تضخم فاتورة الحرب اليمنية... خسائر بـ90 مليار دولار

15 أكتوبر 2020
الأزمة الإنسانية تتصاعد في اليمن (أحمد الباشا/ فرانس برس)
+ الخط -

بينما تستمر الحرب في اليمن وينزلق الصراع إلى مستويات عميقة مع انسداد آفاق إحلال السلام، تتوسع فاتورة التكاليف التي تدفعها البلاد على كافة الأصعدة، مخلفةً اَثاراً صادمة على حياة اليمنيين الذين يبذلون جهوداً مضنية للتكيف وامتصاص الأزمات.

وكشف تقرير رسمي عن انكماش تراكمي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في اليمن عام 2020 بنحو 50 في المائة عن حجمه في عام 2014، فيما قدرت الخسائر الاقتصادية التراكمية بحوالي 88.8 مليار دولار من جراء تراجع النمو الاقتصادي خلال الفترة 2014 - 2020.

وأرجع التقرير الصادر عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية (حكومي)، والذي أعده بالتعاون مع مكتب منظمة اليونيسف في اليمن، الخسائر إلى الآثار المباشرة وغير المباشرة التي تكبدها الاقتصاد الوطني اليمني، وبالأخص التدمير الذي لحق بالبنى التحتية والمنشآت الإنتاجية والخدمية وتعطيل كثير من الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية.

مجمل هذه الاَثار انعكست على شكل أزمات حادة في السيولة النقدية وفي المشتقات النفطية والكهرباء والغذاء والمياه والنقل والتعليم والرعاية الصحية وغيرها.

ونتيجة لتلك المعطيات وغيرها فقد أدى الانكماش الاقتصادي إلى تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي بحوالي الثلثين مقوما بالدولار، كما سيطر الفقر على 80 في المائة من السكان وتآكلت معه الطبقة المتوسطة وخاصة شريحة الموظفين المعتمدة على مرتبها الحكومي كمصدر رئيس للدخل.

وارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات حرجة فضلاً عن هروب الاستثمارات إلى الخارج بحثا عن ملاذات آمنة.

وحسب التقرير، فقد تراجع نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي من 1139 دولاراً عام 2014 إلى 364 دولاراً (بسعر الصرف الموازي)، عام 2019، وبمعدل تغير تراكمي بلغ ناقص 69.5 في المائة، ما يعني انزلاق مزيد من السكان تحت خط الفقر وتزايد حدة الأزمة الإنسانية. في السياق، قال الباحث الاقتصادي بلال أحمد إن توسع هذه الخسائر الاقتصادية أمر طبيعي بالنظر إلى الوضعية التي تمر بها البلاد مع انخفاض الإيرادات وتبعثرها بين الأطراف المتنازعة وعدم سلوكها قنواتها الرسمية، إضافة إلى عدم تصدير المشتقات النفطية واختلال الميزان التجاري.

إذ تم استهلاك الاحتياطي النقدي لليمن في دفع فواتير الأجور والخدمات التشغيلية للمؤسسات العامة، بينما بالمقابل ليس هناك أي ايرادات أو عملة صعبة تدخل البلاد. وأضاف أحمد لـ"العربي الجديد"، أن مصدر الدخل الوحيد كان تحويلات المغتربين، وقد تأثرت وتراجعت بسبب التبعات التي خلفها فيروس كورونا في الدول التي تستوعب العدد الأكبر من المغتربين اليمنيين.

وتابع: "لذا مع انخفاض هذه الإيرادات المتبقية إلى أدنى مستوى، دخل الاقتصاد اليمني في مرحلة انهيار شاملة، نشاهد ذلك يتجسد في انحدار العملة وعدم إيجاد أي حلول ملموسة لوقف هذا التدهور والانهيار، إضافة إلى توسع رقعة البطالة والفقر". ودخل الاقتصاد اليمني مرحلة الانكماش منذ عام 2014، وبلغت ذروته في العام 2015 على نحو غير مسبوق، حيث أصيب الاقتصاد بشلل شبه تام وخسر حوالي ثلث ناتجه المحلي المحتمل، نتيجة توقف جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية في القطاعات العامة والخاصة. إضافة إلى توقف البرامج الاستثمارية الحكومية، بما فيها الممولة خارجيا نتيجة تعليق تمويلات المانحين، فضلاَ عن توقف جزء كبير من الاستثمارات الخاصة، وانسحاب أغلب المستثمرين الأجانب، وخروج نسبة كبيرة من رأس المال المحلي إلى الخارج للبحث عن ملاذات آمنة، وتوقف صادرات النفط والغاز الطبيعي، وانخفاض الإيرادات الحكومية غير النفطية من الجمارك والضرائب. وتسود مخاوف كبيرة في اليمن جراء التغييرات التي تشهدها المنطقة والخليج بشكل خاص، إذ رأى كثير من المواطنين الذين تحدثت معهم "العربي الجديد"، أن دول الخليج العربي تفقد عقلاءها وحكماءها على اَثر رحيل أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، مقابل صعود حكام يقودهم طيشهم للعبث باليمن والمنطقة، كما هو الحال في السعودية والإمارات.

