تونس: حلول وهمية للبطالة عبر "أموال الفاسدين"

06 ديسمبر 2021
تراجع النمو ساهم في زيادة أعداد العاطلين عن العمل (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

ينتظر العاطلون عن العمل شرحاً لحلول الرئيس التونسي، قيس سعيّد، بتوفير مواطن رزق لهم عبر "شركات أهلية" وعد بإحداثها عن طريق تمويلات ينتظر أن تجمعها الدولة من الصلح الجزائي مع رجال أعمال "فاسدين"، فيما يشكك المهتمون بالشأن الاقتصادي في جدوى هذا الصنف من الحلول، في بلد بلغت نسبة البطالة فيه 18.4% من مجموع السكان.

ووعد سعيّد العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات بأن تكون الشركات الأهلية التي ينوي إحداثها بوّابتهم إلى سوق الشغل، بعد إسقاطه قانونا يجيز انتداب حاملي الشهادات الجامعية ممن طالت بطالتهم في القطاع الحكومي.

ويرى الرئيس التونسي أنّ "من بين المقاربات التي يجب العمل عليها لتشغيل الشباب المعطل عن العمل وأصحاب الشهادات العليا الذين طالت بطالتهم، استعادة أموال الشعب المنهوبة لبعث شركات جديدة هي الشركات الأهلية، يكون فيها المساهمون من سكان المنطقة وتتوفر فيهم صفة الناخب في الانتخابات البلدية".

كذلك قال سعيّد، يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إنّه "تم التنصيص في مشروع مرسوم الصلح الجزائي على إنشاء شركات أهلية"، مشدداً على ضرورة الخروج بهذا الصنف الجديد من الشركات، حتى يتمكن كلّ مواطن من تنفيذ برامجه.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وينوي سعيّد، عبر مشروعه الجديد، نقل السلطة المالية والثروة من الفاسدين، عبر مشروع الصلح الجزائي، إلى الشعب من خلال الشركات الأهلية التي يرى خبراء اقتصاد أنها مشروع غامض ويحمل بذور الفشل، بسبب عدم تلاؤمها والنموذج الاقتصادي للبلاد.
ويقول وزير التشغيل السابق، فوزي عبد الرحمن، إنّ مشروع الشركات الأهلية الذي يتحدث عنه سعيّد لا يوجد له مثيل في تجارب مقارنة، مرجحاً أن تصطدم هذه المبادرة بالفشل، وتعمّق من حالة الاحتقان الاجتماعي لدى العاطلين عن العمل.

ويوضح عبد الرحمن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ عملية نقل الثروة من الأغنياء الفاسدين إلى الشعب عبر إنشاء الشركات الأهلية مشروع "هلامي" غير قابل للتحقيق على أرض الواقع، مؤكداً أنّ هوس الرئيس بالمقاربات الجديدة والحلول المبتكرة يمنعه من تشخيص الواقع بالعقلانية المطلوبة.

يضيف وزير التشغيل السابق أنّ للرئيس أرضية قانونية جاهزة لاستيعاب العاطلين عن العمل عبر تفعيل قانون الاقتصاد التضامني والاجتماعي الذي أقره البرلمان سنة 2020، مؤكداً أنّ هذا القانون ينتظر الأوامر الترتيبية ليدخل حيز النفاذ.
وأشار المتحدث إلى أنّ قانون الاقتصاد التضامني والاجتماعي يمكن أن يساهم في سنواته الأولى بنحو 5 بالمائة في الناتج الداخلي الخام، حال انخراط الجهاز المصرفي في تمويله. ويعتبر عبد الرحمن أنّ العقلانية والواقعية تفرضان على الرئيس وحكومته النظر إلى هذا القانون قبل الشروع في تجارب غير محمودة العواقب.
يتابع أنّ اقتصاد التضامن الاجتماعي هو قطاع ثالث يضاف إلى القطاعين العام والخاص ويشمل كلّ المجالات الاقتصادية، باعتباره نمطاً جديداً وخاصاً بالمبادرات الاقتصادية.

ويضيف أنّ تونس تحتاج إلى كلّ إمكاناتها لخلق ديناميكية في سوق العمل عبر السياسات النشيطة للتشغيل، وتحسين القدرة التشغيلية لطالبي العمل وتحفيز المؤسسات الاقتصادية لتوظيف حاملي الشهادات العليا بشكل خاص، باعتبارهم يمثلون النسبة الأكبر من العاطلين عن العمل.
وتعاني تونس من مستويات بطالة مرتفعة، وفق آخر بيانات لمعهد الإحصاء الحكومي، وهي أعلى نسبة تسجل منذ نحو سنتين، نتيجة تداعيات الجائحة الصحية على القطاعات المشغلة، وتراجع نسبة النمو إلى 0.3 بالمائة في الربع الثالث من العام.
وقال معهد الإحصاء الحكومي، إن نسبة البطالة سجلت ارتفاعا بـ0.5 نقطة إلى حدود شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتبلغ 18.4 بالمائة، مقابل 17.9 بالمائة خلال الربع الثاني من السنة، وهي أعلى نسبة بطالة تسجل خلال العامين الماضيين ببلوغ عدد العاطلين عن العمل 762.6 ألفا من مجموع السكان النشطين اقتصادياً.
ويمنع ضعف نمو الاقتصاد في تونس من تحريك سوق العمل، حيث تسمح كل نقطة نمو بإحداث نحو 10 آلاف وظيفة جديدة.
وفي هذا الإطار، ينتقد عضو المكتب التنفيذي لاتحاد أصحاب الشهادات العليا المعطلين عن العمل، حسيب العبيدي، الشركات الأهلية، معتبراً أنّ حلول التشغيل عبرها هروب إلى الأمام من سلطة عاجزة عن إيجاد حلول لمعضلة البطالة وضعف النمو في البلاد.

يمنع ضعف نمو الاقتصاد في تونس من تحريك سوق العمل، حيث تسمح كل نقطة نمو بإحداث نحو 10 آلاف وظيفة جديدة.


ويقول العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ العاطلين عن العمل لم تعد لديهم القدرة على قبول المسكنات، مطالباً بحلول عملية لمشاكل البطالة التي تتسبب في احتقان اجتماعي كبير ينبئ بالانفجار في قادم الأيام، بعد تصاعد الاحتجاجات داخل المحافظات.

كذلك، يخشى خبراء الاقتصاد من استنساخ الرئيس التونسي لتجارب فاشلة لحلّ معضلة البطالة، مطالبين بمزيد من التوضيحات حول مفهوم الشركات الأهلية التي ينوي إطلاقها.
ويؤكد الباحث في شؤون الاقتصاد، آرام بلحاج، أنّ مفهوم الشركات الأهلية غامض ويطرح جملة من التساؤلات حول طبيعة هذه الشركات. يضيف الباحث أنّ ربط إنشاء الشركات الأهلية بتمويلات الصلح الجزائي قد يؤخر الحلول المطروحة لسنوات إضافية.
وفي سبعينيات القرن الماضي، عاشت تونس تجربة شبيهة بالاقتصاد التضامني في شكله التعاضدي سنوات، غير أنّ هذه التجربة فشلت سريعاً لأسباب تتعلق بطريقة التنفيذ.

المساهمون