خلطة المقاومة الاقتصادية نحو دحر الاحتلال الإسرائيلي

21 نوفمبر 2023
ارتفاع البطالة وانخفاض المبيعات والركود يؤدي إلى رحيل الإسرائيليين عن فلسطين (فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال الحلم قائماً ويتجدد منذ 75 عاماً من أجل عودة أهل الأرض إلى أرضهم ومنازلهم، لا يزال الجد يترك مفتاح الدار لأولاده ليعودوا يوماً ما إلى المنزل. سيبقى هذا الحلم أبداً ما دام هناك فلسطينيون على كوكب الأرض يطالبون بالعودة، ويعملون لأجلها، حيث المعركة مع الإسرائيليين في كل شيء. وفي ميدان الاقتصاد معارك ضارية يجب الانتصار فيها.

سأحاول تفكيك أوجه الضعف لدى الاقتصاد الإسرائيلي ووضع ديناميكيات للدول والشركات العربية تقتضي التفوق عليه في كل شاردة وواردة، بالاستفادة من التجربة الصينية، إذ كانت الصين في يوم ما ذات اقتصاد ضعيفٍ ونامٍ، لكنّها باتت تنافس الاقتصاد الأميركي وتهدده، بعد اتباعها مزيجاً من الاستراتيجيات الفعّالة والتحولات الجذرية مكنها من تسريع وتيرة نموها بشكل كبير وتحولها إلى قوة اقتصادية عالمية مؤثرة.

تمكن دولة مثل الصين من تحدي الهيمنة الأميركية يمكن أن يفيدنا في البحث عن إجابات في كيفية تحدي الدول العربية للهيمنة الإسرائيلية، لنحلل أولاً بعض مصادر قوة الاقتصاد الإسرائيلي، ونأتي على الفرص الكامنة المتوفرة لإضعاف اقتصادها.

منظومة الاقتصاد الإسرائيلي

أحد أوجه القوة في الاقتصاد الإسرائيلي تنبع في الابتكار والتخصص والتركيز على القيمة المضافة، بالإضافة إلى تطوير العلامات التجارية، إذ بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي قرابة 522 مليار دولار، يعتمد بشكل كبير على ريادة الأعمال وتصنيع التقنية العالية، بما في ذلك الأمن السيبراني والتكنولوجيا الطبية والبرمجيات والتقنية المالية وغيرها. كما تساهم الصناعات التحويلية والزراعية والسياحة بنسبة مهمة في الناتج المحلي.

تصل الصادرات الإسرائيلية إلى معظم دول أوروبا وآسيا وأميركا، وتشمل السلع التكنولوجية والمنتجات الطبية والألماس، بالإضافة إلى المنتجات الزراعية والكيميائية، حيث صدرت سلعاً وخدمات في العام 2021 بنحو 64 مليار دولار، في حين استوردت بقيمة 92 مليار دولار، وحلّ اقتصادها في المرتبة 27 تبعاً لحجم الناتج المحلي الإجمالي، وفي المرتبة 24 تبعاً لنصيب الفرد من الناتج.

موقف
التحديثات الحية

على الرغم من عدم توفر مناجم ألماس في فلسطين، فإنّ الكيان يشتهر بكونه مركزاً لتجارة وتصنيع الألماس في العالم، حيث بلغت صادرات الألماس الإسرائيلية نحو 9 مليارات دولار.

انتهج الكيان نهج كوريا الجنوبية وتايوان في العمل على تصنيع الرقاقات الالكترونية وتصدير ما قيمته 5 مليارات دولار سنوياً منها، حيث تتطلب هذ الصناعة التكنولوجية المتقدمة جداً بذل استثمارات كبيرة جداً في البحث والتطوير ونهجاً في الابتكار المستمر.

