بالتوازي مع مرسومي رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أمس الاثنين، برفع الرواتب والأجور، رفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في سورية سعر مبيع ربطة الخبز المدعوم بنسبة تصل إلى 100% والمازوت الخاص بالأفران بأكثر من 165%.
ووصل سعر ربطة الخبز "1000 غرام" بعد الزيادات الجديدة إلى 400 ليرة سورية، فيما قفز سعر لتر المازوت المدعوم للأفران من 700 إلى 2000 ليرة سورية.
تبريرات حكومة الأسد
وبررت حكومة الأسد، خلال بيان اطلع "العربي الجديد" عليه، بأن السعر الجديد للخبز ليس رفعاً لسعر الربطة، بقدر ما هو مساهمة من المواطن في تحمّل جزء بسيط من عبء التكلفة لضمان استدامة تدفق هذه المادة الأساسية وتوافرها.
وأشارت إلى أن تكلفة تأمين الرغيف ارتفعت يومياً إلى معدلات غير مسبوقة، ووصلت إلى ما يزيد على 7000 ليرة سورية للربطة، بفعل جملة من الظروف، منها ما هو عالمي يتعلق بارتفاعات أسعار القمح ومستلزمات صناعة الخبز عالمياً، وتعقيدات طرق التجارة البحرية والبرية.
إضافة إلى أسباب داخلية تتعلق بخروج مساحات واسعة من الأراضي المخصصة لزراعة القمح وارتفاع فاتورة إصلاح وترميم المنشآت والمخابز والبنية التحتية الخاصة بإنتاج الخبز في المحافظات.
وأكدت أن سعر الخبز بعد الرفع لا يزيد على 5% من سعر التكلفة الحقيقية.
الخبز الملاذ الباقي لطعام السوريين
من جانبه، قال المستشار الاقتصادي أسامة قاضي لـ"العربي الجديد" إن "مصطلح خسارة الحكومة جراء بيع الخبز خطأ ومخالف لعرف العقد الاجتماعي، ويتنافى مع ما تخصصه الدولة لدعم الخبز بالموازنة العامة، ما يعني أن تلك التبريرات غير صحيحة".
وأضاف القاضي أن "الخبز المدعوم، ورغم تقنين توزيعه حسب البطاقة الذكية، بحيث لا تزيد مخصصات الأسرة على ربطتين "2 كيلو غرام يومياً" يعتبر الملاذ الباقي ليأكل السوريون، فرفع سعره وعدم منح الأسر كفاية، يزيد من الجوع وانتشار السوق السوداء للخبز".
وأكد تواصله اليوم مع دمشق، حيث "باتت الربطة تباع بـ4000 ليرة أمام الأفران وعلى مرأى الجميع"، مؤكداً أن رفع الأسعار جاء لتغطية مرسوم رئيس النظام برفع الأجور.
وكان بشار الأسد قد أصدر، أمس الاثنين، مرسومين بزيادة الرواتب والأجور المقطوعة للعاملين المدنيين والعسكريين وزيادة المعاشات التقاعدية بنسبة 50%.
وطاولت زيادة الأجور بالنسبة ذاتها العاملين بالقطاع المشترك التي لا تقلّ نسبة مساهمة الدولة فيها عن 75% من رأسمالها.
كذلك شملت زيادة الأجور العمال المياومين والمؤقتين، وعمال القطاع الخاص والتعاوني والمشترك غير المشمولة بأحكام القانون الأساسي للعاملين بالدولة رقم (50) لعام 2004 وتعديلاته ليصبح الحد الأدنى لأجورهم 278910 ليرات سورية شهرياً.
وتصرف النفقة الناجمة عن زيادة الأجور، وفق مرسوم الأسد، من وفورات سائر أقسام وفروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024 بالنسبة إلى العاملين الذين يتقاضون رواتبهم وأجورهم من هذه الموازنة، ومن وفورات سائر حسابات الموازنات التقديرية لعام 2024 بالنسبة إلى كل من جهات القطاع العام الاقتصادي وشركات الإنشاءات العامة الذين يتقاضون رواتبهم وأجورهم من موازنة أي من الجهات المذكورة.
مخاوف زيادة التضخم
في السياق، وصف الاقتصادي عبد الناصر الجاسم زيادة الأجور بـ"الهزيلة والمضرة"، لأن الرواتب بعد الزيادة الأخيرة لن تصل إلى 300 ألف ليرة سورية، في حين ناهز ارتفاع الأسعار 150% خلال الأشهر الستة الأخيرة، وارتفع متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية إلى نحو 12 مليون ليرة سورية.
وأضاف الجاسم لـ"العربي الجديد" أن حكومة الأسد رفعت أسعار الخبز، بعد دراسة وزارة الاقتصاد والتجارة، التي أشارت إلى ارتفاع تكاليف الخبز المدعوم، ورفعت أسعار المحروقات، وهو ما سينعكس على جميع أسعار السلع والمنتجات.
