خدعة المساعدات الأميركية للشعب الفلسطيني

23 أكتوبر 2023
تقصف غزة بأسلحة أميركية (Getty)
+ الخط -

عندما يكون الظالم هو نفسه القاضي والجلاَّد، فمساعدته أقبح من ظلمه. بشكل لا يمتّ للإنسانية بصلة، أعلن الرئيس الأميركي بايدن، يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول، أنّ الولايات المتَّحدة ستُقدِّم مساعدات إنسانية بقيمة 100 مليون دولار للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.

ووفق مزاعم بايدن، فإنّ ذلك الدعم سيُمكِّن أكثر من مليون نازح ومتضرِّر من الحرب من الاستفادة من المياه النظيفة والغذاء والرعاية الطبية تحت إشراف شركاء الولايات المتّحدة الموثوقين، بما في ذلك وكالات الأمم المتّحدة والمنظّمات غير الحكومية الدولية، علماً أنّ حرب الإبادة الجماعية هذه لم تكن لتتطوَّر وتصل إلى ما هي عليه الآن لولا الضوء الأخضر من أميركا التي تبدو صهيونية أكثر من الصهاينة.

قبل يوم واحد من تبجُّحه بتقديم الفتات للشعب الفلسطيني المكلوم والمظلوم، درس بايدن طلباً إضافياً منقطع النظير من ناحية السخاء بقيمة حوالي 100 مليار دولار، يشمل مساعدات دفاعية لإسرائيل وأوكرانيا، كما تلقت دولة الاحتلال يوم، الخميس الماضي، دفعة جديدة من المساعدات العسكرية الأميركية.

ومن المتوقَّع أن يطلب بايدن من الكونغرس تمرير مشروع قانون إنفاق إضافي في غضون أيام، وبالتالي فإنّ الحقيقة العارية التي تتفاقم ويلاتها إلى حدّ اللامعقول هي أنّه عندما يتعلّق الأمر بالحليفة الأزلية إسرائيل، فإنّ الدعم الأميركي يكون بالمليارات وليس بالملايين.

فمنذ عام 1946، تلقَّت إسرائيل مساعدات أميركية بقيمة 146.26 مليار دولار، وفقاً لتقرير أصدرته خدمة أبحاث الكونغرس Congressional Research Service في بداية مارس/آذار 2023 تحت عنوان U.S. Foreign Aid to Israel.

الحقيقة المرّة الأخرى التي لم تعد خافية هي أنّ المساعدات الغربية المُوجَّهة اسمياً للشعب الفلسطيني تصبّ فعلياً في خزائن الاحتلال الصهيوني، وهذا ما أثبتته العديد من الدراسات، حيث تعتبر دراسة Tillekens، التي جاءت تحت عنوان of the Aid to the Palestinians Ends Up in the Israeli Economy والمنشورة في عام 2010، هي أوّل محاولة لتقدير حجم المساعدات المُقدَّمة للفلسطينيين التي تصبّ في مصلحة الاقتصاد الإسرائيلي.

وتوصَّلت هذه الدراسة إلى أنّ 71% من المساعدات الممنوحة للفلسطينيين ينتهي بها المطاف في الاقتصاد الإسرائيلي، ممّا يعني أنّه من بين أكثر من 12 مليار دولار من المساعدات الخارجية المُقدَّمة للفلسطينيين بين عامي 2000 و2008، انتهى المطاف بـ 8.7 مليارات دولار في الاقتصاد الإسرائيلي، وهذا يعني أنّ المساعدات المخصَّصة اسمياً للفلسطينيين تخدم الاقتصاد الإسرائيلي أكثر بكثير مما تخدم الاقتصاد الفلسطيني.

كما أفادت دراسة Hever المُعنونة بـ How much International Aid to Palestinians Ends Up in the Israeli Economy والمنشورة في عام 2015 بأنّ 72% على الأقلّ من المساعدات الدولية الممنوحة للفلسطينيين تدعم في نهاية المطاف الاقتصاد الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية وتساعدها على تمويل الاحتلال وتكريسه وتثبيته.

في الواقع، تتعدَّد الطرق التي تستغلّ من خلالها السياسات الإسرائيلية الخبيثة تلك المساعدات وتحوِّلها إلى أداة ناجعة بيد الاحتلال الغاشم لاستدامة المشروع الاستيطاني وتكريس الواقع الكولونيالي.

