أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد ليل الاثنين، عن حل برلمان بلاده، بينما كانت تونس تبحث عن حلول لأزمتها السياسية من أجل إقناع شركائها الماليين والمؤسسات الدولية بمواصلة دعم وتمويل الاقتصاد الذي يحتاج إلى تمويلات خارجية لا تقل عن 12 مليار دينار (نحو 4 مليارات دولار) لتأمين الحاجيات الأساسية من الواردات ودفع الرواتب.
وحسب حديث مراقبين لـ"العربي الجديد"، ستمدد هذه الخطوة أجل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية في وقت ينتظر فيه التونسيون قرارات تنتشلهم من زحف الغلاء وصعوبات المعيشة وتراجع القدرة الشرائية والعملة المحلية.
جاء قرار سعيد بحل برلمان بلاده بعد ساعات من إعلان وزيرة المالية، سهام نمصية، عن وجود مؤشرات إيجابية حول اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولي، وأيضا إعلان الاتحاد الأوروبي عن نيته ضخ استثمارات بقيمة 4 مليارات يورو في تونس وسط مخاوف من أن يقوّض حل البرلمان مسار التفاوض مع الشركاء الماليين، وخاصة أن الاتحاد الأوروبي طالب بعودة المؤسسات الشرعية من أجل تيسير عمليات منح الدعم المالي للحكومة.
ويرى وزير المالية السابق والخبير الاقتصادي سليم بسباس، أن الاستقرار السياسي لمؤسسات الحكم والتوافق الداخلي من الشروط الأساسية للممولين الخارجيين، حيث يطالب صندوق النقد الدولي ببرنامج إصلاحي يحظى بتوافق داخلي واسع. وقال بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الاستقرار المؤسساتي مهم جدا لمواصلة تعاون تونس مع المؤسسات الدولية وتحديد وجهة الترقيم السيادي للبلاد، غير أن هذا الشرط لم يكن متوفرا في تونس، وهو ما يفسّر المسار التنازلي للتصنيف السيادي خلال الأشهر الأخيرة.
واعتبر بسباس أن حلّ البرلمان يزيد من المخاطر المستقبلية بشأن الاستقرار المالي لتونس وقدرتها على الإيفاء بتعهداتها المالية تجاه الدائنين، مؤكدا أن الوضع في البلاد يزداد تعقيدا في غياب خريطة طريق سياسية واضحة يمكن أن تبعث برسائل إيجابية للمجتمع الدولي ومؤسسات القرض.
وأضاف وزير المالية السابق أن الأزمة السياسية لا يقابلها أي مؤشر عن حلول قد تأتي عبر حوار وطني جامع لمختلف الأطراف المؤثرة في المشهد العام، محذرا من مزيد انزلاق تونس نحو التعثّر المالي. وأكد بسباس أن تونس تحتاج إلى توافق سياسي لاستعادة النمو الاقتصادي وجلب المستثمرين وإبعاد شبح الانفجارات الاجتماعية.
كذلك يشدد شركاء تونس الماليون ولا سيما الاتحاد الأوروبي على أهمية عودة المؤسسات الشرعية والقارة للحكم بينما توغل الخصومات السياسية بين الرئيس سعيد وجزء من المجتمع السياسي في تعميق الأزمة بمختلف أشكالها.
وأول من أمس، قال سفير الاتحاد الأوروبي في تونس ماركوس كورنارو، بأن الاتحاد الأوروبي سيواصل دعمه لتونس، غير أنه يتمسك بعودة المؤسسات الشرعية، معلنا استعداد الدول الأوروبية لتقديم تمويل لتونس بقيمة 4 مليارات يورو (نحو 4.5 مليارات دولار)، غير مشروط بتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، في الفترة الممتدة بين 2022 و2027.
ومنذ 25 يوليو/ تموز الماضي يمسك الرئيس التونسي بمختلف السلطات في البلاد بعد أن جمّد نشاط البرلمان، وأقال حكومة هشام المشيشي بمقتضى المادة 80 من الدستور.
ويرى خبير الاقتصاد والمستشار السابق لحكومة المشيشي المقالة عبد السلام العباسي، أن حلّ البرلمان يزيد تأزيم الوضع السياسي في البلاد وقد يعطّل مسار حصول تونس على المساعدات المالية التي تربطها الدول المانحة باستقرار المسار الديمقراطي.
ويؤكد العباسي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن حلّ مجلس نواب الشعب لن يؤثر بشكل كامل على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي باعتبار أن المفاوضات لا تزال في مراحلها التقنية الأولى والتي تتطلب أولا إقناع خبراء الصندوق بقدرة تونس على تنفيذ إصلاحات تضمن استدامة الدين وتعيد التوازن للمالية العمومية.
ويرى العباسي أن الوضع السياسي يمكن أن يؤثر على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في جانبها السياسي في المرحلة الأخيرة عند تصويت أعضاء مجلس إدارة الصندوق على قرار الاتفاق المالي، مؤكدا أن الدول الممثلة في مجلس الإدارة ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي تعتبر أن استقرار مؤسسات الحكم أمر مهم.
يرى خبير الاقتصاد والمستشار السابق لحكومة المشيشي المقالة عبد السلام العباسي، أن حلّ البرلمان يزيد تأزيم الوضع السياسي في البلاد وقد يعطّل مسار حصول تونس على المساعدات المالية
ويشير المتحدث في ذات السياق إلى أن من مصلحة هذه الدول مساعدة تونس ماليا، غير أن هذه التمويلات تبقى محدودة ما لم تتضح الرؤية السياسية في البلاد وتعود المؤسسات الشرعية إلى الحكم.
وحذر تقرير مؤسسة "مورغان ستانلي" من عدم قدرة تونس على الإيفاء بتعهداتها إزاء الدائنين، منبهاً إلى أن تونس تتجه إلى التخلف عن سداد ديونها، إذا استمر التدهور الحالي في المالية العامة للدولة.
ورجّج أن يحدث ذلك العام القادم ما لم تتوصل البلاد سريعاً إلى برنامج مع صندوق النقد وتُجري تخفيضات كبيرة في الإنفاق. ويأتي هذا بعد تحذير مماثل من وكالة التصنيف الائتماني فيتش التي خفضت تصنيفها لديون تونس السيادية إلى (CCC) من (B-).