تمديد اتفاق الحبوب... الغذاء الأوكراني يتدفق لشهرين وغموض حول استدامة الممرات

18 مايو 2023
الحبوب الأوكرانية تظل مهمة جداً رغم خسارة الدولة ربع أراضيها الصالحة للزراعة (Getty)
+ الخط -

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تتوسط بلاده في اتفاق تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا عبر البحر الأسود، تمديد الصفقة لمدة شهرين، وذلك قبل ساعات من انقضاء الاتفاق الذي جرى تمديده ثلاث مرات قبل أن تنقضي آخرها، اليوم الخميس، ما أثار قلقاً واسعاً في الأسواق العالمية ولدى البلدان المستوردة من تجدد أزمة الإمدادات وارتفاع الأسعار حال عدم التوصل إلى تسوية تسمح باستمرار تدفق الحبوب.

وقال أردوغان: "بجهود بلدنا، وبدعم من أصدقائنا الروس ومساهمة أصدقائنا الأوكرانيين، تقرر تمديد اتفاق حبوب البحر الأسود، لمدة شهرين إضافيين". كما أكدت متحدثة باسم الخارجية الروسية تمديد الاتفاق.

وجاء الإعلان عن التمديد من جانب أنقرة وموسكو، بعدما غادرت آخر سفينة حبوب مياه أوكرانيا، أمس الأربعاء، بمقتضى التمديد الثالث الذي ينتهي في 18 مايو/أيار الجاري، وفق الأمم المتحدة. وتأخر الإعلان عن هذه الخطوة رغم إجراء مفاوضات استمرت لأسابيع بين موسكو وكييف، حيث تتمسك روسيا بمطالب يراها الغرب بمثابة "لي ذراع" من أجل كسر العقوبات المفروضة عليها منذ غزو أوكرانيا نهاية فبراير/ شباط من العام الماضي.

ويأتي التمديد هذه المرة في ظروف معقدة، إذ تشهد فيه الممرات البديلة غلقاً من قبل العديد من حلفاء كييف الأوروبيين حفاظاً على أسواقهم والمزارعين في بلدانهم، ما منح موسكو أوراق ضغط إضافية لفرض شروطها لتمديد الاتفاق.

وترفع روسيا خمسة مطالب من أجل السماح لشحنات الحبوب الأوكرانية بالمرور عبر البحر الأسود، تتمثل في إعادة ربط مصرفها المتخصص بالزراعة "روس سيل خوز بنك" بنظام سويفت المصرفي الدولي، واستئناف عمليات توريد الآلات الزراعية وقطع الغيار إليها، وإزالة معوقات تأمين السفن والوصول إلى الموانئ الأجنبية، وتجميد أصول شركات روسية مرتبطة بالقطاع الزراعي موجودة في الخارج، واستئناف تشغيل خط أنابيب تولياتي-أوديسا الذي يربط روسيا بأوكرانيا ويسمح بتسليم الأمونيا وهو مكون كيميائي يستخدم على نطاق واسع في الزراعة.

وقبل ساعات من إعلان الرئيس التركي تمديد الاتفاق، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في تصريحات لقناة "زفيزدا" الروسية، أمس، إن "موسكو لن تتراجع عن شروط الوفاء بصفقة الحبوب"، مضيفة أن تنفيذ الاتفاقية مرهون بحماية مصالح روسيا، وستستند عملية اتخاذ القرار على هذه الفرضية.

ولدى سؤالها عما إذا كانت الصفقة ستمدد أوضحت زاخاروفا "دع خبراءنا ينهون عملهم، ومع ذلك، لن يكون هناك تراجع عن المطالب التي قدمتها بلادنا، والتي تم تضمينها في تلك الاتفاقات وموثقة من قبل الجانبين.. لن يكون هناك تراجع عن هذه البنود، لأنها جزء من الصفقة الشاملة". وقبلها بيوم، أشارت المتحدثة باسم الخارجية الروسية إلى أن بلادها لا تستبعد إنهاء العمل بالاتفاقية، وعزت ذلك إلى ضبابية الوضع حول مستقبلها.

وتوسطت الأمم المتحدة وتركيا في اتفاق الحبوب عبر موانئ البحر الأسود في يوليو/تموز لفترة مبدئية مدتها 120 يوماً، للمساهمة في مواجهة أزمة غذاء عالمية تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، أحد أكبر مصدّري الحبوب في العالم.

