لصوص مساعدات غزة... عصابات مسلحة تحت حماية الاحتلال

14 نوفمبر 2024
فلسطيني ينقل أكياساً من المساعدات في مركز توزيع تابع لـ"أونروا" (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تفاقم الأزمة الاقتصادية في غزة: شهدت غزة ارتفاعًا حادًا في أسعار السلع بسبب الإضرابات واستغلال التجار، مما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية لنحو 2.4 مليون نسمة.

- تحديات إدخال المساعدات: تعاني عملية توريد المساعدات من صعوبات بسبب سرقات العصابات المسلحة المدعومة من قوات الاحتلال، مما يعيق وصول المساعدات لمستحقيها.

- الحلول المقترحة لضبط الأسواق: اقترح المختصون تشكيل لجنة لضبط استلام وتوزيع المساعدات وإنشاء مخازن للسلع داخل غزة، مع فرض إجراءات صارمة ضد التجار المحتكرين لضمان استقرار الأسواق.

 

قفزت أسعار السلع والمواد الغذائية خلال الأسبوع الأخير في قطاع غزة إلى ضعفي ما كانت عليه قبل لجوء الأهالي والعشائر الفلسطينية لخطوة الإضراب وإغلاق الأسواق في مدينتي دير البلح وخانيونس في جنوب القطاع ووسطه.

ويأتي ذلك وسط استفحال ظاهرة العصابات المسلحة التي تسطو على المساعدات والشاحنات التجارية تحت حماية الاحتلال، وتعيد بيعها في الأسواق بأضعاف سعر الكلفة.

وسجلت أسعار السلع والمواد الغذائية قفزات نوعية جديدة في ظل تردي الأوضاع المعيشية لنحو 2.4 مليون نسمة، وحالة التجويع التي يعيشها النازحون الفلسطينيون بفعل الحرب الإسرائيلية المتواصلة للعام الثاني على التوالي، ونقص المواد في الأسواق وعدم تدفق المساعدات بوتيرة تتلاءم مع الاحتياجات.
ورغم لجوء الأهالي لخطوة الإضراب وإغلاق الأسواق، إلا أن التجار وموردي البضائع رفعوا أسعارها في السوق، في خطوة معاكسة للهدف الذي أرادت العشائر والعائلات الفلسطينية تحقيقه من خطوة إغلاق الأسواق الأسبوع المنصرم.

دور العصابات المسلحة

يعمل بعض التجار على استغلال نقص البضائع، فيرفعون أسعار السلع بشكل كبير، حيث باتت أسعار المعلبات والمواد الغذائية تفوق 200 ضعف أسعارها في الوضع الطبيعي، علاوة على ظاهرة العصابات المسلحة التي تعمل على سرقة المساعدات والشاحنات التجارية وإعادة بيعها في الأسواق بأضعاف سعر الكلفة، الأمر الذي ساهم في صعود موجة الغلاء وتفاقم الجوع، وخاصة في شمال غزة.
وباتت عملية توريد السلع والمواد الغذائية للقطاع مهمة صعبة في ظل تكرار عمليات السرقة التي تجري بالقرب من معبر كرم أبو سالم والحماية التي توفرها قوات الاحتلال الإسرائيلي لهذه العصابات، في وقت تعمل فيه على استهداف مجموعات تأمين المساعدات سواء بالقصف المدفعي أو القصف الجوي لها.

وكانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قد اتهمت في بيان سابق جيش الاحتلال الإسرائيلي بعرقلة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر وقصف مواكب تأمين شاحنات المساعدات، والذي ساهم بانتشار اللصوص الذين يسيطرون عليها ويبيعونها بالأسواق.

استشهاد مجموعات التأمين

وتكررت في الشهور الأخيرة حوادث استشهاد مجموعات التأمين سواء تلك الحكومية أو المجموعات التي تم تشكيلها من قبل العشائر بالاتفاق مع الفصائل الفلسطينية لحماية الشاحنات ووقف ظاهرة السرقات التي تجري لها وهو أمر لم يتوقف.
في المقابل، لا تقوم قوات الاحتلال باستهداف المجموعات المسلحة التي تسرق هذه الشاحنات، بل تسهل لهم المرور، ما يعكس رغبة إسرائيلية في استمرار تجويع القطاع ومنع وصول المواد الغذائية والمساعدات لمستحقيها.
وإلى جانب ذلك، يرفض التجار التعامل ببعض الفئات من العملات النقدية، لا سيما المعدنية منها مثل فئة "عشرة شواكل"، وهي عملة متوفرة بكثرة في أيدي المواطنين، ما يعزز أزمة نقص السيولة التي تتفاقم بفعل عدم إدخال الاحتلال أي أوراق نقدية منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، (الدولار = 3.75 شيكلات إسرائيلية).
وباتت بعض الخضروات الأساسية، مثل الخيار والباذنجان، تباع بنظام القطعة الواحدة، حيث تصل بعضها إلى مبلغ 12 دولاراً، وسط ارتفاع البطالة لأكثر من 90% وزيادة انعدام الأمن الغذائي.
 

