أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن أخيراً، أمراً تنفيذياً يطلب بمقتضاه من مُصنعي السيارات الأميركية أن يعملوا على أن تكون نصف مبيعات شركاتهم من السيارات الكهربائية والمهجنة بحلول عام 2030، مؤكداً أن الوقت قد حان للولايات المتحدة لتقود العالم في تصنيع هذه النوعية من السيارات، كما البنية التحتية والابتكار.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه أنصار الحزب الديمقراطي من أصدقاء البيئة القرار خطوة هامة طال انتظارها، لا يبدو أنّ الطريق لتحققها في الواقع العملي ستكون ممهدة، حيث تشير الإحصاءات إلى أنّ الطرق الأميركية لم تشهد حتى الآن سوى مليونَي سيارة كهربائية، وأن من بين نحو 16 مليون سيارة خفيفة بيعَت العام الماضي، لم يكن هناك أكثر من 230 ألف سيارة كهربائية، بنسبة لا تتجاوز 1.5%.
وخلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، سلمت شركة "جنرال موتورز"، التي تنعقد عليها أكبر الآمال الأميركية في إنتاج السيارات الكهربائية، 1.3 مليون سيارة لمشترين، من بينها 20.3 ألف سيارة كهربائية فقط، بنسبة لا تتجاوز 1.6%.
ورغم أنّ الأمر التنفيذي للرئيس الأميركي لن يكون إلزامياً للشركات، إلا أنه سيعطي دفعة كبيرة لجهود الإدارة الأميركية الهادفة إلى إصدار التشريعات اللازمة لتشجيع إنتاج وبيع وقبول المواطنين للسيارات الكهربائية.
انتعاش متوقع
في لقاء مع شبكة "سي إن بي سي" الإخبارية، أكد بيتر بوتيجيج، وزير المواصلات والمرشح السابق للرئاسة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، أن قرار الرئيس، مع كونه غير إلزامي، فإنه يهيئ الظروف لتحقيق الهدف منه.
وأضاف أنه "ينبغي لنا أن نعمل لتحقيق الهدف، فقطاع المواصلات أكثر قطاع يسبّب انبعاثات الغاز، وللسيارات والحافلات النصيب الأكبر في ذلك".
ورغم تأييد مصنعي السيارات المعلن للتحول نحو المركبات الكهربائية، لم تكن خطواتهم على أرض الواقع داعمة لهذا التوجه، حيث بدا واضحاً ميلهم إلى جني الأرباح من تصنيع السيارات التقليدية قبل التحول نحو الكهربائية، خاصة أن تلك الأرباح يفترض لها أن تساعدهم على تحمّل تكاليف إنتاج السيارات الكهربائية، المعروفة بهامش الربحية المنخفض.
والأسبوع الماضي، تبنّت شركات تصنيع السيارات الأميركية ما يُعرَف باسم "الترويج السياسي"، حيث أظهرت تأييدها لتوجه الرئيس الأميركي نحو فرض مزيد من القيود على انبعاثات الغاز، وإلزام الشركات بتحسين كفاءة استخدام الوقود، أملاً في الحصول على الدعم المادي الحكومي والسماح برفع أسعار بيع سياراتها للمستهلكين.
وعلى صلة بالأمر، اقترحت وكالة حماية البيئة الأميركية، قبيل نهاية الأسبوع الماضي، قواعد جديدة تفرض على مُصنعي السيارات تحقيق متوسط كفاءة في استهلاك الوقود على كامل ما ينتجون من أسطول المركبات يبلغ 52 ميلاً (أقل قليلاً من 84 كيلو متراً) للغالون (الذي يساوي 3.785 لترات) بحلول عام 2026، وذلك من خلال استخدام مقاييس صناعية جديدة تأخذ بالاعتبار كلاً من كفاءة استخدام الوقود وخفض الانبعاثات.
تكلفة مرتفعة
تُعَدّ التكلفة المرتفعة أهم معوقات التوسع في إنتاج السيارات الكهربائية، حيث تحتاج كل مليون سيارة ما يقرب من 8 مليارات دولار لإنتاج البطاريات اللازمة لتشغيلها، وهو ما يعني أن تكلفة البطاريات (فقط) المطلوبة لتشغيل ثمانية ملايين سيارة كهربائية، تمثل ما يقرب من 50% من الإنتاج السنوي للسيارات الخفيفة في الولايات المتحدة، ستكون في حدود 64 مليار دولار.
ويحتاج مُصنّعو السيارات الأميركيون إلى تحقيق إنجاز كبير في تكنولوجيا البطاريات لتقليل تكلفة التصنيع بمبلغ يراوح بين عشرة آلاف واثنا عشر ألف دولار في المتوسط، مقارنةً بالسيارات التي تعمل بالغاز لزيادة مداها وتقليل وقت الشحن.
وفي الوقت الحالي، تخسر معظم شركات تصنيع السيارات الكهربائية آلاف الدولارات على كل سيارة تبيعها، وتُعوَّض تلك الخسائر من طريق فرض رسوم أكبر على الشاحنات التي تعمل بالغاز وسيارات الدفع الرباعي التي لا تزال الغالبية العظمى من الأميركيين يفضلونها.
تفوق صيني
وتأمل الشركات أيضاً تخفيض تكلفة تصنيع السيارات الكهربائية على المدى الطويل من خلال وفورات الحجم عند البدء بالإنتاج بكميات كبيرة.
وتتفوق الصين بصورة واضحة على الولايات المتحدة في نشاط تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، مستعينة بانخفاض تكلفة العمالة والمواد الخام عندها مقارنةً بالسوق الأميركية، حتى إن أكبر شركة إنتاج بطاريات في العالم، المعروفة باسم "كاتل" (CATL)، وهي شركة صينية، تجاوزت قيمتها السوقية 1.3 تريليون يوان (حوالى 200 مليار دولار)، متفوقة على قيمة الشركات الثلاثة التي تليها في الترتيب مجتمعة، وهي (CHEM) الكورية الجنوبية، و"باناسونيك" اليابانية و(BYD) الصينية.
ورغم أنّ الكثيرين لا يعرفون معلومات كافية عن شركة (CATL) التي تبيع بطارياتها لشركة تسلا الأميركية والأشهر في صناعة السيارات الكهربائية، التي تعد شركة آبل، مُصنع الهواتف الذكية والحواسب الآلية ماك من أهم عملائها، وتستحوذ على ما يقرب من نصف مبيعات الصين من بطاريات الليثيوم ايون للسوق الأميركية والأوروبية، فمن المتوقع أن تصبح قريباً ملء السمع والبصر، مع توجهها لتوسيع نشاطها، وربما إنشاء كيان كامل، خارج الأراضي الصينية.
واستطاعت الشركة الصينية الوليدة أن تتفوق على التقنيات الحديثة التي كان الغرب يحتكرها حتى وقتٍ قريب، وتمكنت من تحقيق أرباح تفوق أرباح كل منافساتها حول العالم، لتتربع على عرش الشركات المتنافسة في مضمار ثورة الطاقة النظيفة المشتعلة حالياً في الاقتصادات الكبرى.