تصنيع السيارات بالجزائر.. هل يصلح تبون أخطاء بوتفليقة؟

07 نوفمبر 2022
يثير ملف السيارات جدلاً كبيراً في الجزائر (فرانس برس)
+ الخط -

تسابق السلطات الجزائرية الزمن لإعادة إطلاق مصانع لتجميع وتركيب السيارات في البلاد، وفق تصورات جديدة، في محاولة تهدف إلى إصلاح ما أفسدته مشاريع سابقة في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

ووقعت وزارة الصناعة الجزائرية في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2022 اتفاقا مع شركة "فيات" الإيطالية لإقامة مصنع للسيارات بولاية وهران، غربي البلاد، دون الكشف عن القيمة المالية للمشروع.

ومن المنتظر أن تخرج أولى سيارات هذا المصنع في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، حسب ما صرح به للصحافة المحلية والي وهران سعيد سعيود.

ومنذ سنوات، يثير ملف السيارات جدلا كبيرا في الجزائر في ظل وقف واردات المركبات الجديدة منذ 2017، والمستعملة منذ 2005، وفشل مشاريع للتركيب والتجميع التي أطلقت في حقبة الرئيس بوتفليقة.

وتشهد السوق المحلية ندرة كبيرة في السيارات الجديدة والمستعملة، وغلاء في الأسعار فاق كل التصورات حسب جمعيات حماية المستهلك.

وقبل أيام، وجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالترخيص لاستيراد السيارات المستعملة لأول مرة منذ 2005، ضمن قانون الموازنة العامة للسنة المقبلة، التي لا يتجاوز عمرها 3 سنوات.

أخطاء سابقة

مسلسل السيارات في الجزائر بدأ عام 2014، بأخطاء متتالية لحكومات الرئيس الراحل بوتفليقة، بحسب متابعين.

الانطلاقة كانت بطرح السلطات دفتر شروط جديد يتعلق باستيراد المركبات الجديدة التي وجب توفر معايير معينة فيها للسلامة والأمن، ما تسبب في توقف دخول المركبات إلى البلاد لعدة أشهر.

وفي نهاية 2015 وفي ظل الصدمة النفطية التي أعقبت أزمة 2014 وتهاوي أسعار الخام، أقرت السلطات إجراءات في قانون الموازنة تقضي بإخضاع استيراد السيارات الجديدة لتراخيص مسبقة تسلمها وزارة الصناعة، في محاولة للحد من نزيف النقد الأجنبي.

وبلغت واردات الجزائر من السيارات في 2013 نحو 650 ألف مركبة، بكلفة فاقت 7 مليارات دولار، هي الأعلى في تاريخ البلاد حسب السلطات.

وعقب تقليص الاستيراد اعتبارا من 2016، أطلقت الحكومة مشاريع لتركيب وتجميع السيارات في عدة ولايات مع شركات عالمية أوروبية وآسيوية في خطوة قالت حينها إنها تهدف لجعل الجزائر بلدا مصنعا للسيارات في غضون سنوات.

بالمقابل، استفاد أصحاب المصانع من عدة امتيازات، منها إعفاءات ضريبية وجمركية لمدة 5 سنوات، والحصول على أراضي إقامة المصانع بشكل مجاني من طرف الدولة، مع اشتراط نسبة إدماج محلية معينة.

لكن بمرور السنوات، لم تقدر المصانع التي جرى إطلاقها على بلوغ نسب إدماج محلية مقبولة، واستمر استيراد أجزاء السيارات كاملة تقريبا، وتحول الملف لدى الجزائريين إلى مصدر للتندر في إطار ما عرف بـ"مصانع نفخ العجلات".

واستعمل هذا المصطلح "نفخ العجلات" للدلالة على أن المصانع تستورد أجزاء السيارات كاملة من الخارج، ويتم فقط نفخ العجلات في الجزائر فقط.

وفي سبتمبر/أيلول 2021، قال الرئيس تبون إن تجاوزات بالجملة حدثت في مصانع تركيب السيارات في الماضي تسببت في ضياع 3.2 مليارات دولار، في إشارة لحقبة بوتفليقة.

وأشار تبون إلى أن هذه التجاوزات أدت إلى تسويق سيارات جزائرية للمواطن بسعر أعلى من تلك المستوردة.

مفاوضات بتصورات جديدة

وتجري وزارة الصناعة الجزائرية مفاوضات مع 4 مجمعات عالمية لصناعة السيارات لم يجر الكشف عنها، باستثناء علامة "فيات" الإيطالية التي تعد فرعا لمجمع "ستيلانتيس" العالمي الذي يضم شركات إيطالية وفرنسية وأميركية.

في 9 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، أكد وزير الصناعة أحمد زغدار في تصريحات للصحافة المحلية أن الحكومة بصدد التفاوض مع شركات عالمية لإقامة صناعة محلية حقيقية.

ولفت زغدار إلى أن السلطات أفرجت أخيرا عن قانون استثمار جديد، يتضمن إجراءات تحفيزية معتبرة ستساهم في إقامة مصانع للسيارات.

وسبق للمسؤول ذاته أن قال إن البلاد تسعى لإطلاق مشاريع في قطاع السيارات وفق خطوات صحيحة وسليمة، ونسبة إدماج مقبولة.

وزاد في تصريحات صحافية: "التوجه الجديد مفاده السماح لشركات عالمية بدخول السوق الجزائرية لبيع منتجاتها في العام الأول، ينتهي بالشروع في عملية التركيب، والانتهاء بصناعة حقيقية بحلول العام الثالث".

وقال إن "جميع المشاريع السابقة للسيارات (في إشارة لحقبة بوتفليقة) لم تصل نسبة الإدماج فيها إلى 3%، وهو أمر غير مقبول.. الاستراتيجية الجديدة لا تتطلب نسبة إدماج في السنة الأولى لكنها تصل في العام الثالث إلى نسب مقبولة".

نشاط التركيب والتجميع حصريا لشركات مصنعة

في هذا السياق، يرى الصحافي المتخصص في قطاع السيارات بجريدة "المجاهد" الحكومية (ناطقة بالفرنسية) محمد منداسي، أن استراتيجية حكومات الراحل بوتفليقة منيت بفشل ذريع.

وأوضح منداسي أن رئيس الوزراء الأسبق عبد المالك سلال (مسجون حاليا بتهم فساد)، راهن على وكلاء سيارات كانت مهمتهم تقتصر فقط على الاستيراد والتسويق وخدمة ما بعد البيع لا أكثر، من دون أي خبرة في تصنيع المركبات.

وعلق بالقول: "كان ذلك خطأ فادحا وأضراره ما زالت مستمرة إلى اليوم في أحد أهم أسواق السيارات في أفريقيا"، وتابع: "الاستراتيجية السابقة لم تتجاوز فيها نسبة الإدماج المحلي في تجميع وتركيب السيارات 5%، وتسببت في خسائر فادحة للخزينة العمومية".

ويعتقد أن السلطات فضلت التريث في ما يتعلق بملف السيارات حتى صدور قانون الاستثمار الجديد، الذي تقول السلطات إنه تضمن إجراءات تحفيزية غير مسبوقة.

(الأناضول)

المساهمون