نظمت المملكة العربية السعودية موسم حج استثنائيا هذا العام، سواء من حيث أعداد الحجاج، أو مؤشراته الاقتصادية، بعدما أعلن وزير الحج، توفيق الربيعة، أنّ بلاده استضافت أكثر من مليوني حاج لأول مرة منذ فترة جائحة كورونا.
وبحسب بيانات رسمية، فإن عدد الحجاج القادمين من الدول العربية بلغ 346,214 بنسبة 21 في المائة من إجمالي الحجاج، أما حجاج الدول الآسيوية، عدا العربية منها، فقد بلغت أعدادهم 1,056,317 بنسبة 63.5 في المائة، بينما بلغ عدد حُجاج الدول الأفريقية، عدا العربية منها، 221.863 بنسبة 13.4 في المائة، في حين بلغ عدد حجاج دول أوروبا وأميركا وأستراليا والدول الأخرى غير المصنفة 36,521 بنسبة 2.1 في المائة.
وشهد الموسم انتعاشا كبيراً لتجارة التجزئة في المملكة، سواء للزيادة الكبيرة في أعداد الحجاج بعد جائحة كورونا، أو لزيادة قيمة إنفاق الحجاج، التي كانت قد بلغت 26.9 مليار دولار عام 2019، بحسب بيانات رسمية سعودية، ومن المتوقع أن تكون قد اقتربت من هذا الرقم هذا العام. غير أن آفاق السعودية للحج بدأت في الاتساع وفق رؤية 2030 وانتهاء ضرورات الجائحة، إذ تدرس المملكة ربط أنظمة المدفوعات الإلكترونية للحجاج مع الأنظمة المعمول بها في المملكة، خلال المواسم القادمة، حسبما أعلن وزير الحج.
وتستهدف رؤية السعودية استيعاب 5 ملايين حاج عام 2030، ما انعكس على تطوير المؤسسات المنظمة للموسم، حيث تحولت مؤسسات الطوافة وإسناد الحج إلى شركات مساهمة، وأصبح بإمكان جميع شركات حجاج الخارج تقديم خدماتها بأي منطقة جغرافية في المملكة، ما زاد من رواج هذه الشركات.
إجراءات داعمة
وقال الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي لـ "العربي الجديد"، إن السعودية اعتمدت إجراءات مهمة لزيادة إيرادات السياحة الدينية، منذ التوسعة في الحرم المكي بداية من العام 2015، وأهمها إعطاء ميزة تفضيلية لشركات الطيران السعودية بإتاحة زيارة المملكة بدون طلب تأشيرة، إذ تقوم شركات الطيران السعودية باستصدار التأشيرة اللازمة بمقابل قليل جدا، أقل مما يحتاجه المسافر إلى السعودية من شركات طيران أخرى.
ويلفت الشوبكي إلى أن هذه الميزة التفضيلية لشركات الطيران السعودية تساعد على تنشيط السياحة في المملكة بوجه عام، إذ تكون مدة صلاحية التأشيرة سنة كاملة. ومع زيادة أعداد الحجاج إلى مستوى قريب مما قبل جائحة كورونا، ومع التضخم في أسعار الفنادق أو تذاكر السفر أو السلع والخدمات، تجني السعودية قرابة 12 مليار دولار عائدات من السياحة الدينية سنويا، وهو رقم لا يمثل سوى 1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، وبالتالي فهو لا يزال منخفضاً، ولا يعكس أهمية السعودية الدينية، كوجهة لمقدسات المسلمين، بحسب الشوبكي.
ولذا تستهدف المملكة مضاعفة هذا الرقم في رؤية 2030 عبر زيادة أعداد المعتمرين والحجاج من جانب، ورفع اهتمام شركات الطيران بهم من جانب آخر، بحسب الشوبكي، مشيرا إلى أن الشركات قامت بحجز نحو مليون و200 ألف مقعد للحجاج والمعتمرين، بما يدر دخلاً جيداً، يضاف إلى إيرادات السلع والخدمات في النشاط الاقتصادي بمكة والمدينة.
