دعم الخبز في مصر ... مبررات ومغالطات

06 سبتمبر 2021
قضية دعم الخبز تتخذ حساسية شديدة لارتباطها بالفئات الأكثر فقرا (فرانس برس)
+ الخط -

منتصف العام الماضي 2020، أصدر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري، بياناً ينفي نية الحكومة رفع أسعار الخبز. التكذيب الذي نشرته الصحف حينها، كان صدى لنقاشات ودراسات حول تخفيض الدعم، ويرتبط باستكمال تنفيذ تعهدات قدمتها مصر لصندوق النقد الدولي عام 2016 ضمن خطة إصلاح اقتصادي كشرط لاقتراض 12 مليار دولار.

تتخذ قضية دعم الخبز حساسية شديدة نظرا لنتائج تمس الفئات الأكثر فقرا، منها ارتفاع نسبة من يفتقدون الأمن الغذائي، خصوصاً مع ارتفاع مستويات أسعار السلع الغذائية وعدم تناسبها مع أجور شرائح كبيرة من العاملين منخفضي الدخل، وبالتالي سيزيد عدد غير القادرين على تأمين احتياجاتهم اليومية من الطعام.

تتخذ قضية دعم الخبز حساسية شديدة نظرا لنتائج تمس الفئات الأكثر فقرا، منها ارتفاع نسبة من يفتقدون الأمن الغذائي، خصوصاً مع ارتفاع مستويات أسعار السلع الغذائية

وإذ أخذنا في الاعتبار كون الخبز أحد عناصر السلة الغذائية الرئيسية في مصر فإن الخلل قائم لا محالة، بينما فرضية الحكومة تؤكد على عدم تضرر متلقي الدعم، كما أكدت من قبل أنه لا مساس بسعر رغيف الخبز.

خلال 2014 طبقت الحكومة نظام البطاقات التموينية الذكية، وبيع الدقيق للمخابز بسعر السوق، مع تعهد الحكومة بتحمل فارق تكلفة إنتاج الخبز، كما حددت حصة للمستفيدين، بمقدار 5 أرغفة للفرد، وعلى جانب آخر شددت الرقابة على المخابز.

كانت الخطوات السابقة، ضمن رؤية ومخططات حكومات ثورة يناير لمواجهة مشكلة الخبز، والتي نسبت فيما بعد لحكومات تالية، استطاعت تلك الإجراءات إلى حد بعيد الحد من أوجه الفساد والسوق السوداء للدقيق والخبز، وخلقت قاعدة بيانات مهمة تساعد متخذ القرار، لكن ذلك لم يلغ تضرر بعض الفئات منها.

فتحرير سعر الدقيق أثر على أسعار المخبوزات عموما، ولم تكن لدى البعض بطاقات تموينية، ولم يستطع فقراء العمال المرتحلين في المحافظات الحصول على الخبز.

وأدى تحديد حصص الخبز وعدد الأفراد وعدم إمكانية إضافة المواليد الجدد إلى البطاقات التموينية إلى لجوء بعض الأسر لشراء الخبز بأسعار السوق، مما زاد تكلفة سلة السلع الغذائية.

تحت شعار صحيح "وصول الدعم إلى مستحقيه والفئات الأكثر فقرا" شهدت الأعوام التالية على 2014 تخفيض عدد متلقي الدعم عن طريق تنقية جداول المستفيدين، واستبعاد من يزيد راتبه عن 1500 جنيه، ومعاشه عن 1200 جنيه، وهو ما أدى إلى حذف 10 ملايين شخص حسب تصريحات وزير التموين المصري.

ثم عادت الحكومة في 2021 إلى الوعد برفع الحد الأعلى للمستفيد من دعم الخبز إلى 2400 جنيه للرواتب و1500 جنيه للمعاشات.

في النهاية، تضاءل عدد المستفيدين من الدعم، بينما ارتبطت زيادة بند دعم الخبز بمتغيرات منها قرار الحكومة بتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار عام 2016، وارتفاع في أسعار القمح عالميا، لكن في النهاية ليس صحيحاً أن الدعم زاد للمستحقين، بل تقلص وقل عدد المستفيدين منه ضمن خطط تخفيض مخصصات دعم السلع والخدمات والرعاية الاجتماعية.

هناك شكل آخر من تخفيض الدعم الموجه للخبز، حيث خفضت الحكومة وزن الرغيف على ثلاث مراحل، المرة الأولى في العام 2014 من 130 غراماً إلى 120 غراماً بالتزامن مع تحرير سعر الدقيق، وزيادة أسعار المحروقات، وعام 2016 مع تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي ليصل إلى 110 غرامات، وخفض في أغسطس/ آب 2020 إلى 90 غراماً، وهذه المراحل هي بمثابة رفع للسعر، وتخفيض للدعم، على عكس ما يروج عن زيادتها أو ثبات سعر الخبز.

