دوامة الغلاء في مصر تبتلع زيادة الرواتب

09 فبراير 2024
معدلات التضخم تتجه إلى مستويات قياسية (محمد عبد الحميد/الأناضول)
+ الخط -

 

قررت الحكومة المصرية رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50% للعاملين في مؤسسات الدولة والقطاع العام، و15% لأصحاب المعاش، بتكاليف 180 مليار جنيه، تصرف مع رواتب وأجور شهر مارس المقبل. وصف خبراء قرارات الحكومة بأنها تعليمات رئاسية تستهدف نزع فتيل غضب شعبي واسع، جراء الارتفاع الهائل في معدلات التضخم، رغم انخفاض سعر الدولار في السوق الموازية، خلال الأيام الماضية.
أشار محللون إلى توجه الحكومة لخفض جديد في قيمة الجنيه، باتفاق مع صندوق النقد الدولي، مع عدم قدرة القبضة الأمنية التي استهدفت تجار العملة والسلع في السيطرة على موجات الغلاء.
صرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أحمد فهمي، أن الزيادات المقررة تستهدف ضبط أسعار السلع والخدمات في الأسواق، والحد من التضخم، وتحقيق الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي.

وتضمنت حزمة المساعدات الاجتماعية تخصيص 15 مليار جنيه زيادات إضافية للأطباء والتمريض والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، منها 8.1 مليارات جنيه لإقرار زيادة إضافية في أجور المعلمين بالتعليم قبل الجامعي، تتراوح بين 325 جنيهاً و475 جنيهاً، و1.6 مليار جنيه لإقرار زيادة إضافية لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم في الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية، و4.5 مليارات جنيه لإقرار زيادة إضافية لأعضاء المهن الطبية وهيئات التمريض تتراوح بين 250 و300 جنيه في بدل المخاطر للمهن الطبية، وزيادة تصل إلى 100% في بدل السهر والمبيت.

أوضح الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن الزيادة الجديدة في الأجور بالحكومة والقطاع العام، تعكس مخاوف الحكومة من استمرار حالة الغلاء في الأسعار، بعد أن تراجعت توقعاتها بأن تنخفض الأسعار بمجرد الضغط على سعر الدولار في الأسواق.

وأكد أن استمرار ارتفاع أسعار جميع السلع في الأسواق مازال مستمرا، مع تحول التعويم الجديد للجنيه إلى أمر واقع، لا محالة من الفكاك منه، بما سيؤدي إلى موجات غلاء جديدة أو المحافظة على الأقل على المستوى المرتفع للأسعار السائدة حاليا، والتي تتعامل على سعر دولار عند 70 جنيها.

يؤكد عبد المطلب لـ"العربي الجديد" توقعه بأن يرتفع سعر الدولار عند مستوى 80 جنيها، ليبدأ في مرحلة الهبوط مرة أخرى، عند مستويات التعويم، في حالة توافر الدولار بكميات موازية للطلب عليه في الأسواق، بما يعكس استمرار حالة ارتفاع الأسعار لفترة زمنية مقبلة.

يشير الخبير الاقتصادي إلى أن لجوء الحكومة إلى زيادة الأجور والمعاشات، يعكس اهتماما بـ"دولة الموظفين"، التي تدير مؤسسات الدولة العميقة، يربو على 7 ملايين موظف، من بين نحو 45 مليون نسمة يمثلون قوة العمل بالدولة في سن ما بين 18 إلى 60 عاما، ممن سيضارّون من زيادة الغلاء الفاحش. يدعو عبد المطلب إلى أن تشمل مظلة الحماية الاجتماعية باقي المواطنين في القطاع الخاص والذي يقلّ دخلهم عن 2000 جنيه شهريا، عبر خطط تضمن لهم الحصول على سلع تموينية وخدمات طبية مجانية بالكامل، لإنقاذهم من براثن الفقر.

