جيوب المصريين تنعش خزانة إسرائيل

17 يونيو 2019
مقر شركة غاز المتوسط (خالد الدسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -
لم تكتف دولة الاحتلال بالحصول، قبل 14 عاما، على الغاز المصري شبه المجاني وبقرار شخصي ومنفرد من الرئيس المخلوع حسني مبارك، وقتها كانت إسرائيل تشتري الغاز المصري، بمقتضى اتفاق أبرم في العام 2005، وتضمن إمداد شركة الكهرباء الإسرائيلية بنحو 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لمدة 20 عاما، بثمن بخس يتراوح بين 70 سنتا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما وصل سعر التكلفة آنذاك إلى 2.65 دولار وكان يتم بيعه بنحو 10 دولارات في الأسواق الدولية.

كما منحت حكومة مبارك إعفاءات ضريبية لمدة ثلاث سنوات لشركة غاز شرق المتوسط التي كان من أبرز مساهميها مجموعة ميرهاف الإسرائيلية، وشركة أمبال الأميركية الإسرائيلية، وشركة بي تي تي التايلندية المملوكة لإسرائيليين ومستثمرين آخرين، وأسسها رجل الأعمال المصري حسين سالم، المقرب من نظام مبارك وصديقه الشخصي.

ولم تكتف دولة الاحتلال بالحصول لسنوات طويلة على الغاز المصري الرخيص والمدعوم من الخزانة المصرية العامة ودافعي الضرائب في مصر، بل كانت تضغط على نظام مبارك للحصول على مزيد من الامتيازات، في الوقت الذي كان فيه ملايين المصريين يلفون لساعات وربما لأيام على أقدامهم على المخازن والمستودعات بحثاً عن أنبوبة غاز لطهي الطعام.

ولم يكف إسرائيل استمرار تدفق الغاز المصري الرخيص عليها في السنوات الأخيرة من حكم مبارك وطوال حكم المجلس العسكري لمصر وحتى العام 2012 وبسعر يقل كثيراً عن الأسعار في الأسواق العالمية.

ولولا قيام ثورة 25 يناير، وتعرّض الأنبوب الذي كان ينقل الغاز المصري إلى إسرائيل لهجمات متكررة فوق أراضي سيناء خلال العامين 2011 و2012، لتواصل التصدير حتى اللحظة ولمدة 6 سنوات مقبلة، حسب الاتفاق الذي أبرمه نظام مبارك مع حكومة الاحتلال ورعاه وزير البنية التحتية الإسرائيلي بنيامين بن إليعاز.

ولم يكف دولة الاحتلال أيضا إبرام صفقة طويلة الأجل في شهر أكتوبر 2018 تنص على استيراد مصر الغاز الإسرائيلي المنهوب من حقلي تمار ولوثيان الواقعين قبالة السواحل الفلسطينية المحتلة ولمدة 15 سنة.

ولم تكتف بانتزاع 10 مليارات دولار من أموال المصريين قيمة الصفقة المريبة التي تم إبرامها في نفس الوقت الذي أكدت فيه السلطات المصرية البدء في تصدير الغاز للخارج، خاصة من حقل ظهر المكتشف في العام 2015.

لم يكف دولة الاحتلال كل هذه المليارات من الدولارات التي حصلت عليها من أموال المصريين وبشكل مباشر عن طريق الصفقات التي تم إبرامها في العامين 2005 و2018، بل وحصلت أيضا على 500 مليون دولار جديدة سيتم سدادها من أموال الخزانة العامة لمصر، أي من أموال دافعي الضرائب.

فقد أعلنت الهيئة العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية التابعتان للحكومة المصرية، في بيان صدر مساء أمس الأحد، أنهما توصلتا إلى اتفاق ودّي مع هيئة كهرباء إسرائيل لتسوية الخلاف الناتج عن انقطاع تصدير الغاز المصري إليها منذ العام 2012. وطبقا للاتفاق، فإن مصر ستدفع 500 مليون دولار نقدا للشركة الإسرائيلية التي ستقوم بالتنازل عن دعاوي التحكيم الدولي التي أقامتها بسبب توقف تصدير الغاز المصري منذ العام 2012.

قد يقول قائل: "أليس من الأفضل سداد 500 مليون دولار بدلاً من سداد 1.8 مليار دولار أمرت غرفة التجارة الدولية مصر، بسدادها في العام 2015 كتعويض لشركة كهرباء إسرائيل عن انقطاع الغاز المصري؟

والرد على السؤال بسيط وهو، من الذي ورط البلاد في صفقة مريبة قضت بتصدير الغاز المصري لإسرائيل قبل ثورة 25 يناير، وفي الوقت الذي كان السوق المحلى يعاني فيه من نقص حاد في الغاز، ومن الذي ورط البلاد في صفقة كبدت الاقتصاد المصري خسائر تقدر بمليارات الدولارات، ولا زالت مصر ومواطنيها وخزانتها تدفع ثمنها حتى الآن؟

ألم يبرر المدافعون عن صفقة استيراد مصر الغاز الإسرائيلي التي تم ابرامها نهاية 2018 هذه الجريمة بأن الحكومة الإسرائيلية ستتنازل عن مبلغ التعويض الدولي الذي حكمت به غرفة التجارة الدولية بباريس في حال ابرام مصر هذه الصفقة؟

مصر الآن تدفع 500 مليون دولارا تعويضا لإسرائيل، وفي نفس الوقت تستورد غازا جديدا من إسرائيل لمدة 15 سنة.

من حق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن يفرح اليوم كما فرح في أكتوبر 2018 حينما وصف صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر بالتاريخيّة وبأنها عيد لإسرائيل، خاصة أنها ستدخل المليارات إلى صندوق إسرائيل لمصلحة التعليم والصحة والرفاه الاجتماعي حسب قوله في خطابه.

ومن حقه أن يفرح اليوم بتدفق 500 مليون دولار إلى خزانة بلاده من الخزانة المصرية المتعثرة والتي تعاني من عجز كبير يتم سداده من جيب المواطن والضرائب والاقتراض الخارجي والمحلي.

ومن حق نتنياهو ثالثاً أن يفرح غدا عندما يتدفق الغاز الإسرائيلي المنهوب من دول عربية مثل فلسطين وغيرها على مصر ويدخل بيوت المصريين ويصل إلى طعامهم ليسمّمه.

المساهمون