استمع إلى الملخص
- **التحديات الاقتصادية والسياسية**: تعاني تونس من ركود اقتصادي وتوجه نحو التقشف، مع غياب الدعم المالي والسياسي من رجال الأعمال، مما يعقد المشهد الانتخابي ويؤثر على "اقتصاد الانتخابات".
- **الاعتراضات القانونية والمطالبات بزيادة الإنفاق**: لجأت بعض الحملات الانتخابية إلى القضاء للاعتراض على سقف الإنفاق المحدد، معتبرة أن المبالغ غير كافية وتطالب بمراجعة الأسعار المرجعية الدنيا للأنشطة الانتخابية.
لا تظهر في أسواق تونس آثار حملات الانتخابات الرئاسية على خلاف الفعالياات السياسية السابقة التي شهدت إنفاقاً موسعاً من قبل المرشحين وأحزابهم، إذ يطغى التقشف الإجباري هذه المرة على المرشحين، بعد أن وضعت الهيئة العليا للانتخابات شروطاً جديدة للإنفاق.
وسابقاً، كانت المحطات السياسية الكبرى في تونس تنعكس على حركة العديد من الأنشطة الاقتصادية، حيث تساهم الحملات الانتخابية لمرشحي البرلمان والرئاسة في تحريك قطاعات خدماتية تنتعش مع الإنفاق السخي للمتنافسين. لكنّ الهيئة العليا للانتخابات وضعت شروطاً جديدة بداية الشهر الجاري لتمويل حملات الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إذ جرى لأول مرة إلغاء التمويل العمومي للحملات والسماح للمرشحين بالتمويل الذاتي والتمويل الخاص فقط دون سواهما.
وبمقتضى الشروط الجديدة، تقرر تخفيض سقف الإنفاق على الحملة الانتخابية من 1.7 مليون دينار (حوالي 566 ألف دولار في الانتخابات الرئاسية 2019 إلى 150 ألف دينار (50 ألف دولار) للمرشح في الجولة الأولى من الانتخابات المقبلة، على أن يكون سقف الإنفاق للدور الثاني 100 ألف دينار.
وأدى تقييد الإنفاق على الحملات الانتخابية إلى غياب كبير للحملات الانتخابية ومظاهرها من لافتات وغيرها، بينما كانت تكسو شوارع البلاد في الانتخابات السابقة. وانطلقت حملة الانتخابات الرئاسية في تونس في 14 سبتمبر/أيلول الجاري وتستمر 21 يوماً.
وتشمل القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية كلا من الرئيس الحالي قيس سعيد، ورئيس حزب حركة الشعب زهير المغزاوي، والمرشح المستقل العياشي الزمال الذي اعتقلته الشرطة قبل نحو أسبوعين بتهمة "افتعال وثائق، وتدليس تزكيات شعبية".
وقالت سوار القماطي، عضو الهيئة التنفيذية لمنظمة "أنا يقظ" (مؤسسة مجتمع مدني)، إن التقشف وتقليص الإنفاق إلى أدنى مستوياته يطغى على الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة.
وأضافت القماطي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الانتخابات عادة ما تدخل ديناميكية كبيرة على قطاع الخدمات، وخاصة الاختصاصات ذات العلاقة بالإعداد اللوجستي للانتخابات وكل ما يهم التحضيرات من طباعة المنشورات والملصقات الإشهارية، فضلا عن ارتفاع الحجوزات في النزل والقاعات التي تحتضن الاجتماعات الانتخابية وسياحة الأعمال.
وأشارت إلى أن الإنفاق الذي كان مسموحاً به خلال الانتخابات الرئاسية عام 2019 يساوي أكثر من 10 أضعاف ما جرى تحديده في الانتخابات الحالية، معتبرة أن مبلغ 150 ألف دينار لا يتوافق مع الحد الأدنى من الإنفاق اللازم على الحملة.
واعتبرت أن التقشف في الإنفاق يحرم القطاعات الخدماتية من الانتفاع من ديناميكية ما يسمى باقتصاد الانتخابات. وأضافت: "خلال المحطات السياسية السابقة، كانت ديناميكية الانتخابات تساعد على ضخ أموال كبيرة في الاقتصاد مستفيدة من الإنفاق التوسعي للمرشحين وأيضا من التمويل العمومي الذي جرى إلغاؤه بمناسبة الانتخابات الحالية".
