دفع تصاعد العدوان الإسرائيلي الوحشي على الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة غزة، إلى تجديد الدعوة إلى حملات مقاطعة المنتجات المصنعة داخل إسرائيل، أو تلك المصنعة من شركات أجنبية تدعمها، ما لاقى صداً واسعا في سلطنة عمان، التي أطلق فيها اقتصاديون وكتاب مبادرة لاستبدال منتجات "المقاطعة" بمنتجات محلية الصنع، أو مستوردة من بلاد لا تساند الاحتلال.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالسلطنة صوراً توضح للعمانيين المنتجات التي تجب مقاطعتها، وساهم العديد منهم في نشر ثقافة ووعي المجتمع بالمنتجات المحلية، والتي يشكل استهلاكها فارقاً جيداً حتى على الاقتصاد المحلي.
ولاقت الدعوة تجاوباً شعبياً ملحوظاً، رصده العديد من المواطنين ضمن انتشار وسم "#مقاطعة" عبر منصة X، بتصوير أفرع لسلاسل تجارية عالمية داعمة للاحتلال وهي خالية من الزبائن، للبرهنة على المشاركة الشعبية الكبيرة في مبادرة "المقاطعة الاقتصادية" لإسرائيل وداعميها.
وعزز ذلك من مواقف شعبية عبرت عن تضامن واسع مع القضية الفلسطينية والمدنيين الأبرياء في غزة، من خلال وقفات نظمتها جمعيات وروابط شعبية أمام أكبر مساجد السلطنة، ومنها مسجد السلطان قابوس الأكبر بالعاصمة مسقط في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وعزز ذلك من التفاعل مع دعوة "حركة مقاطعة إسرائيل"، المعروفة اختصاراً بـ"BDS"، لمقاطعة عدد من الشركات العالمية المتواطئة مع الاحتلال، التي تتهم تلك في حرب الشركات بالمشاركة في حملة الإبادة الجماعية، التي يشنها العدوان الإسرائيلي على سكان غزة. وأشارت الدعوة إلى أن بعض تلك الشركات مرتبط بالاقتصاد الإسرائيلي بدرجات متفاوتة.
وفي السياق، يلفت المحلل الاقتصادي العماني، سالم العبدلي، إلى أن المقاطعة الاقتصادية سبق أن أتت أكلها في مواقف كثيرة، منها الرد على حملات تدنيس المقدسات الدينية الإسلامية، مثل حرق القرآن الكريم في بعض الدول الأوروبية، وأثرت على اقتصاديات دول مثل فرنسا وبلجيكا والدنمارك والسويد، إلى الحد الذي دفع العديد من الشركات إلى إعلان التبرؤ مما يمثل ازدراء للإسلام، بحسب ما أورده مقال نشره بصحيفة "الشبيبة" العمانية.
وأشار إلى أن الدنمارك تكبدت خسائر بلغت 134 مليون يورو، أي ما يعادل 170 مليون دولار، من عمليات مقاطعة سابقة. وقدَّر مصرف "يسكي بانك" كلفة المقاطعة على اقتصادها بإجمالي 7.5 مليارات كورون دنماركي (10.7 مليارات دولار)، حيث تراجعت الصادرات الدنماركية إلى الشرق الأوسط بمقدار النصف.
كما تكبد الاقتصاد الفرنسي خسائر خلال السنوات الأخيرة، بعد قيام بعض المتطرفين بنشر رسومات مشينة لرسول الإسلام، حيث امتنع العديد من المستهلكين المسلمين والعرب عن شراء المنتجات الفرنسية.
المنتج الوطني
ويشير الخبير الاقتصادي العماني، خلفان بن سيف الطوقي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن المبادرة لتفعيل مقاطعة منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل ذات أهمية خاصة للمنتج الوطني، لكن الأمر يتطلب ضمان "استدامة" هذا المنتج عبر سن القوانين وإقرار السياسات التشجيعية التي تعطي لهذا المنتج ميزة تنافسية، وليس عبر حملات دعائية مؤقتة.
ويرى أن حكومة السلطنة يمكن أن تبني على الاستجابة الواسعة مع الدعوة إلى مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل، عبر إطلاق ماركات لمنتجات محلية، بما يفيد الاقتصاد الوطني، لتشجيع التصنيع المحلي وتعزيز إيرادات التصدير ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها العمود الفقري في هكذا مبادرة، فضلا عن ضمان دوران رؤوس الأموال محليا، والاستفادة منها في المشروعات الوطنية.
ويلفت الطوقي إلى أن السلطنة شهدت تفاعلاً شعبياً مع حملات المقاطعة لمنتجات الشركات الداعمة لإسرائيل، هو الأول على مستوى دول الخليج العربية، مشيراً إلى أن فروع سلاسل محلات مشهورة عالميا أصبحت خاوية، مقابل زيادة الإقبال على السلاسل العمانية، وغيرها من السلاسل العربية التي لا تدعم الاحتلال.
تجاوب رسمي
وما يميز الحالة العمانية هو تجاوب المستوى الرسمي مع الحسّ الشعبي، إذ أقرت حكومة السلطنة إجراءات من شأنها المساهمة في تكبيد إسرائيل مزيداً من الخسائر الاقتصادية، مثل إلغاء السماح للطيران المدني الإسرائيلي بالمرور في أجواء السلطنة، بحسب ما أوردته صحيفة "هآرتس" العبرية، في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو ما ترافق مع إجراءات رمزية تضامنية، منها إلغاء الاحتفالات باليوم الوطني العماني؛ لما يتعرض له أهل غزة من مجازر.
وكانت السلطنة قد أقرت مرور الطيران المدني الإسرائيلي بأجوائها، في فبراير/شباط 2023، رغم عدم وجود علاقات رسمية بين مسقط وتل أبيب، وذلك بعدما سمحت السعودية بذلك في أغسطس/آب 2022.
وأشار تقرير نشرته صحيفة "ذا ماركر" آنذاك إلى أن فتح المجال الجوي للسعودية وسلطنة عمان لشركات الطيران الإسرائيلية أسهم في تخفيض أسعار التذاكر للإسرائيليين بنسبة 20% إلى 30%.
ويلفت الطوقي، في هذا الصدد، إلى أن السلطنة ملتزمة باتفاقية شيكاغو للطيران المدني، وسبق لها أن صرحت بمرور الطيران المدني الإسرائيلي من أجوائها، متوقعا أن يتواكب الموقف العماني بشأن التراجع عن هذا التصريح مع آخر سعودي، باعتبار أن مسار الطائرات الإسرائيلية يمر عبر البلدين الخليجيين.
يشار إلى أن مسار الطيران المدني الإسرائيلي، الذي كان يمر بأجواء سلطنة عمان، يربط بين إسرائيل وبعض الوجهات في آسيا، مثل تايلاند والهند والصين واليابان، ويُعتبر أقصر وأسرع وأرخص من المسارات البديلة، التي تحتاج إلى الطيران حول البحر الأحمر أو الخليج العربي أو إيران.