أشار مركز حلول للسياسات البديلة في الجامعة الأميركية، إلى أن اقتراب الدولة من توقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد، سيتبعه تخفيض خامس للعملة خلال 8 سنوات، مشيرا إلى أن المؤشرات الاقتصادية تعكس تضخم الدين الخارجي وتراجع معدلات النمو واستمرار عجز الميزان التجاري وأزمة شح الدولار، فضلا عن معدلات التضخم المنفلتة، وفشل الاتفاقات السابقة في تحسين الوضع على مستوى الاقتصاد الكلي، ومساهمتها في زيادة معاناة المصريين لتلبية احتياجاتهم. 

أكد التقرير أن الحكومة تعتبر اتفاقها مع صندوق النقد الدولي بمثابة شهادة بجدارتها الائتمانية، فتتوسع في الاقتراض وإصدار سندات في الأسواق الدولية، والحصول على ودائع خليجية، ليتضاعف حجم الدين الخارجي 4 مرات خلال 8 سنوات، كمحاولة لتعزيز وضع الجنيه، ثم رفع الفائدة أكثر من مرة، فزادت من تدفقات الاستثمار في الدين الحكومي دون أن تكون استثمارات مباشرة، في قطاعات إنتاجية.
ينوه المركز في بيان صحافي إلى أن معظم أموال القروض توجه لمشروعات بنية تحتية تستزف الدولار، بما يؤدي إلى حاجة الدولة لمزيد من القروض، وارتفاعات قياسية في معدل التضخم بلغت 38% في سبتمبر 2023، وتراجع قيمة مدخرات الأفراد وتباطؤ معدلات الاستهلاك وتفاقم الضغوط على محدودي الدخل.
لاقى القرار قبولا من ممثلي الأحزاب، منوهين إلى أنها خطوة من الحكومة لمساعدة المواطنين في مواجهة أعباء المعيشة وارتفاع الأسعار وحماية البسطاء. روج برلمانيون للقرارات على أنها تحمي الاقتصاد من الركود، وتعكس انحياز الحكومة للمواطن، وضمان تحقيق حياة كريمة للمجتمع، ومواجهة معدلات التضخم والارتفاع الجنوني في الأسعار.

أشار مركز حلول للسياسات البديلة في الجامعة الأميركية، إلى أن اقتراب الدولة من توقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد، سيتبعه تخفيض خامس للعملة خلال 8 سنوات

 

قالت قيادات نقابية إن الزيادة التي قررتها الحكومة للمرة الرابعة خلال عام، جاءت أسرع من مقترحات الجولة الثانية للحوار الوطني. دعا رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، محمد جبران، إلى تنفيذ قرارات زيادة الأجور على القطاع الخاص، مشيرا إلى ضرورة اجتماع المجلس القومي للأجور لاتخاذ قرارات بزيادة الحد الأدنى للأجور على المستوى القومي، لضمان الوسائل والتدابير التي تكفل تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار لكافة المواطنين.

وقررت الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50%، ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهريا، وزيادة أجور العاملين في الدولة والهيئات الاقتصادية، بحد أدنى يتراوح بين 1000 و1200 جنيه، بحسب الدرجة الوظيفية، وصرف علاوات دورية للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 10% من الأجر الوظيفي، و15% من الأجر الأساسي لغير المخاطبين، بحد أدنى 150 جنيهاً وبتكلفة إجمالية 11 مليار جنيه.

وفرضت صرف حافز إضافي يبدأ من 500 جنيه للدرجة السادسة، ويزيد بقيمة 50 جنيهاً لكل درجة، ليصل إلى 900 جنيه للدرجة الممتازة، بتكلفة 37.5 مليار جنيه.

كما قررت زيادة في المعاشات 15% لـ13 مليون مواطن، بتكلفة إجمالية 74 مليار جنيه، و15% زيادة لمعاشات "تكافل وكرامة"، بتكلفة 5.5 مليارات جنيه، لتصبح الزيادة خلال سنة 55% من قيمة المعاش. وخصصت الحكومة 41 مليار جنيه لمعاشات "تكافل وكرامة" في العام المالي 2024-2025، ورفع حد الإعفاء الضريبي لكافة العاملين في الدولة والقطاعين العام والخاص بنسبة 33%، من 45 ألف جنيه إلى 60 ألف جنيه.

المساهمون