خسائر الاقتصاد الإسرائيلي من حرب غزة تضرب خطط التطبيع

04 فبراير 2024
المستقبل قد لا يحمل منافع اقتصادية للدول المطبعة بقدر ما يحمل من أعباء (الأناضول)
+ الخط -

يفاقم استمرار العدوان على قطاع غزة من أزمة الاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما يضرب خطط التطبيع التي شرعت فيها عدد من الدول العربية خلال الأعوام الأخيرة.

وتوقع المحاسب العام لوزارة المالية الإسرائيلية، يالي روتنبرغ مؤخراً، أن تزيد نسبة الدين العام في إسرائيل إلى 62.1% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023. 

ووفقاً لموازنة 2024 المعدلة، فإن حكومة الاحتلال تقدر أن ترتفع نسبة العجز إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي. 

وجاء تقدير الموازنة المعدلة بعدما أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية، في 18 يناير/ كانون الثاني، عن تسجيل عجز في الميزانية بلغ 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 مقارنة بفائض قدره 0.6% في عام 2022، وعزت الأمر إلى زيادة الإنفاق الحكومي لتمويل الحرب على غزة.

وفي هذا الإطار، توقع كبير اقتصاديي وزارة المالية الإسرائيلية، شموئيل أبرامسون، مؤخراً، أن ينكمش اقتصاد الدولة العبرية 1.5% إذا استمرت الحرب على قطاع غزة إلى نهاية السنة الجارية، وذلك بعد أن كان يتوقع نمواً بنسبة 2.7% لسنة 2024 قبل بدء الحرب، وفق "غلوبس". 

انكماش اقتصادي محتمل 

وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، مصطفى يوسف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي سيسجل نمواً هامشياً بحدود 1.4% فقط حال انتهاء الحرب بنهاية الربع الأول من العام الجاري، بينما سيسجل انكماشاً لو استمرت الحرب في الربعين الثاني والثالث من العام. 

ويلفت يوسف إلى أن الشركات التي كانت تحاول فتح فروع لها في إسرائيل بدأت في صرف النظر عن الفكرة، في ظل مؤشرات عدم الأمان في داخل دولة الاحتلال، وتوتر جبهات الحدود، في الشمال مع حزب الله اللبناني، وفي الجنوب مع غزة، فضلاً عن استمرار توترات كثيرة من جبهة سورية، وتصاعد التوتر الإقليمي.

وعن تأثير أوضاع كهذه على مستقبل التطبيع الاقتصادي بين إسرائيل ودول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، ينوّه يوسف إلى أن الدعم الخليجي الوحيد لإسرائيل يأتي الآن من دولة الإمارات، في إطار حسابات جيوسياسية لا علاقة لها بحسابات الاقتصاد، فأبوظبي ترى أن إسرائيل حليف دفاعي يمهد لها الطريق بأروقة الكونغرس الأميركي.

أما السعودية فلا يتوقع يوسف انخراطها في علاقات قريبة مع إسرائيل، مشيراً إلى أن دول الخليج بدأت في الشعور بأن إسرائيل ربما تمثل عبئاً اقتصادياً عليها خلال المرحلة المقبلة، في ظل تصاعد التوتر الإقليمي من جانب، وتصاعد حركات المقاطعة الشعبية لمنتجات الشركات الداعمة للاحتلال من جانب آخر، ما يعني أن استمرارية الحرب تمثل مزيداً من الخسائر الاقتصادية المحتملة. 

وفي السياق ذاته، يصف يوسف السعي الإسرائيلي السابق للتطبيع مع سلطنة عمان بأنه بات "درباً من الخيال" بعد ممارسات الإبادة الجماعية للاحتلال في غزة، وموقف سلطنة عمان، رسمياً وشعبياً، الواضح ضدها.

ويلفت يوسف إلى أن العديد من الدول، بما فيها الدول التي كانت راغبة في التطبيع سابقاً مع إسرائيل، بدأت في مراجعة حساباتها، في ظل خسارة دولة الاحتلال معركة السردية العالمية، ولشعبيتها لدى الأجيال الجديدة في الغرب، ما يعني أن المستقبل قد لا يحمل منافع للدول المطبعة بقدر ما يحمل من أعباء.

خسائر القطاعات الاقتصادية

وقال الخبير الاقتصادي، هاشم الفحماوي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "الاقتصاد الإسرائيلي دخل مثلث برمودا"، متوقعاً انخفاض قيمة الشيكل مجدداً، بسبب الخسائر الاقتصادية، والمتوقع أن تتجاوز 180 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي بسبب حرب غزة. 

ولفت الفحماوي إلى أن الخسائر العسكرية الإسرائيلية وحدها، جراء الحرب، تبلغ كلفتها أكثر من 100 مليار دولار، ما يعادل قرابة الـ 400 مليار شيكل، مشيراً إلى أن النسب المعلنة للعجز المتوقع في عامي 2024 و2025 أقل كثيراً من التقديرات الواقعية.

وأشار إلى أن محافظ بنك إسرائيل المركزي، أمير بارون، توقع أن تصل خسائر الاقتصاد الإسرائيلي قرابة الـ10% من الناتج المحلي الإجمالي خلال أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين، لكن المقدر فعلياً هو أن الخسائر تتراوح ما بين 18% و30% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي نحو 520 مليار دولار، وفقاً للتقديرات الدولية والرسمية.

ويستند الفحماوي، في تقديره للخسائر المتوقعة جراء استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إلى الخسائر الضخمة المحققة في قطاع التكنولوجيا، بسبب التعديلات القضائية منتصف 2023، ثم بسبب تداعيات الحرب المستمرة على قطاع غزة.

وفي بداية عام 2023 استقطب الاقتصاد الإسرائيلي استثمارات للقطاع من صناديق سيادية في منطقتي الشرق الأوسط وأوروبا بمقدار 5.5 مليارات دولار، لكن هذه الاستثمارات خرجت بخسائر تجاوزت 40% بعد الحرب والجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، بحسب الفحماوي.

وامتدت خسائر الاقتصاد الإسرائيلي إلى مختلف القطاعات، بحسب الفحماوي، حيث خسر القطاع الزراعي نحو 4 مليارات شيكل في الربع الأخير من 2023، كما تراجعت إيرادات قطاع البناء الإسرائيلي بأكثر من 80% بسبب الحرب وارتفاع المعروض العقاري.

وامتدت الخسائر بسبب الحرب على غزة إلى القطاعات الخدمية مثل البنوك، بسبب تعثر المقترضين في السداد، أو قيام العملاء بالتوسع في سحب ودائعهم، وكذا السياحة حيث جرى إلغاء 85% من الحجوزات السياحية، كما ألزمت الحكومة الإسرائيلية فنادق عدة باستقبال النازحين من غلاف غزة والشمال.

وإزاء ذلك، يخلص الفحماوي إلى أن "الاقتصاد الإسرائيلي غرق في الوحل ولن يخرج منه بسهولة"، حسب تعبيره.

المساهمون