حلحلة أزمة مصر الاقتصادية

28 اغسطس 2022
لن يبدأ الحل من التفريط في أصول الدولة (فرانس برس)
+ الخط -

كثيرون يسألون: من أين يبدا حل أزمة مصر الاقتصادية العنيفة التي تمر بها البلاد حالياً والتي أثرت سلباً على مجمل الأوضاع، بما فيها الأمن الاقتصادي القومي، الحياة المعيشية للمواطن، المركز المالي للدولة، قدرة الدولة على سداد أعباء الديون والالتزامات الخارجية، بما فيها كلفة الواردات، إضعاف العملة الوطنية، تآكل المدخرات والثروات وغيرها. 
بالطبع، لن يبدأ الحل في الحصول على المزيد من القروض الخارجية وإبرام المزيد من الاتفاقات مع صندوق النقد وغيره من الدائنين الدوليين، لأن هذا يغرق الدولة في مزيد من الديون والأعباء المالية، ويرهن الدولة وقراراتها السياسية والمالية والاقتصادية للخارج، ويغرق العملة المحلية ومعها المواطن والأسواق في موجة تضخمية لا قبل لأحد بها. 

ولن يبدأ الحل من التفريط في أصول الدولة وبيع شركات وبنوك عامة بقيمة 40 مليار دولار خلال فترة 4 سنوات، لأن هذا التفريط يضعف مالية الدولة ويؤثر سلباً على إيراداتها النقدية في المستقبل، كما يؤدي لرفع أسعار السلع والخدمات، خاصة أن هذه الأصول ستؤول للمستثمرين العرب والأجانب الذين يهمهم الحصول على ربح سريع بالدرجة الأولى، ولا يهمهم المواطن من قريب أو بعيد. 

لن يبدأ الحل من التفريط في أصول الدولة وبيع شركات وبنوك عامة بقيمة 40 مليار دولار خلال فترة 4 سنوات

ولن يبدأ حل أزمة مصر الاقتصادية بإقامة مزيد من السجون وناطحات السحاب والقصور الرئاسية ودار الأوبرا والمقار الحكومية، وشق الأنهر الصناعية بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتشييد قطارات لخدمة الأثرياء وصفوة المجتمع، لأن هذه المشروعات لا تمثل أولويات للمواطن والدولة، ولا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، بل تستنزف مواد الدولة على حساب أولويات أهم مثل التعليم والصحة ومكافحة الفقر والبطالة وتوفير فرص عمل للخريجين وتحسين الأجور وتحقيق الأمن الغذائي. 

حل أزمة مصر يبدأ من الاعتماد على الذات، وهذا يتطلب تنشيط القطاع الإنتاجي، ورد الاعتبار لقطاع الصناعة المتدهور، والاهتمام بقطاع الزراعة، والعمل على الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية وفي مقدمتها القمح والشعير والذرة والأرز وغيرها من السلع التي تستنزف ما يزيد عن 16 مليار دولار من إيرادات مصر الدولارية في السنة.  

لا يعقل أن تتحدث الحكومة ليل نهار عن تشجيع رجال الأعمال في الوقت الذي يقبع فيه واحد من أبرز رجال الصناعة الوطنيين وهو صفوان ثابت ونجله في غياهب السجون

كذلك يتطلب الأمر تنشيط الاستثمار المباشر، لا اللهاث وراء الاستثمارات الأجنبية الساخنة، وطمأنة المستثمرين وحل مشاكلهم خاصة المتعلقة بالتمويل والتراخيص وكلفة الإنتاج وتوفير الطاقة، لأنه لا يعقل أن تتحدث الحكومة ليل نهار عن تشجيع رجال الأعمال في الوقت الذي يقبع فيه واحد من أبرز رجال الصناعة الوطنيين وهو صفوان ثابت ونجله في غياهب السجون دون أن نعرف الجرائم التي ارتكبها.  

الاستثمار المباشر يجب أن يحظى بأولوية مطلقة لأنه هو من يوفر فرص عمل لملايين الشباب، والسلع الأساسية للمواطن والأسواق، ويحد من فاتورة الواردات، ويزيد من إيرادات وحصيلة الصادرات والنقد الأجنبي. ولذا يجب أن يحظى بأولوية صانع القرار. 
هذه الملفات وغيرها بحاجة إلى فريق اقتصادي ومالي واستثماري حكومي متناغم، لا فريق يعمل في جزر منعزلة، حتى لا يتكرر ما حدث في السنوات الأخيرة والتي تحولت خلالها قضية خطيرة هي آلاف المصانع المغلقة والمتعثرة إلى أزمة مزمنة لقطاع المال والاعمال، ويتم حلها بإطلاق مجموعة شعارات ووعود براقة لا تتجاوز الحناجر والخطب. 

 

المساهمون