وأشار إلى أن ذلك "يعني سحب الزيادة من جيوب السوريين وزيادة التضخم النقدي جراء طرح كتل نقدية جديدة بالسوق وتضخم الأسعار، لأن التجار سيرفعون الأسعار بالتوازي مع الزيادة، ما يعني تراجع سعر صرف الليرة التي سجلت اليوم 15 ألف ليرة مقابل الدولار، وبالتالي زيادة نسبة الفقر التي تناهز اليوم 90% من السوريين".
وكان وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية المكونة من خمسة أشخاص قد ارتفع من 9.2 ملايين ليرة في سبتمبر/ أيلول العام الماضي إلى 12 مليون ليرة مطلع العام، في حين لم يقلّ الحد الأدنى لتكاليف المعيشة عن 7.534 ملايين ليرة، بحسب مركز "قاسيون" من دمشق.
وأشار المركز السوري إلى أن وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية شهد ارتفاعاً، في نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بنحو مليونين و528 ألفاً و666 ليرة سورية عن وسطي التكاليف، في سبتمبر/ أيلول الفائت لتقفز التكاليف خلال الربع الأخير من عام 2023 بنسبة 26.5% من تسعة ملايين و526 ألفاً و956 ليرة نهاية سبتمبر/ أيلول إلى 12 مليوناً و55 ألفاً و622 ليرة في نهاية ديسمبر/ كانون الأول.
وتستمر الأسعار بالارتفاع وسط غياب الرقابة، وفق ما تقول مصادر لـ"العربي الجديد"، ليسجل سعر كيلو السكر 16 ألف ليرة ويزيد سعر كيلو الأرز على 35 ألفاً، وسعر صحن البيض (30 بيضة) 65 ألف ليرة. في حين وصل سعر كيلو الحليب إلى 7500 ليرة واللبن "زبادي" إلى 9000 ليرة.
كذلك تجاوز سعر كيلو اللبنة 35 ألف ليرة، وزاد سعر كيلو الجبنة على 70 ألف ليرة، ووصل سعر كيلو الفروج إلى 55 ألف ليرة، وسعر اللحوم الحمراء "خروف دون دهن" إلى نحو 225 ألف ليرة.
ويتفق اقتصاديون على أن الحوالات الخارجية هي الحل الوحيد أمام السوريين لردم الفجوة بين الدخل والإنفاق، بعد زيادة على الأسعار تجاوزت 300% خلال عام 2023.
ويقدّر أصحاب شركات صرافة واقتصاديون سوريون حجم التحويلات الخارجية إلى السوريين بين 5 و6 ملايين دولار يومياً بزيادة بين 30 و40% على قيمة التحويلات العام الماضي.
الرواتب لا تكفي
ولم تتجاوز قيمة راتب أغلب الموظفين السوريين 25 دولاراً شهرياً بعد الزيادة الجديدة، وهو ما يضع الكثير من العائلات في مناطق سيطرة النظام أمام تحديات جمّة لتأمين الحد الأدنى من أساسيات المعيشة.
وسخر كاتب مقيم في دمشق فضّل عدم ذكر اسمه من الزيادة التي أقرها النظام التي "ابتُلعت على الفور من خلال رفع أسعار الخبز والمحروقات والاتصالات". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "راتب الموظف لا يكاد يكفي ليومين أو ثلاثة، لولا التحويلات الخارجية من المغتربين لعائلاتهم لشهدنا مآسي كثيرة".
وبيّن الباحث الاقتصادي ياسر الحسين، في حديث مع "العربي الجديد" أنه "يتوقف رفع الأجور على القدرة الاقتصادية للدولة وقوانين العمل المعمول بها".
وتابع: "بعد الحرب، قد يحدث ارتفاع في أسعار الخبز والمحروقات بسبب عدة عوامل، مثل تدمير البنية التحتية وتعطل سلاسل التوريد أو ارتفاع تكاليف الإنتاج". وأشار إلى أنه "قد تؤثر قيود الحكومة المالية أو الضرائب المرتفعة في أسعار هذه المواد الأساسية"، مضيفاً: "يمكن أن تؤدي زيادة أسعار الخبز والمحروقات إلى ارتفاع تكاليف المعيشة والضغط على الأسر في مناطق سيطرة النظام".
وفي السياق، بيّن الباحث بسام أبو عدنان في حديث مع "العربي الجديد" أن الشعب السوري "يعتمد على الخبز في غذائه"، مضيفاً: "ارتفاع سعر الخبز سيكون له آثار سلبية كبيرة، ولا سيما مع تدهور دخل المواطن السوري".
ولفت إلى أن هذا الارتفاع "لن يكون له آثار سياسية، فالشعب يدرك الوحشية التي سيُواجه بها في حال احتجاجه، والنظام يدرك ذلك"، مضيفاً: "رفع النظام لسعر الخبز مؤشر على انهياره الاقتصادي الكبير، ومؤشر على أن حلفاءه لا يقدمون له مساعدات، فروسيا من أهم مصدري القمح في العالم. الأفضل للنظام دعم الخبز والمحروقات والقطاع الصحي لاستعادة ثقة الخاضعين له، ولكنه وصل إلى مرحلة الانهيار، ولم يعد لديه القدرة على دعم الحاجات الأساسية للمواطنين".
(الدولار= 15000 ليرة في السوق الموازية)