دروس الديمقراطية التي استوعبها بايدن

10 فبراير 2021
بايدن يستهل رئاسته بطرح حزمة تحفيز ضخمة لأكبر اقتصاد في العالم (فرانس برس)
+ الخط -

قبل وصوله إلى البيت الأبيض، أعلن الرئيس المنتخب حديثاً جو بايدن، عن حزمة اقتصادية ضخمة، تصل قيمتها إلى 1.9 تريليون دولار، بغرض إنعاش الاقتصاد المتردي وإغاثة المواطن الأميركي المتضرر من جائحة كورونا وتبعاتها، يستهل بها فترة رئاسته الأولى، آملاً في الحصول على موافقة أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري عليها في أسرع وقت ممكن.

ولأن الرياح لا تأتي دائماً بما تشتهي السفن، بدا واضحاً أن الجمهوريين لن يجعلوا طريق الرئيس الديمقراطي لتمرير حزمته السخية ممهداً، تارة بدعوى ضخامتها التي ستزيد من عجز الموازنة الحالي، وهو الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة، وأخرى بسبب رفضهم تخصيص مزيد من الأموال الفيدرالية للمواطنين، حيث يطلب بايدن في حزمته توجيه 1400 دولار من المدفوعات النقدية المباشرة لكل مواطن أميركي، وأخيرة لاعتراضهم على مبلغ 350 مليار دولار يرغب بايدن في منحها للحكومات المحلية في الولايات لتسريع عملية توفير المصل للمواطنين وزيادة عمل الفحوصات، كما توسيع شبكات الحماية الاجتماعية.

ورغم وصول عجز الموازنة الأميركية إلى أعلى مستوياته التاريخية، واقتراب الدين العام الأميركي من 28 تريليون دولار، جاءت الحزمة الاقتصادية التي ينوي بايدن أن يبدأ بها رئاسته ضخمة جداً حتى أنها تجاوزت أكثر من ضعف آخر حزمة أقرها الرئيس السابق دونالد ترامب قبيل مغادرته للبيت الأبيض، وأيضاً أكثر من ضعف الحزمة التي أقرها الرئيس الأسبق باراك أوباما عند دخوله البيت الأبيض، وكانت آثار الأزمة المالية العالمية وقتها واضحة على الاقتصاد والمواطن الأميركي. لكن بايدن يرى أن الأولوية حالياً هي لحل الأزمة الاقتصادية، ثم النظر في كيفية تدبير كلفة الحل في ما بعد.

ومع سيطرته على مجلسي الكونغرس، تمكن الحزب الديمقراطي من تمرير قرارات تسمح بالموافقة على الحزمة في المجلسين بالأغلبية البسيطة بدلاً من أغلبية الستين بالمائة، وهو ما يعني إمكانية إقرارها دون الحاجة لموافقة أي من أعضاء الحزب الجمهوري، إلا أن الرئيس الذي تعهد بتوحيد الأميركيين قبل فوزه في الانتخابات بدا حريصاً على عدم تجاهل الحزب المنافس في أحد أهم القرارات بالنسبة للأميركيين في الوقت الحالي، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي.

موقف
التحديثات الحية

ويحاول الديمقراطيون الإسراع بتمرير حزمة إغاثة المواطنين في وقتٍ ما زال أكثر من 18 مليون أميركي يحصلون على شكل من أشكال إعانات البطالة، وتتعثر جهود إعادة الانتعاش للاقتصاد بسبب وجود صعوبات لوجستية في توزيع المصل في الولايات، ما قلل بصورة كبيرة أعداد الأميركيين ممن حصلوا عليه مقارنةً بما كان مخططاً.

ورغم استعجال بايدن صرف الإعانات للمواطنين والولايات، إلا أن المفاوضات لم تنقطع بين البيت الأبيض وزعماء الحزب الجمهوري، من أجل التوصل إلى صيغة تضمن تحقيق رغبات الديمقراطيين، وتحوز في الوقت نفسه على رضا الجمهوريين.

