تدخل رئاسي في الوقت الضائع

27 مايو 2015
الرئاسة تتدخل لإنقاذ مشروع أرابتك العقاري من الانهيار(أرشيف/الأناضول)
+ الخط -

حتى لو تدخلت مؤسسة الرئاسة المصرية لإنقاذ مشروع شركة أرابتك الإماراتية المتعثر لإقامة مليون وحدة سكنية في مصر، فإن هذا التدخل لن يجدي نفعاً، وجاء في الوقت الضائع، لأن المشروع بات في حكم الميت، بل وربما أصبح عظاماً، والله وحده هو القادر على أن يحيي العظام وهي رميم.

ولا أظن أن الاتصالات الموسعة التي تجريها مؤسسة الرئاسة أو أجرتها خلال الأيام الماضية، مع مسؤولين إماراتيين لحثهم على التدخل لإنهاء أزمة المشروع المتعثر، بدعوى أنها "تضعف موقف السيسي داخليا، وستجعل مصداقيته على المحك"، قادرة على أن تخرج المشروع إلى العلن، وتوفر لشباب وفقراء مصر مليون وحدة سكنية أو حتى مائة ألف وحدة.

أمس، قال مسؤول بارز في وزارة الإسكان المصرية، إن مؤسسة الرئاسة سحبت من الوزارة المشروع العقاري الضخم الذي كان مقرراً أن تقيمه شركة أرابتك في مصر، بعد تعثر تنفيذه، وأن جهة سيادية ستشرف على المشروع بجانب الرئاسة، وأن الرئاسة ستجري اتصالات للتغلب علي المشاكل التي تعوق تنفيذ المشروع.

لا أظن أن مؤسسة الرئاسة قادرة على أن تفعل شيئاً في ملف أزمة شركة أرابتك، حتى وإن أرادت إنقاذ المشروع المتعثر، أو إنقاذ سمعة المشروع وإدخاله ضمن منظومة الإسكان الاجتماعي، لأن هناك مشكلات حقيقية تواجهه، وحتى إن وظفت مؤسسة الرئاسة كل إمكانياتها السياسية، فلا أظن أنها قادرة على مواجهة المشاكل الاقتصادية والمالية التي تواجه مشروع المليون وحدة والشركة التي تقف وراءه.

فالرئاسة لا تمتلك 280 مليار جنيه أو 40 مليار دولار بالنقد الأجنبي، هي كلفة المشروع، ويمكن أن تمنحها للشركة الإماراتية التي تتفاوض مع البنوك لتمويل المشروع، وأرابتك نفسها لا تمتلك القدرة المالية على تمويل المشروع العقاري الضخم أو حتى جزء منه، فرأسمالها يدور حول المليار دولار، وبدأ يتآكل بسبب خسائرها وبطئها في تنفيذ المشروعات الخارجية التي وعدت بها، وبالتالي بات احتمال فسخ العقد مع أصحابها وارد.

والرئاسة لا يمكن أن تتدخل لإرغام البنوك المصرية على منح 280 مليار جنيه قروضاً لشركة أرابتك لتمويل المشروع لأسباب عدة، منها أن البنوك لا تمتلك سيولة فائضة تعادل 20% من هذا الرقم، فالبنوك لديها فائض يدور حول 50 إلى 60 مليار جنيه، ولو امتلكت هذا الرقم أو هذه السيولة، فالحكومة أولى به حتى تغطي عجز الموازنة العامة الذي زاد عن الـ218 مليار جنيه في التسعة أشهر الأولى من العام المالي الحالي 2014-2015، وكذا سداد رواتب الجهاز الإداري في الدولة التي تزيد قيمتها عن 17 مليار جنيه شهرياً.

ومؤسسة الرئاسة لا يمكنها كذلك مساعدة أرابتك على مواجهة الأزمة العنيفة التي تتعرض لها الشركة الإماراتية منذ نحو عام، أو تساعدها في وقف الخسائر التي تتعرض لها والبالغة 321.3 مليون درهم (87.5 مليون دولار)، خلال الربع الأول من العام الحالي 2015 مقابل أرباح صافية بلغت 151.8 مليون درهم (41.3 مليون دولار) في الربع الأول من العام الماضي.

وليس في مقدور مؤسسة الرئاسة مساعدة شركة أرابتك في تنفيذ المشروعات التي وعدت بتنفيذها في الإمارات وخارجها ولم تكمل تنفيذها، وارتفعت قيمتها إلى الضعفين، لتصل إلى نحو 7.1 مليارات دولار خلال عامين.

ومؤسسة الرئاسة لا يمكنها التدخل أيضاً لوضع حد للمشاكل الإدارية الحادة التي تواجها أرابتك والتي عينت الشهر الجاري رئيسا تنفيذياً جديداً لها، هو ثالث رئيس تنفيذي للشركة خلال أقل من عام منذ استقالة حسن أسميك الملاحق قضائياً في تهم عدة منها ما يتعلق بغسيل أموال، كما غيرت الشركة مجلس إدارتها للمرة الثانية خلال فترة وجيزة.

شركة بلا قدرة أو ملاءة مالية ولا تتمتع باستقرار إداري ولا تنفذ المشروعات الفائزة بها في مواعيدها، هل هي قادرة على تنفيذ مشروع إقامة مليون وحدة سكنية في مصر وهو المشروع الذي قالت إنه الأضخم من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، وثالث أكبر مشروع على مستوى العالم، وإنه سيحل أزمة السكن في مصر من جذورها؟

شركة تريد أن تحصل على تكلفة المشروع من البنوك المصرية، وتستورد مواد البناء مثل الطوب والإسمنت وربما الرملة والزلط من الإمارات وتركيا والصين، وقد تجلب العاملين في المشروع العقاري من جنوب شرق آسيا، رغم أنه من المفروض أن المشروع يقام علي أرض مصرية وفي بلد يعاني نصف سكانه من البطالة وأكثر من 25% من شبابه من البطالة. والسؤال هنا هو: هل الشركة الإماراتية جادة حقا في إقامة مشروع للفقراء والشباب المعدم، خاصة أنها صورت للمصريين عقب الإعلان عن المشروع في مارس 2014 أن الوحدات التي ستقيمها ستوزع بالمجان عليهم.

لقد تحقق الهدف من مشروع أرابتك الفنكوشي، وهو حصد أصوات ملايين في الانتخابات الرئاسية المصرية التي جرت قبل عام من الآن، وبالتالي لا داعي للاستعجال في احتواء أزمة المشروع، بل ويمكن إعادة طرح الفكرة مرة أخرى قبيل الانتخابات الرئاسية القادمة، لأن من سمات المصريين النسيان.

إذن هناك وقت متاح أمامنا، فلم العجلة في إعادة إثارة ملف مشروع شركة أرابتك في مصر؟ لنشغل الناس بعصفورة أخرى، ولنخبئ عصفورة أرابتك لسنوت مقبلة، أو نؤجل إثارتها بعض الوقت، فربما تمطر السماء شققاً وربما فيلات وقصورا يقطن فيها سكان العشش والمقابر.

المساهمون