ووافقت موسكو على التمديد لمدة 120 يوماً إضافية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكنها وافقت في مارس/آذار على تمديده 60 يوماً فقط حتى 18 مايو/أيار 2023 لحين تلبية قائمة الطلبات المتعلقة بصادراتها الزراعية.

ولإقناع روسيا في يوليو/تموز 2022 بالسماح بتصدير الحبوب من البحر الأسود، وافقت الأمم المتحدة في الوقت نفسه على مساعدة موسكو فيما يتعلق بشحناتها الزراعية لمدة ثلاث سنوات. لكن موسكو أكدت مراراً أنه لا يزال هناك الكثير من بنود الاتفاق لم يتم تنفيذها.

وفي حين لا تخضع الصادرات الروسية من المواد الغذائية والأسمدة للعقوبات الغربية التي فُرضت في أعقاب غزو أوكرانيا في فبراير/شباط من العام الماضي، فإن موسكو تقول إن القيود على المدفوعات والخدمات اللوجستية والتأمين تشكل عائقا أمام الشحنات.

وقد مكن الاتفاق حتى الآن من تصدير أكثر من 27 مليون طن من المنتجات الزراعية، ما ساهم في تهدئة الأسعار، بينما كانت أسعار الحبوب قد قفزت إلى مستويات غير مسبوقة في أعقاب اندلاع الحرب. ويهدف الاتفاق إلى منع حدوث أزمة غذاء عالمية من خلال السماح بتصدير الحبوب الأوكرانية بأمان من ثلاثة موانئ أوكرانية.

وبينما نجحت أوكرانيا إلى حد كبير في خلق ممرات بديلة للحبوب عبر البلدان الأوروبية المجاورة، إلا أن هذه الممرات تسببت في أزمات داخلية لحكومات العديد من البلدان ما دفعها إلى إغلاقها، رغم اعتراض الاتحاد الأوروبي وسخطه من هذه الخطوات، وهو ما يضع أوكرانيا وحلفاءها الغربيين في موقف أكثر ضعفاً خلال التفاوض مع روسيا على اتفاق تمديد التصدير عبر البحر الأسود، والتي تبدو "أكثر قوة" من ذي قبل وفق محللين.

وفي إبريل/ نيسان الماضي حظرت بولندا والمجر وسلوفاكيا واردات الحبوب والأغذية الأخرى من أوكرانيا المجاورة لحماية القطاع الزراعي المحلي، وكذلك أعلنت دول أخرى في أوروبا الشرقية أنها تبحث إجراءات مماثلة، ما دعا الاتحاد الأوروبي إلى التدخل لعدم اتساع نطاق الأزمة.

ومطلع مايو/أيار الجاري، أعلن الاتحاد حظر تصدير الحبوب الأوكرانية إلى خمس دول شرقي أوروبا. وذكرت المفوضية الأوروبية في بيان نشر على موقعها الإلكتروني، أن "الحظر يشمل فقط أربع منتجات زراعية أوكرانية هي القمح والذرة وبذور اللفت وبذور عباد الشمس، إلى بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا في الفترة من 2 مايو/ أيار إلى 5 يونيو/ حزيران المقبل".

وتمر صادرات الحبوب الأوكرانية عبر الاتحاد الأوروبي لدى توجهها إلى بلدان أخرى منذ أدى الغزو الروسي إلى خنق الممرات التقليدية التي تعتمد عليها أوكرانيا في البحر الأسود.

لكن نتيجة صعوبات لوجستية، تتكدّس الحبوب في البلدان الأوروبية، ما يؤدي إلى تراجع الأسعار فيها، وهو ما أدى إلى احتجاجات في صفوف المزارعين في العديد من دول الجوار، ولا سيما في بولندا التي أدت فيها الاحتجاجات إلى استقالة وزير الزراعة.

وقال سيباستيان أبيس الباحث الفرنسي المشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (Iris)، إن الرفض الأخير لبعض البلدان الأوروبية منها بولندا وبلغاريا والمجر، السماح باستيراد الحبوب الأوكرانية عبر أراضيها، موقف "مفهوم" لمواجهة المنافسة من المنتجات المعفاة من الرسوم الجمركية، ولكنه أيضا "غير مقبول" لأنه قرار من جانب واحد.

