عاش التونسيون ليل الثلاثاء تجربة العتمة الشاملة للمرة الأولى منذ أكثر من 21 عاماً، بعد انقطاع التيار الكهربائي على كامل محافظات البلاد لمدة تجاوزت ثلاث ساعات نتيجة عطب في المولدات الرئيسية أعلنته شركة الكهرباء والغاز الحكومية.
وخلال الليلة الفاصلة بين الثلاثاء والأربعاء، سجلت تونس انقطاعاً كاملاً للكهرباء شمل كافة مناطق البلاد استمر إلى الساعات الأولى من صباح يوم أمس الأربعاء، وسط قلق من تكرر الأعطاب في مولدات الكهرباء التي أمنت خلال أشهر الصيف طلباً قياسياً على الطاقة بسبب موجة الحر التي ضربت البلاد.
مشكلات فنية
وأمس الأربعاء، أعلنت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة عودة كامل المنظومة الكهربائية إلى سالف نشاطها وبكافة المرافق العمومية بنسبة 99 بالمائة في مختلف محافظات البلاد، بينما أكدت الشركة التونسية للكهرباء والغاز أن الانقطاع الكلي للكهرباء ناجم عن عطب فني بالأساس.
والكهرباء في تونس قطاع حيوي تسيطر عليه الدولة بشكل شبه كامل، حيث تتولى شركة الكهرباء والغاز الحكومية التي أنشئت عام 1962 توفير الطاقة الكهربائية.
ويرى المستشار السابق بوزارة الطاقة حامد الماطري أن انقطاعات الكهرباء والأعطاب الكبرى في المولدات واردة بسبب اشتغال المولدات في أقصى طاقتها دون القيام بالصيانة اللازمة وتعهد الشبكات بالتجديد في إطار الاستثمارات التي يتعيّن على الشركة تنفيذها.
وقال الماطري في تصريح لـ"العربي الجديد" إن شركة الكهرباء والغاز الحكومية مطالبة بضخ استثمارات كبيرة في تجديد المولدات وصيانتها لتجنّب تكرر تعطل شبكة الكهرباء، مؤكداً أن هذا النوع من الاستثمارات مكلف.
اهتراء الشبكات
تابع الماطري أن "أغلب الشركات الحكومية التي تؤمن الخدمات الأساسية على غرار الكهرباء والماء تواجه اهتراء شبكاتها بسبب نقص الصيانة وضعف الموارد المالية المخصصة لأعمال التجديد".
وأشار المتحدث إلى أن بوادر الاختلال بين العرض والطلب الطاقي في تونس برز منذ سنوات، غير أن حلول الانتقال نحو الطاقات البديلة تأخرت جداً، وهو ما زاد تبعية البلاد الطاقية للبلاد وفاقم فاتورة الطاقة. وتؤمن الشركة التونسية للكهرباء والغاز نحو 95% من الإنتاج، في حين شارك القطاع الخاص بنسبة 5% فقط.
ولم تعرف تونس انقطاع الكهرباء على كامل مدنها إلا في مناسبات قليلة، وكان أشهرها في يوم 30 يونيو/ حزيران عام 2002 تزامناً مع مقابلة نهائي كأس العالم بين ألمانيا والبرازيل لسبب مجهول حسب الروايات الرسمية حينها، ويوم 31 أغسطس/ آب 2014 بسبب صاعقة وعطب فني، وآخرها فجر الاربعاء 20 سبتمبر/ أيلول لعطب فني حسب الرواية الرسمية.
خلال أشهر الصيف المنقضية واجهت شركة الكهرباء تحدي الاستجابة للطلب المتزايد على الطاقة وضمان استمرارية خدمة الربط في أوقات الذروة، بعد أن سجلت البلاد في أكثر من مناسبة مستويات قياسية في الطلب جابهته باللجوء إلى تقسيط الكهرباء (قطع جزئي) بغرض تخفيف الأحمال على الشبكة وتفادياً للانقطاعات الكبرى.
وأعلنت شركة الكهرباء والغاز الحكومية يوم 20 يوليو/ تموز الماضي تسجيل ذروة قياسية في استهلاك الكهرباء تزامناً مع موجة حر كبيرة مرت بها البلاد حينها.
لكن خبراء الطاقة يرون أن الشركة باتت مطالبة بالتأقلم مع متغيرات مناخية تتطلب الزيادة في كميات الكهرباء المنتجة لتلبية طلب الحرفاء، فضلاً عن تحسين قدرة محطاتها التوليدية وأبراج نقل الطاقة على تحمّل الحرّ. وأكد الماطري في هذا السياق أن الاستهلاك الكهربائي في تونس غير ثابت ويتأثر بالعوامل المناخية، إذ يزيد الطلب صيفاً بشكل كبير وينخفض شتاء، وهو ما يتطلّب أقلمة الشبكة مع التحولات المناخية التي تشهدها البلاد. واعتبر أن تجربة تونس مع الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء لا تزال تحتاج إلى سنوات حتى تنضج وهو ما يؤكد تواصل التعويل الشامل على الكهرباء المنتج من الطاقات التقليدية.
الاستيراد من الجزائر
وتلجأ تونس إلى الجزائر لتوفير الطلب الإضافي من الكهرباء، حيث تغطي الدولة المجاورة نحو 12 بالمائة من حاجيات الكهرباء التونسية. وكشفت بيانات معهد الإحصاء الحكومي عن ارتفاع في الواردات خلال شهر يوليو/ تموز الماضي، بفعل شراءات منتجات الطاقة التي ارتفعت بنسبة 132 بالمائة ومساهمتها بالتالي بنسبة 10 بالمائة في نمو الواردات. وتخطط تونس لرفع حصة الطاقة الشمسية في مزيج الكهرباء، عبر تطوير 3.8 ميغاواط من الطاقة الشمسية المركبة بحلول عام 2030، بما يرفع حصة الطاقة المتجددة إلى 30 بالمائة بحلول نهاية العقد الحالي. وفي مارس/ آذار 2022 صادقت الحكومة التونسية على تنفيذ عدد من مشروعات الطاقة الشمسية، ضمن خطة استراتيجية لخفض فاتورة استيراد المشتقات النفطية، وتأمين احتياجاتها من الطلب المتزايد على الكهرباء.