بينما حذر الرئيس الأميركي جوزيف بايدن يوم السبت نظيره الروسي فلاديمير بوتين من مغبة غزو أوكرانيا، وأبلغه في مكالمة هاتفية أن بلاده سوف تتكبد خسائر باهظة من الغزو وستتعرض للحظر الاقتصادي والمالي بما في ذلك استخدام نظام التحويلات العالمي "سويفت"، يثار سؤال ما الذي تريد موسكو تحقيقه من غزو أوكرانيا ولا سيما اقتصاديا؟ وكيف ستستجيب الأسواق العالمية في حال حدوث الغزو؟
حتى الآن وعلى الرغم من التوقعات الأميركية بأن روسيا قد تغزو أوكرانيا في أية لحظة، إلا أن روسيا تقول إنها لا تنوي غزو أوكرانيا.
في هذا الشأن قال يوري يوشاكوف المسؤول المساعد بالكرملين إن "الولايات المتحدة تجاهلت مطالب موسكو بوقف تمدد قوات حلف شمال الأطلسي "ناتو" في شرق أوروبا وكذلك مطالبها بعدم نصب صواريخ في أوكرانيا.
وتكشف هذه التصريحات مخاوف روسيا الأمنية من الولايات المتحدة وحلفائها في حلف الناتو، وأنها ربما ترغب عبر هذا التهديد العسكري لأوكرانيا في الحصول على تعهدات أميركية لحماية أمنها.
في هذا الشأن يفسر محللون غربيون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستهدف من التهديد العسكري لأوكرانيا، تحقيق أهداف استراتيجية من بينها إحياء مجد الإمبراطورية السوفييتية واستعادة جزء من الأراضي التي خسرتها في أعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي وتفكك الجمهوريات التي كانت تابعة له وتحولها إلى دول مستقلة معظمها باتت أعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ولكن على الصعيد الاقتصادي، ورغم أن روسيا غنية بالمعادن والطاقة، إلا أن لديها اقتصادا صغيرا نسبياً مقارنة بحجمها العسكري ونفوذها السياسي في العالم، حيث يتجاوز حجمها الاقتصادي 1.7 تريليون بقليل، حسب بيانات البنك الدولي. وبالتالي فإن السيطرة على أوكرانيا ستضيف للاقتصاد الروسي وتمنحه أسواقاً جديدة وسط المنافسة الشرسة الجارية في العالم على الأسواق العالمية.
كما يرى محللون أن لدى موسكو طموحات في الحصول على موارد الطاقة من النفط والغاز المتواجدة في البحر الأسود وربما تحديد من يستخرجها وبأية حصة، إذ إن هيمنتها على أوكرانيا تجعلها شريكاً رئيسياً في موارد البحر الأسود الغني بالنفط والغاز وتمنحها نفوذاً أكبر في منطقة الأناضول وآسيا الوسطى الغنية بالطاقة ومعادن اليورانيوم والذهب.
ولكن كيف ستستجيب الأسواق العالمية في حال حدوث حرب حقيقية بين روسيا وأوكرانيا؟
على الصعيد المالي يتزايد قلق المستثمرين من احتمال حدوث حرب روسية أوكرانية في وقت لم تخرج الأسواق العالمية كلياً من جائحة كورونا، كما تنتابها مخاوف التضخم المرتفع وزيادة الفائدة الأميركية وتداعياتها على ارتفاع سعر صرف الدولار وهروب رأس المال من الأسواق الناشئة.
وبالتالي فإن حدوث الحرب في أوروبا سيكون قاصم الظهر للمستثمرين الباحثين على ملاذات آمنة تحمي ثرواتهم. حتى الآن يتوقع العديد من الخبراء حدوث اضطرابات واسعة في البورصات العالمية وأسواق السلع والمعادن والطاقة.
في هذا الشأن يرى المحلل ديمان هانزي بشركة "انفستمنت ماتريكس" البريطانية، أن المستثمرين في حال حدوث الحرب سيهربون من البورصات وسيتدافعون لشراء الأصول الآمنة مثل سندات الخزانة الأميركية، وبالتالي سترتفع أسعارها وينخفض العائد عليها.
ويقول المحلل هانزي إن الحرب ستقود كذلك إلى هروب المستثمرين من الأسهم الأوروبية تحديداً وستتكثف مبيعات الأصول الروسية وسيشهد الروبل هزة قوية مع فرض العقوبات الغربية، خاصة إذا شملت حظر روسيا من الدولار واستخدام نظام التحويلات العالمية "سويفت"، كما وعد بايدن. كما يشير خبراء آخرون إلى أن أسهم المصارف الأوروبية صاحبة القروض الكبرى في السوق الروسي، خاصة المصارف التجارية في كل من فرنسا وإيطاليا والنمسا وهولندا ستكون من كبار الخاسرين في أسواق المال الأوروبية.
