تزايد سرقة الكهرباء والاحتيال المالي في بريطانيا: تداعيات الغلاء

27 أكتوبر 2022
محتجون في بريطانيا يطالبون الحكومة بدعم فواتير التدفئة (Getty)
+ الخط -

تواجه بريطانيا "وباءً من الاحتيال" وفق وصف هيئة تجارة الخدمات المالية "يو كيه فاينانس"، فمع الارتفاع الهائل لأسعار الطاقة والفائدة حول العالم، قفزت تكلفة المعيشة في بريطانيا بشكل كبير، لتندفع شرائح من المجتمع إلى التهرب من فواتير الكهرباء بل وسرقة التيار، فضلا عن البحث عن صفقات أرخص للعيش أملاً في خفض الأعباء المالية التي يواجهونها، بينما تتصاعد تحذيرات الشركات ومقدمي الخدمات من تفاقم الخسائر في ظل هذه الأجواء.

ووفق بيانات نشرتها صحيفة "إندبندنت" قبل أيام، فإن حالات سرقة الكهرباء في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري وصلت وفق رصد مؤسسة "كرايمستوربرز" الخيرية، إلى نحو 4559 حالة، بزيادة بلغت نسبتها 22% عن نفس الفترة من العام الماضي.

ولم تقتصر حالات الاحتيال على سرقة التيار الكهربائي، وإنما جاءت أيضا أبرز عمليات الاحتيال الشائعة لهذا العام في المملكة المتحدة، من خلال رسائل تزعم أنّ مصدرها منظّم الطاقة "أوفجيم".

فقد حذر مركز الإبلاغ عن الاحتيال في بريطانيا، عملاء الطاقة من هذه الرسائل التي تصل عبر البريد الإلكتروني أو رسائل نصية مزيفة تحاول تقليد موقع "أوفجيم"، وتطلب تفاصيل مصرفية لتلقي خصم الطاقة الحكومي البالغ 400 جنيه إسترليني. وتلفت "أوفجيم" إلى أنها لا تطلب أي تفاصيل عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية، داعية أي عميل يتلقى هذه الرسالة إلى الإبلاغ عنها.

كما تدفع التكلفة الباهظة لفواتير الطاقة المحتالين إلى توسيع أنواع عمليات الاحتيال التي يستخدمونها للإيقاع بالضحايا.

ارتفع عدد المحتالين الذين ينتحلون صفات العمل في أكبر موردي الطاقة في المملكة المتحدة بنسبة 10% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2022، وفقًا لتحليل أرقام الاحتيال التي أجرتها مجموعة المستهلكين "ويتش"، وسط توقعات بارتفاع عدد عمليات الاحتيال المتعلقة بالطاقة مع استمرار زيادة فواتير الطاقة في عام 2022.

وفي ظل الصعوبات المعيشية، طاول الاحتيال التعاملات المصرفية والتسوق الإلكتروني وحتى تجديد تراخيص السيارات والضمان الاجتماعي وإيجارات العطلات.

ويكشف أحدث تقرير صادر قبل أيام، عن هيئة تجارة الخدمات المالية للنصف الأول من العام الجاري، حجم الاحتيال في المملكة المتحدة والأساليب المختلفة التي يستخدمها المحتالون لاستغلال الضحايا؛ إذ إن أكثر من 609.8 ملايين جنيه إسترليني سُرقت من خلال الاحتيال المصرفي خلال الأشهر الستة الأولى من 2022، بينما بلغت خسائر الاحتيال غير المصرح بها عبر بطاقات الدفع والخدمات المصرفية عن بُعد ما يقرب من 361 مليون جنيه إسترليني.

يشير تقرير "يو كيه فاينانس" إلى خسائر الاحتيال في الدفع الفوري، حيث يتم خداع الضحايا للدفع عن طريق المكالمات الهاتفية والرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني والمواقع المزيفة ومنشورات التواصل الاجتماعي، حيث وصلت إلى ما يقارب 250 مليون جنيه إسترليني خلال الفترة المذكورة.

ويلفت التقرير إلى أن الاحتيال في دفع سلع لم يحصل المشترون عليها، بلغ 56% من جميع عمليات الاحتيال التي تم الإبلاغ عنها عبر الدفع الفوري. وعلى الرغم من انخفاض الاحتيال من خلال الدفع الفوري مقارنة بفترة عام 2021، إلا أنه أعلى بنسبة 30% من الفترة ذاتها في عام 2020.

وتشمل أساليب الاحتيال التلاعب بمستخدمي الوسائط الاجتماعية ومواقع الويب المزيفة التي تنتحل أسماء العلامات التجارية المعروفة، أو انتحال خدمات المرافق وخدمات التوصيل إلى المنازل. وقد تلقى بالفعل الكثير من الأشخاص بريداً إلكترونياً أو رسالة نصية لطرد لم يطلبوه في الواقع مع إرشادات تقول: "النقر هنا للتحقق من حسابك".

تُظهر البيانات أن الشباب المهنيين هم المستهدفون على الأرجح بنسبة 39% من جميع ضحايا الاحتيال الاستثماري الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و39 عاماً. في حين كان أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و49 سنة وهي أعلى فئة ديموغرافية مستهدفين بنسبة 16%.

