يبدي المتعاملون الاقتصاديون في تونس مخاوف من تفاقم أزمة السيولة في البلاد وتقلّص فرص المستثمرين في الحصول على التمويلات المصرفية اللازمة لاستعادة أنشطتهم، بسبب الطلب الحكومي المرتفع على أموال البنوك لتمويل عجز الموازنة المتفاقم نتيجة تداعيات جائحة فيروس كورونا وتراجع إيرادات الدولة.
وبسبب احتياجاتها المالية، توجهت حكومة هشام المشيشي بطلب إلى البرلمان مؤخرا ضمن مشروع الموازنة التعديلي لاقتراض 10 مليارات دينار (3.6 مليارات دولار) من السوق الداخلية لتمويل عجز الموازنة الذي بلغت نسبته لأول مرة في تاريخ البلاد 14%.
وفجّر الطلب الكبير على الاقتراض الداخلي جدلاً واسعاً بشأن الدفع الرسمي نحو تحميل القطاع البنكي ثقل نفقات الدولة، ما دفع الحكومة إلى إعلان سحب مشروع قانون الموازنة التكميلي، يوم الاثنين الماضي، لإعادة النظر فيه، بعد أن طالبها البرلمان والبنك المركزي خفض خطط إنفاقها. لكن رئيس الحكومة، قال في اليوم التالي في مؤتمر صحافي إن الدولة لا تملك خيارات أخرى لتمويل عجز الموازنة، مؤكدا نيّة الحكومة التوجه نحو القطاع المصرفي من أجل تعبئة الموارد اللازمة لسداد الأجور وتسيير النفقات الأساسية لتأمين واردات الغذاء والدواء والطاقة.
ويأتي اللجوء المتزايد للاقتراض الداخلي، في ظرف يتسم بصعوبة الولوج للسوق المالية العالمية، خاصة مع تدهور التصنيف السيادي لتونس وارتفاع كلفة الاقتراض من هذه السوق، تبعا لشح السيولة من جراء تأثير الأزمة الصحية على مديونية الدول وعزوف المستثمرين الدوليين عن المخاطرة في اقتصادات الأسواق الناشئة.
وتعوّل الحكومة على شراء البنك المركزي سندات خزانة لتمويل العجز، لكن البنك يبدي تحفظا، مشيرا إلى أن هذه الخطوة سترفع التضخم وتخفض الاحتياطيات وتضغط على العملة المحلية ضمن مخاطر أخرى.
ولم تحدد الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية بعد موقفها من طلبات الحكومة بشأن توفير ما لا يقل عن 5 مليارات دينار لتمويل الموازنة في عضون الشهرين القادمين إلى جانب تمويل موازنة العام القادم، وفق عضو الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية، أحمد الكرم.
وأشار الكرم في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى اجتماعات ثلاثية بين الحكومة وجمعية البنوك والبنك المركزي لإيجاد صيغ تسمح بمواصلة القطاع البنكي لدوره في تمويل ميزانية الدولة وتوفير السيولة اللازمة لتمويل الاقتصاد.
وخلال السنوات الخمس الماضية، ساهمت البنوك والمؤسسات المالية في تمويل الموازنات بشكل فاعل وسط انتقادات لمزاحمة الحكومة للقطاع الخاص على تمويلات البنوك.
ويساهم القطاع البنكي سنوياً في الاقتراض الداخلي ما بين ملياري و4 مليارات دينار، حيث تراوحت القروض التي تحصلت عليها الدولة من السوق الداخلية بين 1.9 مليار دينار عام 2017 وحوالي 4.4 مليارات دينار عام 2019.
كما بلغت القروض التي تمت تعبئتها من القطاع البنكي العام الجاري 2.4 مليار دينار بحسب وثيقة تنفيذ الميزانية إلى حدود شهر أغسطس/ آب الماضي، فيما وصلت خدمة الدين إلى 5 مليارات دينار.
وتتفاوت صعوبات الحصول على التمويل من جانب القطاع الخاص من نشاط إلى آخر، إلا أن القطاع السياحي يبدو أكثر تأثراً، وفق المستثمر في قطاع الأسفار والسياحة ظافر لطيف، الذي قال لـ"العربي الجديد" إنه من المرجح تزايد الصعوبات التي يواجهها القطاع في الحصول على التمويلات في ظل المزاحمة الحكومية على الاقتراض>
ورجح لطيف تباطؤ البنوك في دراسة ملفات العملاء وتشددها في منح القروض نتيجة ارتفاع المخاطر وشح التمويلات في ظل تداعيات جائحة كورونا الحالية.
وأضاف أن العاملين في القطاع السياحي لم يتحصّلوا على أي تمويلات لمجابهة الأزمة وتجنّب الغلق رغم وعود حكومية بتوفير 500 مليون دينار من القروض بضمان الدولة منذ مايو/ أيار الماضي.
وفي السياق، اعتبر الخبير المالي خالد النوري، أن التقديرات الحكومية بشأن الاقتراض الداخلي غير واقعية، وغير قابلة للتحقيق، مشيرا إلى أن قدرات القطاع المالي على التمويل محدودة ولا تتعدى 3 مليارات دينار على أقصى تقدير.
وقال النوري لـ"العربي الجديد" إن السوق المالية التونسية محدودة، مؤكدا أن النواتج البنكية الصافية للبنوك لم تتجاوز 5.5 مليارات دينار العام الماضي، ما يفسّر مخاوف المتعاملين الاقتصاديين من تجفيف قروض الدولة للسيولة.
وأشار إلى ضرورة البحث عن بدائل لتجنب الحلول المرهقة للقطاع المالي، الذي أثبت قدرة على الصمود رغم الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد.
ودعا إلى عدم تحميل القطاع المصرفي ثقل نفقات الدولة المترتبة عن زيادة الأجور والتوظيف العشوائي وفسح المجال أمام البنوك للقيام بدورها الأساسي في تمويل الاستثمار وتوفير الحلول المالية للقطاعات المتعثرة.
وإلى جانب الاقتراض الداخلي، تتجه الحكومة نحو اقتراض 1.8 مليار دولار من صندوق النقد والبنك الدوليين لتمويل موازنة 2021، وذلك من جملة 6 مليارات دولار تحتاجها البلاد لتمويل موازنة الدولة.