قفزة الأسعار في غزة

وفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، شهد الرقم القياسي لأسعار المستهلك في قطاع غزة ارتفاعا حادًا بنسبة 283% منذ تشرين الأول 2023 حتى نهاية سبتمبر/ أيلول 2024 نتيجة للحرب المستمرة.
وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قد نبه إلى أنّ أزمة المجاعة في قطاع غزة اقتربت من نقطة اللاعودة، في ظل توقعات بحدوث وفيات بالعشرات يوميًّا في صفوف الجوعى، ما يتطلب الإعلان رسميًّا عن المجاعة في عموم أنحاء القطاع، وخاصة في شماله الذي يتعرض لحصار وقصف وحرمان من المواد الأساسية التي لا غنى عنها للبقاء على نحو غير مسبوق.
وقال تقرير نشره البنك الدولي في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي إن سكان قطاع غزة يعانون من الفقر مع بلوغ نسبته 100%، وأن التضخم تجاوز نسبة 250% مع استمرار الحرب. وأشار التقرير الذي صدر بعنوان "التحديث الاقتصادي الفلسطيني" إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للأراضي الفلسطينية انخفض بنسبة 35% في الربع الأول من 2024، وهو الأعلى على الإطلاق.
في السياق، يقول النازح الفلسطيني أحمد موسى إن الارتفاعات التي بلغتها أسعار المواد الغذائية وصلت إلى مستويات مجنونة لا يمكن معها شراء الطعام بشكل يومي في ظل استمرار الحرب وعدم وجود مصادر دخل له ولعائلته.
ويضيف موسى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع صعب للغاية ولا يوجد طعام بشكل يومي وحتى خطوة الإضراب جاءت بشكل سلبي لم تتراجع معه الأسعار أو تنخفض بشكل يمكّن النازحين من الشراء بشكل مريح".
ويتابع: "أين الحكومة؟ وأين وزارة الاقتصاد؟ الجميع تخلوا عنا وتركوا لنا تجار الحرب يتحكمون بنا وبطعامنا، وأصبح العدس رفيقاً يومياً لنا في أغلب الوجبات أو بعض المعلبات المشكوك في صحتها".
أما النازحة فاطمة رفيق فتشتكي هي الأخرى من أسعار البضائع سواء حفاظات الأطفال أو المواد الغذائية، حيث تقول: "من الذي أقنع التجار بأن سكان غزة يعيشون في سويسرا أو يمتلكون أموالاً طائلة؟".

مطالبة بتدخل العشائر والحكومة

وتطالب رفيق في حديثها لـ"العربي الجديد"، بأن تتدخل الحكومة والعشائر لضبط الأسواق وأن تعمل على ملاحقة التجار، الذين وصفتهم بـ"بمصاصي الدماء"، ويستغلون حاجة الناس برفع الأسعار إلى أضعاف ما هي عليه.
بدوره، يرى المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب أن المطلوب تشكيل لجنة ضبط اقتصادي مكونة من ممثلين عن مؤسسات القطاع الخاص والعشائر والعائلات والمؤسسات الأهلية والقوى الأمنية والتنمية الاجتماعية والاقتصاد لضبط الحالة.

ويقول أبو جياب لـ"العربي الجديد"، إن هذه اللجنة منوط بها وضع آليات لضبط استلام وتخزين وتوزيع المساعدات على المواطنين في كل مناطق النزوح والسكن، بما يحقق عزلاً كاملاً للمساعدات عن البضائع التجارية وضمان وصولها لمستحقيها، ومنع استخدام مسار إدخال المساعدات لأغراض تجارية، سواء ببيع التنسيقات أو بعقد اتفاقات خاصة لتسهيل مرور البضائع التجارية تحت اسم المساعدات.

مطلوب إنشاء مخازن داخل غزة

يضيف المختص في الشأن الاقتصادي أن اللجنة يجب أن تخصص مخازن للسلع داخل غزة، بعد دخول البضائع من المعابر إلى القطاع، بحيث لا يسمح ببيع المنتجات في السوق المحلي إلا بعد مرورها على المحطة وإبراز الأوراق الثبوتية من فواتير ومصاريف نقل وتأمين، وبموجب احتساب التكاليف شاملة أسعار السلع، ويتم وضع نسبة ربح محددة للتاجر وتحديد آليات البيع في الأسواق مع ضرورة اعتماد المحال التجارية الرسمية لعمليات البيع النهائي للمواطن، مع تحديد سعر السلعة للمواطن.
ويؤكد أبو جياب على ضرورة اتخاذ إجراءات ثورية بحق كل تاجر يثبت عليه رفع الأسعار أو الاحتكار أو الابتزاز، مثل سحب البضائع وإغلاق المخازن، ومصادرة أي بضائع يمكن أن تدخل لصالحه من المعابر، ومصادرة سيارات النقل الخاصة به، والتحفظ على أمواله وممتلكاته الخاصة، إلى جانب تنظيم الأسواق الشعبية ومنع الفوضى في الطرقات العامة.
ويعتقد المختص في الشأن الاقتصادي أن أي حراك غير منظم وواضح الملامح والصلاحيات والجهات المعروفة سيفتح الباب على مصراعيه للفوضى واللصوص للتسلل وارتكاب الجرائم بحجة ضبط السوق والتخفيف عن المواطن.

المساهمون