في الوقت الذي وسعت فيها الحرب رقعة الفقر والبطالة في اليمن، كانت معاهد ومراكز التعليم والتأهيل الفني والمهني عبارة عن بصيص أمل يمكن أن تستند إليه المعالجات والجهود الرامية للتصدي لهذه الآفات الكارثية المزمنة في البلاد.
لكن كغيرها من الأعمال والقطاعات الاقتصادية تأثرت هذه المراكز كثيراً بالحرب الدائرة في البلاد منذ ست سنوات والتي تسببت بتعطيل الكثير منها وتردي خدماتها في تأهيل وتدريب الشباب اليمني.
ويبلغ عدد المعاهد التقنية والمهنية في اليمن حسب أحدث بيانات متاحة نحو 82 معهدا ومركزا يلتحق بها سنوياً ما يقارب 9770 متدربا ومتدربة معظمها مؤسسات تقنية لم يتم العمل على تأمين متطلباتها في هذا الجانب.
في حين تزايدت نفقات هذا النوع من التعليم آخر أربع سنوات ما قبل الحرب في اليمن من 4 مليارات ريال إلى 11.6 مليار ريال (الدولار = نحو 1000 ريال).
وتذكر البيانات ارتفاع الملتحقين بالمستوى التقني من 8767 إلى 16717 بمتوسط زيادة سنوية 18.1%، أي ما يوازي الضعف في فترة ما قبل الحرب، قبل تهاويها إلى أقل من النصف خلال سنوات الصراع الماضية.
يعاني التعليم الفني والمهني في اليمن من عديد المعوقات تتمثل في تردي المناهج التعليمية والوسائل التدريبية وانعدام التجهيزات الحديثة
وتسببت الحرب في ارتفاع نسبة التسرب من هذه المؤسسات، إذ فضل كثير من مرتاديها التوجه إلى سوق العمل دون المرور عليها أو هجرة التعليم بسبب تردي الأوضاع المعيشية، إضافة إلى تردي وضعيتها والمستلزمات التي تعتمدها في المؤسسات التأهيلية، إلى جانب قصف طيران التحالف لبعضها والتسبب في تدميرها وتوقفها عن العمل.
ويؤكد فيصل السعيدي، أحد الطلاب الدارسين في معهد للتأهيل الفني والمهني بمجال الكهرباء، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تردي الأوضاع المعيشية وعدم قدرة أسرته على تحمل نفقات تعليمه، دفعه إلى التوقف عن مواصلة دراسته لمهنة الكهرباء، إضافة إلى تعرض بعضها للقصف بداية الحرب، ما جعلها أماكن غير آمنه للاستمرار في ارتيادها.
ويعد التعليم الفني والتدريب المهني أحد أهم الوسائل التي يعول عليها في الحد من البطالة والتخفيف من الفقر وخلق مجتمع منتج، حسب عاملين في هذا القطاع.
ويقول عبد الكريم حزام، مسؤول في قطاع التعليم الحكومي الفني والمهني لـ"العربي الجديد"، إنه بسبب ما كان يعاني منه اليمن من آفات مزمنة كالفقر والبطالة، عوّلت البلاد كثيراً على هذا القطاع كمرتكز أساسي للنهوض بالموارد البشرية وتنميتها ومعالجة الفجوة الحاصلة بين المخرجات التعليمية ومتطلبات سوق العمل وانضمام أعداد كبيرة من الخريجين لرصيف البطالة وما يرافق ذلك من أعباء اجتماعية واقتصادية شاقة وسيئة.
ويشدد حزام على ازدياد أهمية هذا القطاع وهذه المؤسسات نتيجة لما خلفته الحرب من بطالة وفقر وجوع وانهيار اقتصادي، الأمر الذي يجعل هذه المنشآت في طليعة القطاعات التي يمكنها أن تستوعب تمويلات المانحين ومخصصات إعادة.
ويعاني التعليم الفني والمهني في اليمن من عديد المعوقات تتمثل في تردي المناهج التعليمية والوسائل التدريبية وانعدام التجهيزات الحديثة.
ويشير مختصون في التعليم الفني والمهني إلى تدني مستوى المدخلات وعدم الاهتمام بالتقنيات التي أصبحت تؤثر على سوق العمل، إضافة إلى عدم تحديث التجهيزات القائمة، فأغلب هذه التجهيزات انتهى عمرها الافتراضي، إلى جانب العشوائية في التخصصات والمواصفات والتي لا يتم استحداثها وفقاً لمتطلبات السوق، لذا فإن الهوة زادت كثيراً بين مخرجاتها واحتياجات سوق العمل.
كما يؤكد خبراء اقتصاد أن الطلب على الأيادي العاملة خلال الفترة القادمة ستتركز بشكل رئيسي في التعليم الفني والمهني، نظرا لتشكل وضعية الأسواق باتجاه العامل المحترف والمهارات الإنتاجية.
وتظهر بيانات رسمية ارتفاع تكاليف الطالب في التعليم الفني والتدريب المهني في اليمن خمسة أضعاف تكلفته في التعليم العام.
ويرجع الخبير في مجال إدارة الأعمال، أوسان غانم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أسباب ارتفاع تكاليف الطالب في التعليم الفني والتدريب المهني إلى أن هذا النوع من التعليم يتطلب توفير عديد المستلزمات، حيث يتم تطبيق كل ما يتم تعلمه على الأجهزة والمعدات وآلات والورش والتي كما هو معروف تكاليفها عالية.
ويضيف أن تكاليف إنشاء معهد تقني مع تجهيزاته قد تصل إلى نحو ملياري ريال، بينما التعليم العام لا يحتاج مثل تلك المستلزمات حيث إن تكلفة إنشاء المدرسة الواحدة المكونة من 20 فصلاً دراسيا لا تزيد على 150 مليون ريال.
ويرى أن أهمية الاستثمار في هذا القطاع الحيوي تنبع من إطار معالجة تبعات وتداعيات الحرب، إذ يعتبر قطاع مجدي لاستيعاب أي مستوى من التمويلات ورؤوس الأموال لتطويره والنهوض به.
وتوضح مؤشرات الوضع الراهن للقوى العاملة بحسب الحالة التعليمية أن 57.1% في مستوى التعليم الأساسي وما دونه، في حين يشكل خريجو المعاهد التقنية (دبلوم بعد الثانوية) 4.6% والجامعي فأعلى 10.2% من إجمالي العاملين بأجر.
واتجه الطلب في اليمن خلال السنوات الماضية على القوى العاملة نحو حملة المؤهلات الفنية والتقنية بدرجة رئيسية بنحو 40% وحملة المؤهلات التقنية ما بعد الثانوية 32%، حسب دراسات حديثة.