وأضاف أبيس أن "الاتفاق الذي لا يزال الوحيد الموقع منذ بداية الحرب من قبل روسيا وأوكرانيا برعاية تركيا والأمم المتحدة، أساسي. كما هي الحال بالنسبة لممر التضامن الأوروبي الذي أطلق اعتباراً من مايو/أيار 2022" عن طريق السكك الحديدية والطرق البرية وعبر نهر الدانوب.

وأشار إلى أن إعادة النظر في الممرات التي تسمح بتصدير القمح والذرة وعباد الشمس من أوكرانيا ستكون خطوة "خطيرة"، لافتا إلى أنه خلال خمسة عشر شهراً أبعدت هذه الممرات خطر حدوث كارثة غذائية كبرى في العديد من البلدان الضعيفة وخفض أسعار الحبوب العالمية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وبعد أن بلغت ذروتها في مايو/أيار 2022 حيث وصل سعر القمح ما يقارب 440 يورو للطن في السوق الأوروبية، تراجعت الأسعار حتى وصلت إلى ما دون مستواها قبل الحرب، لتبلغ نحو 235 يورو مؤخراً في منتصف مايو/أيار الجاري.

وحتى مع خسارة ربع أراضيها الصالحة للزراعة مع "تراجع الإنتاج المتوقع في 2023 بنسبة 50% مقارنة بعام 2021"، تظل المساهمة الأوكرانية "مهمة جدا". وقال أبيس في مقابلة مع وكالة فرانس برس، أمس، "لم يأت أحد ليحل محل أوكرانيا في الأسواق العالمية، ولن تتمكن أوروبا من زيادة الإنتاج، ويتوقع أن ينخفض الإنتاج الأميركي. ويتابع أن روسيا التي يُعد حصادها خلال 2022-23 استثنائيا "قد يكون أداؤها أسوأ العام المقبل".

وأكد الباحث الفرنسي أن "الحاجات لن تنخفض. هذا العام تجاوزنا عتبة 200 مليون طن من مشتريات القمح في العالم، بينما كنا لا نزال عند 100 مليون طن سنوياً في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين".

وقال إن "روسيا تعمد إلى استخدام تجارتها الزراعية سلاحا"، مضيفا "ليست تجارة حرة.. تمارس روسيا ضغوطاً على الدول المستوردة ويمكنها أن تقرر "قطع إمداداتها في حال انتقدت سياستها".

مع هذا الوضع، فإن استدامة الممرات الأوروبية أو "ممرات التضامن التي سمحت بإخراج أكبر قدر ممكن من الحبوب من أوكرانيا عن الطريق البحري الذي لا يخضع لقرارات روسيا أو تركيا" أمر أساسي، كما يقول سيباستيان أبيس.

وفي مايو/ أيار 2022 أعفى الاتحاد الأوروبي مؤقتاً كل المنتجات المستوردة من أوكرانيا من الرسوم الجمركية لمدة عام، واتخذ تدابير لتمكين كييف من تصدير مخزونها من الحبوب. لكن معظم الشحنات تخرج عبر البحر الأسود حيث تقدر بنحو 3 ملايين طن شهرياً، وفق بيانات الأمم المتحدة، ما يجعل الأسواق العالمية تتنفس الصعداء مع تمديد اتفاق التصدير الأخير، حيث كانت تخشى التجميد ما يتسبب في أزمة إمدادات عالمية جديدة وقفزات في الأسعار، في الوقت الذي تعاني معظم دول العالم من تداعيات الغلاء المستمر منذ سنوات بسبب تراكمات جائحة كورونا وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.

ويوم الاثنين الماضي، عبرت إيطاليا عن مخاوفها من انهيار الاتفاق، محذرة من أنه قد يتسبب في أزمة في الدول الأفريقية، ويفاقم حركة الهجرة نحو أوروبا.

وقال أنطونيو تاياني وزير الخارجية الإيطالي في تصريح صحافي: "إذا انهارت اتفاقية تصدير القمح عبر الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود، فستنشأ أزمة في دول وسط أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، والتي قد تؤدي إلى تفعيل تهديد خطير على صعيد الهجرة نحو أوروبا".

وأضاف تاياني: "يمكن أن يتسبب عدم الاستقرار بسبب نقص الحبوب والمواد الغذائية الأساسية بموجة جديدة من التدفقات، وهذا هو سبب تحركنا الحثيث منذ بعض الوقت".

المساهمون