نتيجة للممارسات الإسرائيلية الخانقة، تصبّ حصّة معينة من المساعدات الممنوحة للفلسطينيين في صالح قطاع التصدير الإسرائيلي، حيث يضطرّ الفلسطينيون إلى استيراد معظم بضائعهم وحاجياتهم من إسرائيل في أغلب المجالات.

كما مكَّن البروتوكول الاقتصادي بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والمعروف باسم اتِّفاقية باريس التي تمَّ توقيعها في إبريل/نيسان 1994، من خلق ظروف مواتية لحصول منظمات الإغاثة على المواد والسلع والمستلزمات من الشركات الإسرائيلية.

تساهم القيود التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على حركة الفلسطينيين في قيام وكالات الإغاثة بتوفير خدمات النقل بالاستعانة بالشركات الإسرائيلية.

وذهبت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى حدّ استخدام أموال المساعدات الفلسطينية في تمويل شراء الماسحات الضوئية وغيرها من المعدّات المستخدمة في نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية التي يجب أن تمرّ عبرها شحنات المساعدات.

تساعد سياسات الاتِّحاد الجمركي واستخدام الشيكل الإسرائيلي التي يفرضها الاحتلال الصهيوني على رفع التدفّقات بالعملة الإسرائيلية، حيث تتطلَّب عملية صرف المساعدات المالية ضرورة التحويل إلى عملة دولة الاحتلال.

وتساهم كل هذه العوامل في توجيه المساعدات المالية لخدمة مصالح الاحتلال، من خلال تعزيز قطاع التصدير الإسرائيلي وتوفير مصدرٍ مهمٍّ للنقد الأجنبي وكذا مصدر دخل للعديد من الشركات الإسرائيلية.

علاوة على ذلك، تصل المساعدات ناقصة إلى الفلسطينيين بسبب الأدوات الصهيونية كالضرائب ورسوم الموانئ ورسوم النقل وما إلى ذلك، فعلى سبيل المثال تفرض سلطات الاحتلال ضرائب خاصة على وكالات الإغاثة تسمى "الرسوم الأمنية" "security fees".

وتُفرض هذه الأخيرة على كل شاحنة تنقل البضائع إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة، فقد أفادت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، التي تعدّ أكبر موزِّع للمساعدات، أنّها دفعت ضرائب ورسوماً بقيمة 2.5 مليون دولار لإسرائيل في عام 2001، أي ما يقارب 1 بالمائة من إجمالي ميزانيتها.

على الرغم من منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتّحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، تظلّ إسرائيل الحكومة الوحيدة ذات السيادة في فلسطين المحتلة، كما تمارس السلطات الإسرائيلية سيطرتها على المعابر الحدودية والموانئ والمطارات والجمارك والعملة.

وتُمكِّن هذه السيطرة السلطات الإسرائيلية من تحديد الشروط المتعلِّقة بتدفُّق المساعدات وتحويلها إلى سلع وخدمات تقدِّمها الشركات الإسرائيلية بالإضافة إلى تقييد وإعاقة وصول المساعدات التي لا توافق عليها، حيث تقوم إسرائيل في كثير من الأحيان بتأخير تحويلات المساعدات الخارجية إلى السلطة الفلسطينية، كما تستمرّ في قطعها عن حركة حماس في غزة.

يجب التنويه أيضاً إلى أنّ جزءاً من المساعدات الممنوحة للفلسطينيين يتمّ استخدامه لبناء المباني والبنية التحتية التي تبذل إسرائيل الكثير من الجهود لتدميرها تحجُّجاً بأسباب أمنية واهية.

والغريب في الأمر عدم مطالبة المانحين الذين موَّلوا عملية إعادة الإعمار بتعويضات من الحكومة الإسرائيلية، وعدم قيامهم بفرض شروط أو سحب الامتيازات التجارية من إسرائيل لفرض التغيير، مُكتفين بالتفرُّج على العدوان الصهيوني بصمت مُطبق، وهم يعلمون تماماً أنّ إسرائيل لن تعيد بناء ما تدمِّره باستثناء ما تضمّه وتستحوذ عليه.

خلاصة القول، خدعة المساعدات الأميركية للشعب الفلسطيني لم تعد تنطلي على أحد، فالمساعدة الحقيقية التي يحتاجها هذا الشعب هو إنصافه ومنحه حريته وسيادته المسلوبتين. 

المساهمون