وفي كثير من الحالات، يرى الضحايا مؤثراً، يعلن عن عملية احتيال استثمارية على وسائل التواصل الاجتماعي. حيث يستخدم المشتبه بهم وراء عملية الاحتيال، المؤثّرين الذين لديهم عدد كبير من المتابعين لتأييد إعلانهم والوصول إلى جمهور أكبر بسرعة وبتكلفة زهيدة.

وفي يونيو/حزيران الماضي، حذر مكتب استشارات المواطنين، من أن أكثر من ثلاثة أرباع البالغين في المملكة المتحدة قد استُهدفوا بعملية احتيال في عام 2022، بزيادة قدرها 14% عن الفترة ذاتها من العام الماضي.

تواصلت "العربي الجديد" مع عدد من المواطنين البريطانيين، فقال معظمهم إنهم تلقوا رسالة تطلب منهم الضغط على رابط يفيد بأنهم تلقوا طرداً لم يطلبوه في الحقيقة، وأكد آخرون أنهم تلقوا اتصالا هاتفيا من شخص يزعم أنه موظف في بنك يبلغهم عن نشاط غريب في حسابهم ويطلب منهم تفاصيل عن حسابهم المصرفي، بينما تحدث البعض عن رسائل بريد إلكتروني تصلهم من جهات تدعي أنها جهات حكومية أو حتى شركات تبلغهم عن فوزهم بجائزة حيث ينبغي الضغط على رابط للحصول عليها.

يقول نيل الذي يبدو في الستينيات من العمر: "اتصل بي شخص زعم أنه من البنك، وسألني إن كنت قد أنفقت مبلغ ألفي جنيه إسترليني منذ خمس دقائق، فأجبت بالنفي، ليبلغني أنه لاحظ أن هناك نشاطا غريبا في حسابي، وكل ما عليّ القيام به هو إعطاؤه بعض التفاصيل".

ويكمل نيل: "عندما أبلغته بأنني سأدخل إلى حسابي أونلاين للتأكّد من قيمة المبلغ الذي جرى سحبه، قال لي إنه لا يمكنني القيام بذلك الآن ومن الأفضل التصرّف بسرعة.. في هذه الأثناء لفت انتباهي توتره وضغطه، فقطعت الاتصال، لكنّه عاود الاتصال بي مرّات ومرّات كما أرسل رسائل نصية تحذّرني من ضرورة حماية حسابي.. إصراره أكّد لي أنّها عملية احتيال. فاتصلت بالبنك وأبلغتهم بما جرى، ليبلغوني أنّ لا وجود لأي نشاط غريب وأنّه لم يُسحب أي مبلغ مالي من حسابي خلال اليوم".

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

ومن بين وسائل المحتالين الشائعة، التسوق عبر الإنترنت أيضاً، حيث أبلغت الشركات والمستهلكون في المملكة المتحدة عن 7.28 آلاف حالة احتيال في التسوق عبر الإنترنت بين يونيو/حزيران 2021 ونفس الشهر من العام الحالي.

وتزداد عمليات الاحتيال المرتبطة بتأمين السيارات أيضا، حيث حذّرت شرطة العاصمة السائقين الشباب من صفقات تأمين السيارات المزيفة والسماسرة الوهميين. ولا يدرك معظم الضحايا أنهم تعرضوا للخداع إلى أن يحتاجوا إلى تقديم طلب بشأن بوليصة التأمين. في هذا الشأن يقول كريج موليش، من شرطة مدينة لندن: "إذا تم الاتصال بك فجأة من رقم لا تعرفه، وكان الشخص يدعي أنك تعرفه ويطلب المساعدة المالية. فتوقّف وفكّر لأن ذلك قد يحمي أموالك".

كما تزداد عمليات الاحتيال المتعلقة بإيجارات العطلات، من الإعلانات المزيفة إلى القوائم المشبوهة التي تقدم صورة غير دقيقة عن الممتلكات. وما يثير القلق أيضًا عمليات الاحتيال الاستثمارية، بينما زادت بالأساس بنسبة 60% تقريباً في 2021 مكبدة الضحايا نحو 171.7 مليون جنيه إسترليني، منها استثمارات في العملات المشفرة.

بدورها لم تسلم وزارة العمل والمعاشات من عمليات الاحتيال، حيث أصدرت تحذيراً جديداً من محاولة البعض التحايل في استغلال نظام الضمان الاجتماعي للحصول على المال في أزمة تكلفة المعيشة.

وأصدرت كذلك وكالة ترخيص المركبات والسائقين (DVLA) تحذيرات للسائقين بعد زيادة بنسبة 20% في الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني المتداولة التي تفيد بأن السائق دفع مبالغ زائدة ويستحق استردادها، مشددة على أن هذه الرسائل مزيفة. كذلك، يمكن للنصوص ورسائل البريد الإلكتروني أن تدعي أيضًا أن تفاصيل الدفع الخاصة بالسائقين تحتاج إلى تحديث وأنهم مدينون لـ DVLA وهي في الواقع مجرد عملية احتيال أخرى.

المساهمون