يعتقد يمنيون أن ما حل باليمن من دمار كان هدفا رئيسا لتحالف السعودية والإمارات ليسهل عليهما تنفيذ أهدافهما المشبوهة التي دخلا حرب اليمن لأجلها والتي تلوح في الأفق في التطبيع الإماراتي ومن ثم البحريني مع إسرائيل، إذ قد يكون اليمن ساحة لتنفيذ شراكاتهما الاقتصادية والاستثمارية مستغلين هذا التدهور المريع وحاجة البلاد لتطبيع الأوضاع وإعادة البناء والإعمار.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وشرح الباحث الاقتصادي إبراهيم عبيد أن هذا الاعتقاد وهذه المخاوف تعززها فرضيات عديدة بالنظر إلى اليمن كبلد استثماري خام يتمتع بمقومات اقتصادية واسعة لم تستغل بعد. فإلى جانب الموقع الاستراتيجي والموانئ، هناك موارد متعددة وقوة بشرية هائلة. ومن هنا، وفق حديثه، تنبع هذه المخاوف، حيث يتزايد العبث الإماراتي والسطو وبسط السيطرة على أهم المواقع الاقتصادية، مثل سقطرى وباب المندب وميناء بلحاف، والأهم خليج عدن، الذي يعد مرتكزا رئيسا في التجارة الدولية.

وأشار عبيد لـ"العربي الجديد"، إلى سياسة الإمارات في اليمن منذ 2015 التي تركزت في جعل كل موارد اليمن ومواقعه الاقتصادية وموانئه وجزره متاحة لهذه الشراكة التي تلوح في الأفق مع إسرائيل، والتي قد يكون اليمن واحدا من ضحايا هذا التطبيع المشبوه.

وساهمت مجمل الظروف التي أحاطت باليمن على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي بما فيها الدخول في دائرة الأزمة منذ العام 2015 وما نتج عنها من صراع وحرب لا تزال رحاها دائرة حتى الآن، في حدوث نتائج كارثية على الاقتصاد اليمني وعملت على إضعاف قدراته الإنتاجية وبددت طاقاته المادية والمالية والبشرية.

وعلى مدى السنوات الماضية والاقتصاد اليمني يشهد ولا يزال ظروفاً اقتصادية واجتماعية وسياسية عاصفة وغير مستقرة، أوهنت مصادر نموه الاقتصادي وأعاقت استثمار موارده وإمكاناته الاقتصادية الطبيعية والبشرية والجغرافية والتاريخية وبددت مكاسبه التنموية. غير أن وتيرة تلك الأزمات وحدة تلك الاختلالات والتحديات بدرجة غير مسبوقة منذ بداية الحرب في البلاد وما آلت إليه الأوضاع من دخول اليمن في دائرة الهشاشة والصراع، أفضت إلى تدمير البنى التحتية وتدهور في القدرات الإنتاجية والخدمية وإلى حرف مسار التنمية إلى الخلف لسنوات قد تطول، لا سيما إذا استمرت تلك الظروف المعاكسة وحالت دون الوصول إلى الاستقرار والسلام المستدام والتنمية. ورأى الخبير الاقتصادي والمالي أحمد شماخ أن اليمن تعرض لاستنزاف تام لموارده وثرواته ومقدراته.

 إذ تعمد التحالف السعودي الإماراتي إضعاف اقتصاده وتدمير عملته الوطنية بهدف تجويع اليمنيين ونهب بلدهم، لأن كل ما يجري في اليمن يتحمل كل تبعاته المواطنون اليمنيون البسطاء. ويعود انكماش الدخل في الآونة الأخيرة إلى الآثار السلبية للحرب الجارية وما ترتب عليها من أضرار وأزمات اقتصادية واجتماعية، وعلى رأسها أزمات الطاقة والسيولة وسعر الصرف، التي أدت لفقدان القوة الشرائية وعمقت انكماش النشاط الاقتصادي، وتركت أكثر من نصف الأسر تعتمد على الائتمان في شراء الغذاء، بينما اضطر النصف الآخر من الأسر، والتي التي تعاني من الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي الحاد، إلى اتباع آليات التكيف السلبية مثل الحد من استهلاك الأغذية وبيع المنازل والأراضي والأصول الإنتاجية والماشية والأثاث.

وأكد شماخ، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن الأيام القادمة ستكون الأكثر سوءاً في ما يخص معيشة اليمنيين وصعوبة الحصول على الغذاء وتوفير السلع الضرورية والاحتياجات المعيشية، إذ لفت إلى أن كل الحلول الهادفة لإنقاذ العملة من التهاوي وانتشال الاقتصاد المتدهور عبارة عن حلول ترقيعيه ما لم يتم تحييد القطاع المالي والاقتصادي عن الصراع الدائر وتوحيد كل المؤسسات المعنية التي ساهم انقسامها في توسيع كل هذه الاختلالات وارتفاع فاتورة تكاليف الحرب والخسائر الاقتصادية والمعيشية.

المساهمون