ويسهم ذلك بقوة في خطة السعودية للتنويع الاقتصادي، ورفع نسبة النمو في القطاع غير النفطي، التي سجلت 5.8 في المائة في بداية العام الجاري، ما ساهم برفع النمو الاقتصادي العام إلى 3.8 في المائة، رغم أن توقعات البنك الدولي تفيد بأن النمو الاقتصادي في السعودية سينخفض إلى 2.1 في المائة.
ركن اقتصادي
ويصف الخبير الاقتصادي، حسام عايش لـ "العربي الجديد"، الحج بأنه "ركن اقتصادي" بالنسبة لرؤية 2030 السعودية، باعتباره الموسم الرئيس للدخل السياحي، والمورد الأساسي بعد النفط.
وتحاول السعودية، عبر رؤيتها الاستراتيجية، أن ترفع عوائد الحج والعمرة إلى ضعف المتحقق حاليا، والذي يتراوح بين 12 و14 مليار دولار، حسب المواسم وعدد الزوار والحجاج، ضمن إطار أوسع لمضاعفة عائدات السياحة، ما سينعكس على مضاعفة عدد الوظائف، الدائمة أو المؤقتة، المرتبطة بموسم الحج، والتي تصل حاليا إلى نحو 900 ألف وظيفة، بما يمثل 7 إلى 8 في المائة من إجمالي العاملين في السعودية، بحسب عايش.
وإزاء ذلك، فإن للحج أهمية مستقبلية استراتيجية لاقتصاد السعودية، بحسب عايش، مشيرا إلى أن أغلب إيراداته تأتي من إنفاق الحجاج المباشر، المقدر بحوالي 2000 دولار للحاج الواحد، وهو ما ارتفع بنسبة تتراوح بين 25 في المائة و50 في المائة في موسم الحج الأخير.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن السعودية تستهدف استيعاب 30 مليون حاج ومعتمر على مدار العام 2030 ولتحقيق هذا الهدف، ستنفق السعودية نحو 150 مليار دولار على تطوير بنيتها التحتية، خاصة شبكة القطارات ومشروعات الإسكان وتوسعة الحرم، أو إنشاء أو تطوير مطارات أو مرافق ووسائل نقل جديدة.
ويصب هكذا إنفاق في مشروعات رؤية 2030 من جهة، وتحقيق عائد مستقبلي كبير من قطاع الحج والعمرة من جهة أخرى، بحسب عايش.
الطيران والنقل
وتعزز مضاعفة أعداد الحجاج والمعتمرين، ضمن رؤية السعودية الاستراتيجية، من عوائد حركة الطيران المدني من السعودية وإليها، فضلا عن عوائد النقل البري والبحري، ويضاف إليها، بحسب عايش، تحقيق المشتغلين في منظومة الحج، بكافة الدول الإسلامية، إيرادات موسمية، تغطي تكاليف السنة بأكملها.
غير أن التداعيات الاقتصادية العالمية كان لها تأثيرها على كلفة الحج، بنسبة يقدرها عايش بين 25 و50 في المائة، ما انعكس على الأسعار في أسواق مكة المكرمة والمدينة المنورة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن سياسات السعودية التي تهدف إلى الاحتفاظ بأسعار مرتفعة للنفط، انعكست على كلفة النقل ومن ثم ارتفاع كلف الإيجارات والفنادق أو الشقق، التي تستقطب نحو 64 في المائة من إجمالي الإنفاق على حاجة السكن.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى خصوصية موسم الحج الأخير في زخمه، وبالتالي كان عدد الحجاج هو الأكبر قياسا بالسنوات الماضية، على التوازي مع جملة من الإصلاحات المالية السعودية، التي شملت فرض ضريبة القيمة المضافة، إضافة إلى رفع قيمة الرسوم والإقامة على الأجانب، ما كان سببا في زيادة الكلف الإضافية على السلع والخدمات في موسم الحج.
ويعد قطاع النقل واللوجستيات الأكثر استفادة من زيادة تلك الكلف، ليس في السعودية فقط، بل في عديد الدول الإسلامية الأخرى، إضافة إلى وسائل النقل المختلفة وقطاع الأغذية والأضاحي، الذي يعد مستفيداً تقليدياً من موسم الحج، خاصة موردي الأضاحي من أستراليا ونيوزيلندا والأرجنتين وغيرها.