وبالتالي ستشهد الأسواق المالية هروباً ومبيعات يسيطر عليها الهلع في أيام الحرب الأولى قبل أن تتضح الرؤية حول كيفية تعامل الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا مع الغزو.
وحسب بيانات سوق "وول ستريت"، فإن المبيعات القلقة للأسهم بدأت في الولايات المتحدة فعلاً، حيث أدت إلى خسائر كبرى في المؤشرات الرئيسية بالبورصات الأميركية. إذ تراجع مؤشر داو جونز بنحو 500 نقطة يوم الجمعة كما خسر مؤشر "ستاندرد اند بوورز ـــ 500" الرئيسي نحو 1.9% من قيمته.
وتشير مؤشرات بلومبيرغ لأسعار الطاقة أمس الأحد، إلى أن سعر خام برنت لعقود إبريل/ نيسان كسبت أكثر من ثلاثة دولارات وارتفعت إلى 94.44 دولارا للبرميل، كما ارتفع سعر خام غرب تكساس الأميركي إلى 93.10 دولارا للبرميل.
وقال خبير الطاقة بمجموعة "برايس فيوتشر غروب" الأميركية، فيل فيلين، أول من أمس: "من المؤكد أن أسعار النفط سترتفع إلى 100 دولار للبرميل في حال حدوث الحرب".
وأشار في تعليقات لنشرة "ماركت ووتش" الأميركية، إلى أن "أسعار النفط سترتفع بمعدلات كبيرة في بداية الحرب قبل أن تبدأ التراجع التدريجي".
ولكن الأزمة الكبرى التي ستشهدها أسواق الطاقة ستكون على صعيد أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، حيث تهيمن شركة غاز بروم الروسية على نحو 40% من استهلاك الغاز في القارة. وتنتاب الأسواق مخاوف من قطع أو خفض الإمدادات الروسية إلى القارة العجوز في حال عدم السيطرة على الغزو الروسي او حدوث أعطاب في الأنابيب الرئيسية المغذية للدول الأوروبية.
ولكن المخاوف الكبرى إلى جانب الغاز الطبيعي تتركز على أسواق المعادن، حيث ينتاب المستثمرون القلق من ارتفاع جنوني في الأسعار، خاصة أن تحالف روسيا والصين يهيمن تقريباً على إنتاج العديد من المعادن الرئيسية التي تدخل في الصناعة بالولايات المتحدة وأوروبا.
وبالتالي يرى محللون أن الحرب في حال حدوثها ستهدد الدورة الصناعية في أميركا وأوروبا، ولن تقتصر على تداعيات ارتفاع النفط والغاز على الصناعة.
في هذا الصدد، قال وارن باتريسون، رئيس وحدة السلع بشركة "آي أن جي إيكونومكس"، لنشرة "ستاندرد آند بوورز غلوبال بلاتس"، إن روسيا من كبار المنتجين للمعادن إضافة إلى النفط والغاز... وفي حال فرض حظر قاس على روسيا فإن سوق المعادن سيشهد اضطراباً كبيراً ونقصاً في العديد من المعادن".
ومن الواضح أن الصين ستدعم روسيا عبر توفير الدولارات التي ستحتاجها ولم يستبعد محللون أن تقوم بشراء المعادن الروسية ليس بسبب حاجتها لها ولكن لتخزينها ودعم الحليف الروسي.
وتشير بيانات إلى أن إنتاج الألومنيوم في روسيا بلغ 3.86 ملايين طن متري في العام 2020. وتسيطر شركة "روسال" الروسية للألومنيوم وحدها على حصة 6.2% من إجمالي الإنتاج في العالم.
كما أن روسيا صاحبة ثالث أكبر احتياطي من السلع الرئيسية في العالم. ويساهم دخل منتجات التعدين بنحو 200 مليار دولار سنوياً للناتج المحلي للاقتصاد الروسي.
وتنتج روسيا سنوياً نحو 1.4 مليون أوقية من الذهب. وبلغت صادراتها من الحديد الخام نحو 18.2 مليار دولار كما بلغت صادراتها السنوية من الصلب نحو 15.3 مليار دولار، حسب بيانات "تريدنغ إيكونومكس".
ولدى روسيا احتياطات ضخمة من الذهب والبلاتينيوم والمعادن الأرضية النادرة، حيث تنتج سنوياً نحو 1.4 مليون أوقية من الذهب. وتنتج الشركات الروسية نحو 1.3% من إجمالي المعادن النادرة.
ولكن ربما سيتوقف حجم الحظر الغربي وخطورته على الأسواق على تعامل موسكو مع واشنطن في حال حدوث الحرب.