حوار مع صديق متفائل

21 يونيو 2021
المؤشرات تشير إلى احتمال انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار (فرانس برس)
+ الخط -

صديقي رئيس بنك يعمل في مصر، جمعتني الظروف به في لقاء على فنجان قهوة، وبعد السلامات والتحيات، سألته "إيه أخبار الجنيه المصري؟" فدار بيننا حوار طويل، أحاول اختصاره هنا، بعيداً عن اتهامات التخوين ومشاحنات مواقع التواصل الاجتماعي وما يطلق عليه الكتائب الإلكترونية من كلا الجانبين.  
لم يفاجأ صديقي بالسؤال، وكأنه يسمعه بصورة متكررة، فكانت إجابته أنه مستقر، وأن الظروف الحالية أفضل كثيراً مما كانت عليه في عام 2016 الذي شهد آخر قرار تعويم رسمي للعملة المصرية، فقد على أثرها نحو 60% من قيمته، قبل أن يستعيد جزءاً مما فقده خلال السنوات التالية.  
قلت لصديقي إنني غير مقتنع أن بلداً يعاني عجزاً تجارياً كالذي تعانيه مصر وعجزاً في الحساب الجاري، ترتفع قيمة عملته أمام الدولار كما حدث للجنيه المصري خلال السنوات الثلاث الماضية، التي شهدت ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار بما يزيد عن 12%.  
كانت المؤشرات تشير إلى انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بعد زيادة المعروض منه، ممثلاً في الطلب المحلي على الواردات، مقارنة بالمطلوب منه، ممثلاً في الطلب العالمي على الصادرات المصرية، إلا أنه من الواضح أن السلطات النقدية كان لها رأي آخر. 

قال صديقي إن الاستثمار في أذون وسندات الخزانة المصرية بالجنيه المصري رفع من طلب الأجانب على العملة المصرية، وزاد من المعروض من الدولار، وهو ما ساهم في ارتفاع قيمة الجنيه مقابل الدولار، مؤكداً أن الظروف الحالية تشير إلى استمرار تدفق الاستثمار الأجنبي في أدوات الدين المصرية خلال الفترة القادمة. 
قلت له إن هذا يعني أن السلطات النقدية قررت حل مشكلة سعر الصرف ونقص العملة الأجنبية من خلال الاقتراض، وهو ما يتنافى مع أبسط قواعد تعلمناها أنا وصديقي من خلال عملنا لأكثر من عقدين في القطاع المصرفي، وتحديداً في قطاع الخزانة الذي يدير مراكز العملة الأجنبية في البنوك ويقوم بتوفير السيولة المطلوبة من كل العملات، كما استثمار الفوائض منها.

وذكّرته بأن هذه الطريقة في إدارة سعر الصرف، لا تحل أزمة نقص العملة، وإنما ترحلها إلى المستقبل، حتى يحدث أي تغيير في ظروف الاقتصاد العالمي أو معدلات الفائدة على الدولار، يفرض على مستثمري هذه الأموال الساخنة بيع ممتلكاتهم من أدوات الدين المصرية، والانتقال بدولاراتهم إلى أسواق أخرى.  
ذكرت له أيضاً أن التبعات السلبية لهذه الطريقة في إدارة سعر الصرف تزداد سوءاتها حين يتزامن معها ارتفاع الدين الخارجي للبلاد، وهو ما يحدث بالفعل في الحالة المصرية، لأن ذلك يعني أن سياسة ترحيل مشكلة سعر الصرف تتم بكميات ضخمة من القروض، سواء بإصدار سندات العملة المحلية أو الأجنبية، في غياب تام للاستثمار الأجنبي المباشر، أو وجوده بصورة تقل كثيراً عما تحتاجه البلاد، وهو ما اعترفت به الحكومة المصرية في أكثر من مناسبة.  
لم يعترض صديقي على ما قلت، لكنه أشار إلى أن الحكومة وهي تفعل ما تفعل، كانت واعية للأزمة، لكنها قررت ترحيلها لفترات أطول من المعتاد، أي أنها عمدت إلى الاقتراض طويل الأجل، مع الدخول في اتفاقيات لتجديد ما يستحق من ودائع تم اقتراضها من الدول الخليجية، الأمر الذي يعني أنها تراهن على تحسن الظروف المحيطة بالجنيه المصري، بزيادة الطلب على المنتجات والخدمات المصرية، كما تدفق الاستثمارات الأجنبية، المباشرة منها قبل غير المباشرة إلى مصر، بصورة تساهم في زيادة المعروض من الدولار لشراء الجنيه، لا الدولار المقترض.  
كان صديقي شديد التفاؤل بمستقبل الاقتصاد المصري، واثقاً في تدفق الاستثمارات الأجنبية للبلاد، وتزايد القدرة التصديرية بها، دون أن يشرح لي أسباب هذا التفاؤل، أو يدلني على مكان يمكن من خلاله رؤية بوادر انتعاش. أما أنا فكنت غير متفائل، لأني اعتمد في اتخاذ قرار الشعور بالتفاؤل أو التشاؤم، إن كنت اتخذه بإرادتي فعلاً، على ما أراه على أرض الواقع. 
لم أرَ على أرض الواقع استخداما أمثل لما يتم اقتراضه من دولارات، ولا ترشيدا لما يرد للبلاد، رغم علمنا جميعاً أنها موارد محدودة، وأن أغلبها قصير العمر، الأمر الذي يعني أن أصحابها قد يطلبون استردادها في الأجل القريب. 
كان من الممكن أن أستسلم للتفاؤل لو شاهدت هذه الدولارات تستخدم في تحسين الميزان التجاري للبلاد، من خلال خلق قدرات تصنيعية وتصديرية، تسهم في سد العجز التجاري، أو تستخدم في خلق أي مورد جديد للنقد الأجنبي، يضيف إلى المعروض منه بصورة منتظمة لسنوات قادمة.

أما وأنها تأتي فيتم استخدامها في سداد ما يستحق من قروض، بينما يتم الإعلان كل يوم عن إضافات جديدة لاحتياجاتنا من النقد الأجنبي، ليتم استخدامها في تشغيل قطار فائق السرعة لا يستفيد بخدماته إلا نسبة محدودة من طبقات الشعب، أو في بناء مفاعل نووي في الضبعة لا نعرف شيئاً عن تفاصيله أو تطوراته أو حتى حجم ما سيحتاجه من عملة أجنبية أو طريقة التمويل، أو في التوسع في بناء قصور رئاسية، لنا ولغيرنا، فلا نملك إلا أن ننتظر تفاقم الأزمة، لو استمرت السياسة النقدية على ما هي عليه في إدارة سعر الصرف للبلاد.  
لم نتفق أنا وصديقي العزيز في أغلب ما تم طرحه من قضايا للنقاش، وهو شيء طبيعي، إلا أن شيئاً واحداً جمعنا، وهو وجود احتمالية لارتفاع سعر الدولار خلال الفترة القادمة لتخفيف العبء على الموازنة العامة للدولة في ظل السياسة الحالية، بنسبة لا تسبب ذعراً لمستثمري الأموال الساخنة، وفي نفس الوقت لا تمحو جاذبية معدلات الفائدة الحقيقية على العملة المصرية، التي تعد العليا في العالم في الوقت الحالي، وهو ما يشير إلى انخفاض سعر الجنيه مقابل الدولار بنسبة 8%-10% سنوياً، يحتفظ معها مستثمر الجنيه المصري بعائد إيجابي رغم انخفاض قيمة عملته، والله أعلم. 

المساهمون