يشغل الحجز على إيرادات محصول القمح من قبل البنوك، التي تسعى لتحصيل ديونها، مئات الآلاف من مزراعي تونس ممن واجهوا هذا العام موسماً كارثياً لإنتاج الحبوب نتيجة تأثيرات الجفاف، ما هوى بإيراداتهم إلى مستويات ضعيفة قد لا تفي بتوفير الحد الأدنى من نفقاتهم المعيشية.
وسنوياً، يحصل مزارعو الحبوب على قروض موسمية لتمويل الزراعات الكبرى، على أن تُسدّد لاحقا بشكل آلي بعد صرف مستحقاتهم من إيرادات القمح من قبل المشترين. غير أن موسم الجفاف الذي أتلف ما يزيد عن 80 في المائة من المساحات المزروعة يضع مئات الآلاف من المنتجين في مواجهة العجز عن سداد الديون رغم وعود رسمية ببحث حلول لجدولة قروض الفلاحين.
وقال مزارعون في تصريحات لـ"العربي الجديد" إنهم قدموا شهادات في تضرر محاصيلهم للمصالح المتخصصة بإدارة الجوائح منذ شهر إبريل/ نيسان الماضي بعد ثبوت تلف المحاصيل، غير أن الأمر الحكومي الخاص بالتعويض وجدولة قروضهم البنكية لم يصدر بعد.
وأفادت الشهادات بأن المحاصيل الهزيلة التي جمعوها لا تكفي بالكاد لتوفير مسلتزماتهم الحياتية للموسم المقبل، في حين يواجهون سيولا من المصاريف لإعادة تمويل موسم الزراعات الجديد وتسديد القروض ومستلزمات الإنتاج التي حصلوا عليها عبر وسائل دفع مؤجلة، ولا سيما منها الصكوك البنكية. وبحسب الشهادات، لم تقدم البنوك أية إجابات بشأن جدولة القروض الموسمية التي حصل عليها الفلاحون، وهو ما يزيد من مخاوفهم بشأن الحجز على الإيرادات القليلة التي جنوها من موسم الحبوب.
وبحسب النظام المعتمد في تونس، تحوّل إيرادات محاصيل الحبوب التي يقتنيها ديوان الحبوب الحكومي من المزارعين إلى البنك الوطني الفلاحي، الذي يتولى بدوره الاقتطاع المباشر لأقساط القروض الموسمية التي يحصل عليها المزارعون سنويا لتمويل أنشطتهم .
وتبلغ ديون المزارعين حسب بيانات رسمية للبنك المركزي التونسي لسنة 2021 ما يزيد عن 800 مليون دينار، وتبلغ نسبة تخلف المقترضين عن سداد ديونهم 30 في المائة.
وكان الرئيس المدير العام لديوان الحبوب البشير الكثيري أعلن، في يونيو/ حزيران الماضي، في مؤتمر صحافي، أنه يجرى العمل على جدولة ديون الفلّاحين المتحصّلين على قروض موسمية في موسم 2022/ 2023، إلى جانب تمكين الفلاّحين المتضررين من الجفاف والمنخرطين في صندوق تعويض الأضرار الفلاحية من الحصول على مستحقاتهم قبل موسم البذر المقبل. وقال عضو المكتب التنفيذي لمنظمة المزارعين محمد رجايبية إن 500 ألف فلاح ينشطون في قطاع الزراعات الكبرى ينتظرون القرارات حول جدولة الديون.
وأكد رجايبية في تصريح لـ"العربي الجديد" وجود مخاوف حقيقية بشأن عدم التوصل إلى اتفاق يقضي بجدولة ديون المزارعين وتمكينهم من تمويلات جديدة لمواجهة موسم البذر المقبل. وأشار المتحدث إلى أنه بات من الضروري توفير خطوط تمويل جديدة وميسرة للمزارعين ولتعزيز الاستثمار الفلاحي حماية للأمن الغذائي للبلاد .
وأضاف في سياق متصل: "يتعيّن الأخذ بعين الاعتبار الأضرار الناجمة عن الأمطار التي تساقطت في الأسابيع الأخيرة التي سبقت الحصاد والتي أثرت في جودة الحبوب .
أقرت سلطات تونس، قبل موسم الحصاد، زيادة استثنائية في سعر استلام القمح الصلب بـ10 دنانير (3,3 دولارات) للقنطار ليصبح السعر عند الاستلام 140 ديناراً (46,6 دولاراً)، وسط تقديرات بأن يتجاوز المحصول 250 ألف طن من مجموع ما يزيد عن 3.4 ملايين طن تحتاجها البلاد لتوفير الغذاء. ويحتاج التوسع الزراعي في تونس وتحقيق الأمن الغذائي إلى تحفيز المنتجين عبر توفير التمويلات اللازمة وتسهيل النفاذ إلى القروض، من أجل تحسين نسبة استغلال الأراضي الفلاحية وآليات الإنتاج وضمان استدامة منظومات الغذاء.
ويواجه قطاع الزراعة في تونس، بحسب متابعين للملف، مشاكل هيكلية تعرقل تطوره، على الرغم من صموده أمام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد في سنوات ما بعد الثورة. وظل القطاع الزراعي الوحيد تقريبا الذي استمر في النشاط وفي تحقيق الأرقام الإيجابية بنسبة نمو تزيد عن 3 في المائة رغم الصعوبات والمشاكل الهيكلية والتهميش الذي يعيشه العاملون في هذا القطاع، آخرها فيروس كورونا.