تأتي أصوات داعمة للسلطة، تمارس كافة أشكال التبرير لتخفيض دعم الخبز، بما فيها من مغالطات ومقولات تتصف بالاستعلاء الطبقي، وتنم عن كره للفقراء والكادحين

وحسب بيانات رسمية، انخفضت واردات مصر من القمح خلال إبريل/ نيسان الماضي بقيمة 20 مليون دولار، كما انخفضت قيمة واردات هيئة السلع التموينية من القمح ما يقارب 97 مليون دولار تقريبًا خلال 2019.

ورغم ذلك تخطط الحكومة لرفع سعر الخبز، صحيح لم تحدد الحكومة خطط الأسعار الجديدة إلى الآن، والبعض يقترح إعادة توزيع بنود الدعم، لكن ذلك لا ينفي أثر القرار إذا طبق، بينما يطرح خيار استبدال الخبز المدعم بالدعم النقدي، وهو ما يتأثر بمعدلات التضخم بالضرورة.

من بين مبررات الحكومة لتخفيض الدعم، أنه يسبب عجز الموازنة، لكن الأمر لا يخلو من مغالطة هنا، لأن عجز الموازنة له أسباب عديدة، ولا يشكل الخبز فيها نسبة مؤثرة قياسا ببنود أخرى.

وفي النهاية فإن معالجة أزمة عجز الموازنة ليس علاجا لخلل الاقتصاد المصري، المتمثل في ضعف الموارد، وغياب فريضة الاكتفاء الذاتي من السلع، ومحدودية القدرات الإنتاجية، وهي أزمة إدارة للاقتصاد، وخطأ في التوجهات والسياسات الاقتصادية، ومنها الاستمرار في الاقتراض، والتركيز في الإنفاق على قطاعات غير منتجة، تلتهم القروض وفوائد سدادها 33 بالمائة من الموازنة.

بينما يبلغ بند الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية يبلغ 19 بالمائة في الموازنة، ويبلغ دعم السلع ورغيف الخبز 108 مليارات جنيه في الموازنة الحالية، يستفيد منه 70 مليون مواطن، فما حصيلة كل مواطن من الدعم السلعي أو الخبز، في المقابل، كيف تثقل الديون والقروض وفوائدها الموازنة؟

كما يُعتبر المواطنون ممولي الخزانة العامة من خلال الضرائب بنسبة تتجاوز 70 بالمائة، وكانت أحد منطلقات السياسة المالية للحكومة منذ العام 2016 زيادة الموارد عبر توسيع قاعدة الإيرادات الضريبية، وفعليا تصاعدت الحصيلة الضريبية سنويا منذ 2014، وكان المواطنون بمختلف شرائحهم الطبقية، ومن بينهم الفقراء ممولو الموازنة عبر مختلف أنواع الضرائب.

وفي السياق يبرر البعض تخفيض الدعم بأن الفقراء لا يدفعون ضرائب ويلتهمون الموازنة، وهي مغالطة أخرى، لأن الفقراء يدفعون كغيرهم رسوم الخدمات وتكلفتها، وهي في ارتفاع متزايد، غير أنهم مستهلكون.

وكل مستهلك مساهم في الضرائب غير المباشرة المفروضة على السلع والخدمات، بما فيها عوائد ضريبة القيمة المضافة، والتي تتوقع وزارة المالية أن تصل خلال 2021-2022 إلى ما يتجاوز 449 مليار جنيه (الدولار= 15.70 جنيهاً)، بينما تقارب موارد الضرائب المتوقعة نهاية العام تريليون جنيه حسب بيانات وزارة المالية.

بعدها تأتي أصوات داعمة للسلطة، تمارس كافة أشكال التبرير لتخفيض دعم الخبز، بما فيها من مغالطات ومقولات تتصف بالاستعلاء الطبقي، وتنم عن كره للفقراء والكادحين؛ مقولات تمارس نوعا من العقاب وتطاول كرامتهم، منها أن الفقراء يهدرون الطعام، يأكلون كثيرا، فيصابون بالسمنة، يستخدمون الخبز كعلف للحيوانات.

ورغم أن الأمثلة عديدة والمؤشرات الرقمية حول علاقة الفقر بسوء التغذية، ونصيب المصريين من اللحوم والأسماك والفاكهة متواضع جدا، وبالتالي فنسب اعتمادهم على الخبز أكبر، فإنّ الخبز حتى بالنسبة لشرائح مفقرة ليس وارداً إهداره، إذ كانت تخصص وزارة التموين 5 أرغفة لكل فرد، وبحد أقصى 4 أفراد، فلا فرص هنا للإهدار، خصوصاً أن أغلب الأسر تستكمل احتياجاتها بشراء خبز غير مدعم.

لكن مقولات نسب الإهدار هي تبرير يمرر تخفيض الدعم، وتصوير أن مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية لا تصل لمستحقيها، فضلا عن كونها تلتهم الموازنة، غير أصوات أخرى ترى أصلا أنه لا حاجة إلى بنود الدعم والرعاية الاجتماعية، وهذا صنف آخر من أصوات متوحشة تداهن السطلة ولم تقرأ سطراً عن نظم الحماية الاجتماعية في العالم.

المساهمون