ويقدر الإنفاق العمومي فقط الممنوح سابقاً للمرشحين للانتخابات الرئاسية بنحو 176 ألف دينار (حوالي 56 ألف دولار). وأشارت القماطي إلى أن الحملات الانتخابية تخلق فرص عمل موسمية، كما يستفيد منها العديد من المؤسسات التي تنشط في مجال الدعاية والإشهار والطباعة.
وخلال العقد الماضي، لم يخف رجال الأعمال وكبار المتعاملين الاقتصاديين في تونس دعمهم مرشحي الانتخابات، حيث لم تخل حملات المرشحين من مختلف الأحزاب السياسية من حضور بارز لشخصيات اقتصادية نافذة. في المقابل، يغيب خلال الحملة الانتخابية الحالية المال السياسي والدعم العلني لرجال الأعمال للمرشحين، بينما ينشغل المواطنون بأزماتهم المعيشية الناجمة عن الغلاء والبطالة وتراجع الخدمات العامة.
وتعاني أغلب القطاعات الاقتصادية في تونس من وضعية الركود، بينما تتجه السلطات إلى مزيد من التقشف في الإنفاق العام خلال العام القادم. وكشفت وثيقة رسمية أن السلطات تتجه نحو مواصلة السياسة التقشفية في نفقات التسيير وتجميد التوظيف في القطاع الحكومي إلى جانب توسعة قاعدة الضرائب في العام المقبل، بهدف تعزيز الموارد المالية لخزانة الدولة.
وذكرت الوثيقة، التي نشرتها وزارة المالية أخيراً بشأن الخطوط العريضة لمشروع الموازنة المقبلة على موقعها الإلكتروني، أن "مشروع قانون المالية لسنة 2025 يهدف إلى "التحكم التدريجي في التوازنات المالية والتقليص قدر الإمكان من اللجوء إلى التداين الخارجي والمزيد من التعويل على الذات ركيزةً أساسية لضمان استدامة المالية العمومية".
وقالت الوزارة إن النية تتجه نحو مواصلة العمل على التحكم في كتلة الأجور والنزول بها إلى نسب معقولة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أشارت إلى اعتزام الحكومة ترشيد الانتدابيات وتوجيهها بحسب الأولويات القطاعية وعدم تعويض الشغورات والسعي إلى تغطية الاحتياجات المتأكدة بإعادة توظيف الموارد البشرية المتوفرة أو عن طريق الحراك الوظيفي.
ويؤكد الخبير المختص في الشأن الانتخابي سيف الدين العبيدي أن سقف الإنفاق المحدد للانتخابات الرئاسية في دورتيها الأولى والثانية وفق قرار الهيئة العليا للانتخابات لا يمكن أن يغطي الحاجيات التمويلية للقيام بالحملات في مختلف دوائر البلاد.
وقال العبيدي لـ"العربي الجديد" إن ضعف الإنفاق وغياب التمويل العمومي يكبحان ما يعرف بـ"اقتصاد الانتخابات"، وأضاف أنّ "اقتصاد الانتخابات" هو اقتصاد ظرفي محدود في الزمن غير أنه مهم في تنشيط الأسواق.
وبسبب ضعف سقف الإنفاق الانتخابي، لجأت اللجنة القانونية لحملة المرشح للانتخابات الرئاسية زهير المغزاوي إلى القضاء، حيث قدمت، الأربعاء الماضي، طعنين لدى المحكمة الإداريّة، تعلقا بالاعتراض على تحديد سقف الإنفاق في الانتخابات وضبط الأسعار المرجعية الدنيا للأنشطة ذات العلاقة بالحملة.
وقال الهادي وريثة، عضو اللجنة القانونية للمرشّح للرئاسة زهير المغزاوي، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء "وات"، إن المبالغ المحددة في سقف الإنفاق ضعيفة جداً مقارنة بحدث في حجم الانتخابات الرّئاسية. وأشار إلى أن بنود الإنفاق المرجعية التي حددتها الهيئة العليا للانتخابات "غير مطابقة لما هو موجود على أرض الواقع".
وكانت الهيئة قد أصدرت قراراً ضبطت فيه قائمة الأسعار المرجعية الدنيا للأنشطة ذات العلاقة بحملة الانتخابات الرئاسية، أرفقته بجداول في مختلف مجالات هذه المصاريف والقيمة الدنيا لكل منها، مثل حجز القاعات والأثاث المستعمل في الفعاليات ووسائل النقل والتجهيزات السمعية والبصرية والتجهيزات الضوئية والإعلانات الانتخابية إلى جانب قائمة المأكولات والمشروبات.