تقاسم النفوذ يعرقل إحصاء خسائر شمال سورية من الزلزال

15 فبراير 2023
مئات المباني تهدمت في شمال سورية على وقع الزلزال (رامي السيد/فرانس برس)
+ الخط -

الرقم الذي أعلنت عنه وكالة فيتش للتصنيف الائتماني عن الخسائر التي تسبب فيها الزلزال في سورية بنحو ملياري دولار وقد تصل إلى 4 مليارات أو أكثر، يعتبر فضفاضاً للغاية، إذ لايزال من المبكر الحديث عن رقم دقيق، لا سيما في سورية، إذ يعتقد أن يلجأ النظام إلى تضخيم الأرقام وحجم الخسائر في المناطق الخاضعة له، وخلطها بخسائر الحرب ما استطاع، في حين سيكون من الصعوبة حصر الأضرار في مناطق سيطرة المعارضة، نظراً لعدم وجود المؤسسات المختصة، بانتظار تدخّل دولي يشرف على هذه المهمة، حسب مراقبين لـ"العربي الجديد".

وعلى ذلك، ستكون الأضرار في سورية مقسمة على منطقتين جغرافيتين، أي مناطق سيطرة النظام من جهة والمعارضة من جهة أخرى، في حين لن يكون من المهم الحديث عن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سورية، لأن الأضرار كانت هناك طفيفة جداً، على المستوى البشري والاقتصادي. 

بالنسبة للشمال السوري، فإن أرقام الأضرار الأولية صدرت عن منظمة الدفاع المدني "الخوذ البيضاء"، إذ قالت المنظمة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك أكثر من 550 بناء دُمر بشكل كامل، في حين بلغ عدد الأبنية التي طاولها الضرر الجزئي أكثر من 1500 بناء (غير صالح للسكن)، وهذه الحصيلة بين ريفي حلب وإدلب، أي المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية في الشمال الغربي من سورية. 

ولكون هذه الأرقام تشكل الأبنية التي استجابت لها فرق الدفاع المدني في عمليات الإنقاذ والانتشال، فإنها ليست الأرقام الكاملة للأبنية المدمرة أو المتضررة، وعلى ذلك قدرت "وحدة تنسيق الدعم" التابعة للائتلاف السوري المعارض، في بيان، عدد الأبنية المدمرة كلياً بـ1715 بناء، والأبنية المدمرة بشكل جزئي 5651 بناء، كما يزيد عدد العائلات المتضررة من الزلزال عن 11 ألف عائلة، وغالبيتها بلا مأوى. 

وقال فريق "منسقو استجابة سورية" إن الزلزال تسبب في أضرار بنسبة 45% من البنية التحتية الموجودة في شمال غربي سورية، وشملت أضرارا في الجملة الإنشائية لعدد من المدارس والمنشآت الطبية وعدد من المنشآت الخدمية الأخرى. 

أما في مناطق النظام، فلم تصدر إحصاءات دقيقة عن الأبنية المدمرة بشكل جزئي أو كامل، غير أن وزارة الإدارة المحلية في حكومة النظام أشارت إلى أن عدد الأشخاص الذين اضطروا إلى ترك منازلهم لأنها تعرضت للدمار حوالي 300 ألف، فيما تشير تقديرات إلى أن عدد الأبنية التي تضررت بشكل جزئي وكامل بلع حوالي 500 بناء.  

وأما قطاع الكهرباء في مناطق سيطرة النظام، فقد قدر مسؤولوه حجم الخسائر بحوالي 10 مليارات ليرة سورية، أي ما يعادل 1.5 مليون دولار.  

عموماً، ضرب الزلزال في سورية، أربع محافظات بشكل رئيسي، حلب وإدلب وحماه واللاذقية، وبدرجة أقل طرطوس، فعدا عن الأضرار الاقتصادية، التي سيتم إحصاؤها من خلال عمليات المسح والكشف، سواء للمنازل أو البنى التحتية.

وحسب مراقبين، سيكون للأضرار أثر مستقبلي، لا سيما أن أكثر المحافظات المتضررة من الزلزال في سورية، وهي حلب، تشكل المرتبة الأولى لجهة مساهمتها في الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد، بنسبة تُقدَّر بحوالي 16.04%، وفقاً لتقديرات عام 2019.

كذلك، فإن الأضرار سيتم احتسابها على مستوى المتضررين من الأفراد، إذ أشارت منظمة الصحة العالمية في آخر إحصاءاتها، إلى أن عدد المتضررين من الزلزال في عموم سورية، بلغ حوالي 11 مليون إنسان، أي أن هؤلاء باتوا يحتاجون إلى المساكن البديلة، أو الإغاثة الطارئة، أو التعويض بشكل من الأشكال، ما سيكون مضافا على قائمة الخسائر والنفقات. 

ولا زالت الأرقام عن التبرعات يتم الإعلان عنها تباعاً من قبل المنظمات والحكومات وحتى الحملات الأهلية في الدول، ما يعني أن حساب مجموع التبرعات من حجم الحاجة، سيكون غير دقيق لعدم جهوزية أرقام الطرفين. 