والأسبوع الماضي، شارك كل من بريان ديس، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي، وجيف زينتس، منسق جهود الاستجابة لكوفيد-19، في اجتماع مع مجموعة من الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، بهدف اتخاذ قرار بشأن كيفية المضي قدماً، وفقًا لشبكة إن بي سي للأخبار، التي أكدت أن الرئيس التقى ومجموعات من الحزبين، من مجلسي الكونغرس، في محاولة لضمان مرور آمن لحزمته عند تقديمها للتصويت عليها.

يبذل الرئيس الديمقراطي قصارى جهده لتحقيق توافق بين الحزبين في ما يخص حزمته المقترحة، رغم أنه يعرف جيداً أن صناديق الانتخابات منحته حق تمرير حزمته، حتى لو رفضها الجمهوريون. وبعد تجربة ترامب التي كانت أليمة لعدد كبير من المواطنين والسياسيين الأميركيين، يدرك بايدن أن الديمقراطية الحقيقية لن تكون مجرد صندوق انتخاب يمنح شيكاً على بياض للرئيس المنتخب ويسمح له بتمرير كل ما يريد من قرارات، مهما كانت المعارضة من الأحزاب الأخرى، أو في بعض الأحيان من حزبه.

يفعل بايدن ذلك وهو الرئيس المنتخب الحاصل على أكبر عدد من الأصوات في أي انتخابات رئاسية أميركية، ويأتي بعد رئيس لم يتورع عن فعل ما يريد، غير عابئ بأي معارضة من حوله، ولو فعل بايدن ذلك الآن فلن يلومه أحد، لكنه لا يريد، ويمضي الساعات مع قادة حزبه، محاولين إقناع قادة الحزب المنافس قبل تمرير الحزم والقوانين.

موقف
التحديثات الحية

بايدن ليس الاستثناء بين الرؤساء الأميركيين، وإنما كان سلفه هو الاستثناء، وما كانت أوامره التنفيذية إلا عن مواعدة وعده إياها غروره واستهزاؤه بمؤسسات الديمقراطية الأميركية الراسخة، ولم تتبين له آثارها إلا بعد فوات الأوان.

ولا يعني ذلك أن بايدن لن يتحرك إلا بعد الحصول على موافقة الحزب الجمهوري، وربما يكون الأمر قد حسمه الديمقراطيون بالفعل، دون انتظار موافقة الجمهوريين، عند قراءتك هذه الكلمات، نظراً للحاجة الشديدة لإقرار الحزمة الاقتصادية لإنقاذ المواطنين وتحفيز الاقتصاد، إلا أن المفاوضات المكوكية التي شهدناها خلال الأيام الماضية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الرئيس حاول وناقش وأراد بالفعل أن يُقنِع، لكنه في النهاية هو المسؤول الأول وهو الذي سيحاسب لو تأخرت جهود إنعاش الاقتصاد.

أما ترامب، الذي يبدو أنه أمضى وقتاً أكثر من اللازم مع أصدقائه في الشرق الأوسط والخليج، فتتطبع بطباعهم، وسار على نهجهم، وحاول إلغاء نتائج الانتخابات عند إعلان خسارته، فقد كان يتلذذ بتجاهل المعارضين، وتخطي الديمقراطيين، وإصدار أوامره التنفيذية، وهو ما يبدو أنه لعب دوراً كبيراً في خسارته الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

قالوا لبايدن إن عجز الموازنة تضخم، فقال إنه لا يعبأ بالكلفة في الوقت الحالي، خاصة عند معدلات الفائدة الحالية. قالوا له إن الحزمة الضخمة ستسبب تضخماً في الأسعار، فقالت وزيرة المالية التي عينها إن لديهم أدوات للتعامل مع التضخم. وقالواً أخيراً إن المدفوعات النقدية تذهب لمن لا يستحقون المساعدة، فوعد بايدن بالنظر في تخفيض الحد الأقصى للدخل الذي يستحق الحصول على المساعدة. وما زال الحوار مستمراً، وبايدن يستمع ويعدل، وهذا ما تعلمه من سلفه الذي أخفق في فهم الديمقراطية الأميركية.

المساهمون