سلط إطلاق صندوق الاستثمارات العامة السعودي لشركة "سرج"، الضوء على تصاعد الاهتمام بالاستثمار في القطاع الرياضي، سواء محلياً أو إقليمياً أو عالمياً، في ظل التوقعات بنجاح تجربة شراء نادي نيوكاسل الإنكليزي.
وتشمل استثمارات القطاع الحصول على حقوق الملكية لإنشاء الفعاليات الرياضية الجديدة، إلى جانب الاستثمار في الحقوق التجارية للبطولات الرياضية، واستضافة الفعاليات الرياضية العالمية، بما يحقق عوائد مالية من جانب، ويدعم توطين الشراكات الرياضية في مختلف أنحاء المملكة، من جانب آخر.
وأوكل الصندوق السعودي، الذي تتجاوز قيمة أصوله 750 مليار دولار، لـ"سرج" الاستثمار في الفعاليات المرتبطة بالمشجعين عبر توظيف التقنيات الرياضية المتقدمة لتطوير القطاع، بما يُسهم في تعزيز مكانة المملكة كوجهة رياضية وترفيهية.
وتسعى السعودية، منذ سنوات، لتعزيز قطاع الرياضة لديها ضمن خطة تحوّل اقتصادي بعيداً عن الاعتماد الأحادي على عائدات النفط، وفي هذا الإطار أصبح صندوق الاستثمارات العامة أحد أكبر الصناديق السيادية استحواذاً على أندية كرة القدم حول العالم.
وأبرمت هذه الأندية صفقات كبيرة بمبالغ طائلة مع لاعبين عالميين، وبلغ إجمالي الإنفاق السعودي عليها منذ أوائل عام 2021 نحو 6.3 مليارات دولار، ما يمثل 4 أضعاف الإنفاق السابق على مدى 6 سنوات، حسبما أورد تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية.
وتسهم استثمارات صندوق الاستثمارات العامة الرياضية في الاستفادة من قوة الأندية ذات الشعبية عبر جذب الملايين من المشجعين، وتحقيق عائدات مالية مرتفعة، سواء من مبيعات المنتجات الرياضية أو من عوائد البث التلفزيوني، خاصة في سوق كرة القدم الأوروبية، التي تعد أكثر الأسواق نجاحاً وشعبية في العالم.
ولذا اعتبر مدير إدارة الاستثمارات المباشرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى صندوق الاستثمارات العامة، رائد إسماعيل، أن تأسيس شركة سرج التي لم يحدد رأسمالها حتى الآن، من شأنه "دعم استثمارات صندوق الاستثمارات العامة الرياضية الأخرى، والتي بدورها تُسهم في الوصول إلى مجتمع حيوي، ما يُسهم في تحقيق أهداف استراتيجية الصندوق، وفقاً لرؤية السعودية 2030".
تضاعف الإنفاق
يشير الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الصندوق السيادي السعودي أنفق بشكل كبير على القطاع الرياضي في الـ 3 أعوام الماضية، حتى بلغ إجمالي استثماراته 6 مليارات دولار، فضلا عن ما أنفقته شركة أرامكو العملاقة على القطاع ذاته أو قطاعات متقاطعة معه، مثل ألعاب الفيديو، وذلك بعدما كان إجمالي الإنفاق على القطاع 1.5 مليار دولار فقط في الفترة من 2014 إلى 2021.
ويضيف الشوبكي أن توسع المملكة في استثمارات القطاع الرياضي يأتي ضمن رؤية السعودية 2030، التي تستهدف تنمية مصادر الدخل وتنويعها، بعيدا عن الاعتماد الأحادي على عائدات النفط، عبر التوسع في النشاط الرياضي، فضلاً عن السياحة والترفيه.
لكن هذا التوجه لا يمكن الحكم على جدواه الاقتصادية بشكل نهائي، فرغم مؤشرات تحقيقه لعوائد إلا أن استمرار هذا العوائد على المدى البعيد لا يمكن تأكيده، بحسب الشوبكي.
تطوير نوعي
يؤكد الخبير الاقتصادي محمد الناير، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن إطلاق الصندوق السيادي السعودي لشركة سرج يمثل تطورا نوعيا للقطاع الرياضي، الذي تحول من مجرد قطاع للمسابقات والبطولات إلى "منظومة اقتصادية متكاملة".
وتشمل تلك المنظومة، بحسب الناير، قيمة اللاعبين في البورصة العالمية، وتكوين الفرق الرياضية المتنافسة، وحضور الجمهور للمباريات، وما يتطلبه من خدمات، إضافة إلى حقوق البث التليفزيوني والدعاية والإعلان، ومن هنا أصبح القطاع الرياضي مورد إيرادات كبيرة جداً.
ولذا، فإن إطلاق "سرج" من شأنه أن يشجع الكثير من الأندية على التطلع للاستثمار السعودي، سواء داخل المملكة أو خارجها، خاصة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في إطار تحويل تلك الأندية إلى شركات مساهمة عامة، وهو النموذج الذي نجح في كثير من الدول المتقدمة، بحسب الناير.
ويلفت الناير، في هذا الصدد، إلى أن السعودية توسعت خلال الفترة الأخيرة في الاستثمار الرياضي، وهو ما ظهر من خلال الإقبال على شراء نجوم كرة قدم عالميين بمبالغ كبيرة لدعم الأندية السعودية، ما أكسب الدوري السعودي شعبية ومتابعة كبيرة، ليس في الوطن العربي فقط، بل على مستوى العالم.
وبالنسبة لاستحواذات الصندوق السيادي السعودي على الأندية الأوروبية، يرى الناير ضرورة خضوعها لدراسة جيدة تشمل إمكانات إعادة هيكلة فريق النادي المستحوذ عليه، وآفاق دعمه بالعناصر الجيدة، وتسويقه، وذلك حتى يكون هناك ضمان للعائد المالي. فقيمة الفرق الرياضية في الأندية الأوروبية عالية جداً، ولذا يؤكد الناير على ضرورة عدم ضخ الصندوق السعودي للأموال فيها إلا بعد دراسة متأنية.