل هيكلية"، مسلطاً الضوء على القطاع الصناعي على وجه الخصوص. وحذر ناغل من أن الرسوم التجارية التي هدد ترامب بتطبيقها تخاطر بتهديد مسيرة اقتصاد ألمانيا.
ويتوقع أن تعود العلاقات عبر الأطلسي بين الولايات المتحدة وأوروبا إلى التوتر الذي اتسمت به خلال فترة ولاية ترامب الأولى (2017-2021). وقد يخلف التهديد بزيادة الرسوم الجمركية على واردات السوق الأميركية من القارة تداعيات اقتصادية قاسية، ويقوض الثقة. ويشكل تعزيز القدرة التنافسية لاقتصاد الاتحاد الأوروبي قضية ساخنة أخرى في أجندة التكتل خلال العام الجديد، حيث يتخلف الاتحاد على نحو متزايد عن الولايات المتحدة والصين، خاصة في مجالات التكنولوجيا المتطورة والابتكار.
ومن المتوقع أن تنشر المفوضية الأوروبية ما يعرف بـ "بوصلة التنافسية" في 15 يناير/كانون الثاني الجاري، اعتمادا على ثلاث ركائز تضمنها تقرير أصدره الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ورئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراجي في شهر سبتمبر/أيلول الماضي. وتتمثل هذه الركائز في سد فجوة الابتكار مع الولايات المتحدة والصين، وإزالة الكربون، وتعزيز الأمن الاقتصادي، مع تقليص التبعية للآخرين. ويُرجح أيضا أن تكشف المفوضية الأوروبية في فبراير/شباط المقبل عن خطة تهدف إلى دمج ملف حماية المناخ مع السياسة الصناعية.
ومن أجل أن يتمكن الاقتصاد الأوروبي من منافسة الصين والولايات المتحدة، هناك حاجة إلى استثمارات إضافية بقيمة تتراوح بين 750 مليار يورو و800 مليار يورو (772 مليار دولار إلى 5823 مليار دولار) سنويا، بحسب تقرير دراجي. وتمثل كيفية توفير هذه الأموال قضية رئيسية. ويرتبط الأمر على نحو وثيق بموازنة الاتحاد الأوروبي المقبلة، والتي سوف تغطي سبع سنوات (2028-2034)، حيث من المقرر أن تقدم المفوضية الأوروبية اقتراحاً في هذا الشأن خلال النصف الثاني من العام الجاري.
ولن يكون التعامل مع هذه التحديات الاقتصادية والدبلوماسية المحورية أمرا سهلا في ظل حالة الغموض السياسي في ألمانيا وفرنسا، أكبر دولتين ضمن الدول الأعضاء في الاتحاد. ولطالما نُظِرَ إلى باريس وبرلين على أنهما القوتان المحركتان للتكامل الأوروبي، لكنهما تعانيان في الوقت الحالي من فراغ قيادي مدمر.