وتأتي الولايات المتحدة في مقدمة الدول المستوردة للمنتجات الإسرائيلية بواقع 17 مليار دولار، فالصين تستورد ما نسبته 8.6% من إجمالي صادرات الكيان، ثم الهند 7.3%، فبريطانيا 5.8%، ودول مثل هولندا وبلجيكا وتركيا وهونغ كونغ وفرنسا وألمانيا بنسب متباينة.

يشمل قطاع التكنولوجيا الفائقة، إضافة إلى الشركات التقنية الكبيرة، مئات الشركات الناشئة والريادية العاملة في التطوير والبحث وإنتاج سلع وخدمات جديدة في مجالات عدة، حيث بلغت نسبة إنفاق إسرائيل على البحث والتطوير في العام 2020 نحو 5.35% من إجمالي الناتج المحلي، تعتبر من النسب الأعلى في العالم متفوقة على الولايات المتحدة واليابان وألمانيا في نسبة إنفاقها على البحث والتطوير من الناتج المحلي.

وصُنّف الكيان في المرتبة الخامسة على مستوى العالم في مجال الابتكار في "مؤشر بلومبيرغ" في العام 2019. ويحتل مرتبة متقدمة من حيث الناتج العلمي بعدد المنشورات العلمية لكل مليون مواطن، بالإضافة إلى أعداد العلماء والفنيين والباحثين في مختلف التخصصات ونسبتهم من عدد السكان وإجمالي عدد العاملين في الكيان.

أوصلت هذه المنهجية الاقتصادية؛ الشركات الإسرائيلية إلى العالمية، ولفتت أنظار الشركات الكبيرة للاستثمار والاستقرار فيها والاستحواذ على الشركات الناشئة فيها، ومن بين تلك الشركات "موبيلي Mobileye"، وهي واحدة من الشركات الرائدة عالمياً في تطوير أنظمة الرؤية للسيارات وتكنولوجيا القيادة الذاتية، واستحوذت عليها شركة "إنتل" الأميركية. وشركة ويز Waze في مجال الخرائط والملاحة الذكية التي لفتت انتباه "غوغل" فاستحوذت عليها. وشركة ويكس Wix وهي شركة معروفة في مجال تطوير منصات بناء المواقع الإلكترونية للمستخدمين. وشركة تشيك بوينت Check Point المختصة في مجال الأمن السيبراني ولها حضور في العديد من البلدان حول العالم، والتي تقدم حلولاً أمنية لحماية الشبكات والمعلومات، وشركة تيفا Teva المختصة في إنتاج الأدوية ولديها عمليات تجارية في العديد من دول العالم. و"سولار إدج SolarEdge" وهي شركة رائدة في تطوير حلول الطاقة الشمسية. وشركة فيفر Fiverr وهي منصة عالمية للخدمات المستقلة. وشركة بايونير Payoneer التي تقدم خدمات مالية تتيح للمستخدمين إرسال واستقبال الأموال عبر الإنترنت. وشركة آيرون سورس ironSource المختصة في تطوير برمجيات لتحسين الأداء والربحية في مجال الألعاب الالكترونية.

قدرت تقارير ودراسات أن هناك أكثر من 6 آلاف شركة ناشئة وريادية في مختلف مجالات التكنولوجيا، ما يجعل "إسرائيل" واحدة من الدول ذات الأعلى كثافة للشركات الناشئة في العالم مقارنة بعدد السكان، تغطي مجموعة واسعة من التخصصات تشمل الأمن السيبراني، والتكنولوجيا الطبية، والتكنولوجيا المالية، والذكاء الاصطناعي، والبرمجيات وغيرها.

خلطة المقاومة الاقتصادية

هناك عدة خطوات يمكن للدول والشركات العربية أخذها على عاتقها لمنافسة الاقتصاد الإسرائيلي والتضييق عليه في المستقبل، أولى تلك الخطوات، ركوب قطار الابتكار والقدرة التنافسية.