ويشير الباحث الاقتصادي في مركز جسور للدراسات، خالد تركاوي، إلى أنه لا تقديرات رسمية للخسائر حتى الآن، فلا حكومة النظام أعلنت ولا حتى الحكومة المعارضة المؤقتة ولا الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، باستثناء ما تم الإعلان عنه لحجم الضرر الذي طاول الأبنية. 

وأشار الباحث الاقتصادي لـ"العربي الجديد"، إلى أن مركز جسور يعمل على إحصائية تقديرية للأضرار في سورية وتركيا، وبذلك يتوقعون أن يكون هناك نوعان من الخسائر، مباشرة وغير مباشرة.

على صعيد الخسائر المباشرة، يقول تركاوي: إن الخسائر المباشرة في الشمال الغربي من سورية يتوقع أن تصل من 200 إلى 300 مليون دولار، أما الأضرار غير المباشرة فتتعلق بتوقف المعامل والمنشآت بالإضافة إلى الكلف البديلة، وهذه من الصعب حسابها في الوقت الراهن، فتحتاج مزيدا من البيانات والوقت. 

أما بالنسبة لمناطق سيطرة النظام، فيشير تركاوي إلى أن أنه باستثناء حلب فإن الأضرار في كل من حماه واللاذقية وطرطوس تعتبر خفيفة، ويمكن تقديرها بعشرات الملايين ولا تصل للمئات من ملايين الدولارات، ونوه إلى أن مدينة حلب هي الأكثر تضرراً، لكن الآن يتم الخلط بين ما سببه الزلزال من أضرار وبين ما سببته الحرب، أي الأحياء والأبنية التي تعرضت للقصف من قبل النظام والروس وتهالكت ثم أتى الزلزال ليكمل عليها.

ويضيف: "لكن إذا افترضنا أن كل الأبنية التي انهارت كانت بفعل الزلزال، فإن مجموع الأضرار المباشرة حاليا في حلب وغيرها من مناطق سيطرة النظام تقدر بحوالي 200 مليون دولار لا أكثر، وهذا الرقم نؤكد أنه للأضرار والخسائر المباشرة، وهو بكامله 500 مليون دولار لكافة الخسائر في سورية، سواء في مناطق النظام أو المعارضة".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وكان نائب محافظ حلب، كميت عاصي الشيخ، التابع لحكومة النظام، قال إنه تم تنفيذ 28 حالة هدم لأبنية بسبب الخطورة العالية منذ ثلاثة أيام حتى الآن، أي ما يؤكد فرضية الباحث تركاوي بأن النظام قد يلجأ إلى تضمين المباني المتضررة بفعل الحرب على تلك التي أوقعها الزلزال.  

من جهته، قال المستشار الاقتصادي أسامة قاضي لـ"العربي الجديد"، إن التقديرات الأولية لخسائر تركيا وسورية حوالي 4 مليارات دولار. لكنه يعتقد أن تكاليف إيواء ثم إسكان وإعادة بناء كل مهجّري الزلزال وتعويضهم وتعطيل اقتصاد المناطق المنكوبة وإعادة النشاط الاقتصادي لها سيتجاوز عشرة مليارات دولار. 

وأضاف: "المباني في الشمال الغربي من سورية بالأصل ضعيفة، وإعادة بناء كل جنديرس، أكثر المناطق المتضررة بريف حلب مثلا يعتمد على وجود حل سياسي، لأنه على الأغلب لن يكون هناك بناء حقيقي إلا مع إعادة الإعمار، بسبب الخشية من عودة القصف والمعارك، منوهاً إلى أنه لا توجد حلول سريعة سوى بيوت مسبقة الصنع، ولا أعتقد أنه ستكون هناك أي دولة جاهزة لتساهم في الإعمار ثم تأتي صواريخ روسية والنظام لتدميرها".

قال فريق "منسقو استجابة سورية" إن الزلزال تسبب في أضرار بنسبة 45% من البنية التحتية الموجودة في شمال غربي سورية

ويؤكد قاضي أن بناء المدن المهدّمة، وجعلها مدنا نشيطة حقيقية ببناء قوي يقاوم الزلازل دون خوف هدمها بالقصف مع وجود تخطيط للمدن كمدن عصرية، في حال وجود حل سياسي، قد يحتاج على الأقل 5 مليارات دولار. 

إلى ذلك، يؤكد رئيس المنتدى الاقتصادي السوري (منظمة تأسست بعد الحراك في سورية)، تمام بارودي، لـ"العربي الجديد"، أن النظام سيتلاعب في الإحصائيات لحجم الخسائر، ويعزو ذلك لأمرين: الأول: تحصيل ما يمكن تحصيله من مساعدات مالية وعينية يمكنه الاستفادة منها، والآخر لفك العزلة عنه من خلال الدعم وعملية إعادة الإعمار.

المساهمون