ابتداءً، لا بد من رفع نصيب البحث والتطوير نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، فالدول العربية عموماً لا يزال حجم الإنفاق فيها على هذا المجال ضئيل جداً، وينعكس هذا سلباً من خلال انخفاض أعداد الباحثين والعلماء والمنشورات العلمية والشركات التقنية والمبادرين والرياديين والمغامرين.

موضوع البحث والابتكار ليس رفاهية ولا موضوعاً كمالياً، بل يفترض أن يكون على سلم أولويات الحكومات العربية. دول مثل الصين وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة تنافس أعتى الاقتصادات المتقدمة، بل وألزمت الشركات الأجنبية للنزوح إليها والعمل على أراضيها للاستفادة من الكفاءات العالية والبنية التحتية المشجعة فيها.

لعلّ دول الخليج العربي تمتلك فرصة كبيرة لزيادة الإنفاق على البحث والتطوير بفضل الفائض في الميزانيات المالية المتأتي من ريع الموارد الطبيعية. استهدفت السعودية في رؤيتها لعام 2030 إنفاق 1.7% على البحث والتطوير، في حين يجب أن تنفق أكثر من 2.6% من ناتجها المحلي لتتفوق على "إسرائيل".

ستذهب هذه الأموال للاستثمار في البحوث لاكتساب معرفة جديدة في كافة علوم وتطبيقات الحياة، وتمويل البحوث التطبيقية لتحسين منتجات قائمة أو تطوير منتجات جديدة، وتطوير التجهيزات والمعدات اللازمة للبحث مثل المختبرات والبرمجيات الخاصة، وتدريب وتطوير المهارات اللازمة للباحثين والمهندسين، وتقديم منح وتمويلات للشركات، والتعاون مع الجامعات والمؤسسات البحثية، والإنفاق على الأبحاث السوقية لفهم احتياجات وتوقعات العملاء وتوجهات السوق المحلية والدولية، وأخيراً، تشجيع القطاع الخاص وإنشاء حواضن أعمال وتغيير نمط التعليم بما يتناسب مع اتجاهات العمل. بهذه الطريقة ستتعزز بيئة ريادة الأعمال والبنية التحتية التكنولوجية، وسيتضاعف أعداد الباحثين في كافة المجالات.

الخطوة الأخرى ستكون عبر توطين الصناعات الأجنبية ونقل المعرفة والتكنولوجيا للبدء من حيث انتهى الآخرون واستكمال الطريق من دونهم من خلال كفاءات وأيدٍ عاملة محلية. ومن ثم العمل على إنشاء علامات تجارية خاصة ذات معايير دولية ومنافسة، والوصول إلى العالمية، وتحويل البيئة الاستثمارية العربية إلى بيئة جاذبة ومنافسة، وتحويل البيئة الاستثمارية في إسرائيل إلى بيئة طاردة للاستثمارات.

ستكون الخطوة الآتية عبر منافسة الكيان في كافة المجالات والأسواق، يجب أن يكون مقابل كل منتج وخدمة تنتج في "إسرائيل" مقابل لها في البلدان العربية، من فنجان القهوة إلى الذهب والألماس والرقاقة الإلكترونية إلى التطبيقات الذكية المتنوعة.

من شأن استنزاف الشركات الإسرائيلية والعمل على إرهاقها مالياً عدم بقاء الكيان مكاناً جاذباً للشركات والأموال الأجنبية للاستثمار والاستقرار، وضرب سردية الحكومة الإسرائيلية التي تحاول ترويجها ليهود العالم للقدوم إلى "إسرائيل"، ومن شأن ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض المبيعات والركود في "إسرائيل" أن يؤدي إلى رحيل الإسرائيليين عن فلسطين.

وأخيراً، فإنّ امتلاك منتج عربي منافس واقتصاد عربي مستقل ومتطور لا يقل أهمية عن المعركة العسكرية بالبندقية، والمعركة السياسية على الطاولة... هكذا تكتمل صورة الانتصار وعودة الابن لفتح باب داره بالمفتاح الذي تركه له جده.

المساهمون