تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا: طاقة العرب مطمع وغذاؤهم مهدّد

16 فبراير 2023
يظهر في العديد من الدول العربية فقدان الأمن الغذائي يوماً بعد يوم بسبب التضخم (فرانس برس)
+ الخط -

أكد خبراء وباحثون أن أزمة الطاقة وتهديد الأمن الغذائي أحد التداعيات الرئيسية للحرب الروسية على أوكرانيا، إلا أنها أيضا في جانب آخر منها كانت محركا رئيسيا للحرب في ظل صراع دولي متصاعد على مصادر القوة.

وأضاف الباحثون المشاركون في مؤتمر "الديناميكيات المتغيرة للطاقة والبيئة والأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، الذي تختتم أعماله اليوم الخميس في إسطنبول، ونظمه مركز دراسات الشرق الأوسط "أورسام" بالتعاون مع جامعة إسطنبول، أن المنطقة العربية تأثرت بشكل كبير بتداعيات الحرب، خاصة على أمنها الغذائي، في الوقت الذي استفادت فيه دول منتجة للنفط والغاز من الطلب الأوروبي على الطاقة في ظل نقص إلإمدادات الروسية.

كما أكد المشاركون أن المؤتمر الذي تم الإعداد له منذ العام الماضي وانعقد في ظل ظرف استثنائي، حيث تواجه تركيا المضيف للمؤتمر والشمال السوري كارثة الزلزال المدمر، توصّل إلى استنتاجين رئيسيين، مفادهما أن هذه الحرب، التي أصبحت صراعاً عالمياً بامتياز، قد أثرت بشكل خطير على أمن الطاقة والأمن الغذائي، ومن المحتمل أن تمتد تداعياتها الى الأمن البيئي أيضاً. كما أن تداعيات هذه الحرب على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "خطيرة ومهمة".

وأشار الباحثون إلى أن حجم الكارثة التي حلّت بتركيا جراء الزلزال "لا تستطيع أي دولة أن تجتازه بمفردها دون دعم دولي، حكومي وشعبي، مهما كانت قدرة تلك الدولة وقوة اقتصادها"، مؤكدين في الوقت ذاته قدرة تركيا على الخروج من المحنة أكثر قوة وتماسكا.

الطاقة مصدر قوة

من جانبه، قال لقاء مكي، الباحث بمركز الجزيرة للدراسات، إن امتلاك مصادر الطاقة يحقق القوة لمالكها، مشيرا إلى أن الرغبة في الهيمنة على مصادر الطاقة وممراتها يفسر كثيرا من الأحداث التي مر ويمر بها العالم من حروب ونزاعات.

وضرب مكي المثل بسكة حديد بغداد/برلين، التي كانت أحد أسباب الحرب العالمية الأولى، حيث سعت ألمانيا للنفاذ إلى المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية، بينما استهدفت الدول الكبرى حينها منعها من ذلك.

وذكر الباحث أن "الدول الكبرى، ومنها الولايات المتحدة، لا تكتفي بما تمتلكه، بل تسعى أيضا للسيطرة على موارد الطاقة خارج حدودها، للضغط على المستوردين من الدول الأخرى".

وحول الحرب الروسية في أوكرانيا، أكد مكي أن "روسيا بالنسبة للغرب تمثل مصدر خطر، فهي قوة عسكرية تمتلك السلاح النووي، واقتصادية تمتلك احتياطات هائلة من النفط والغاز، كما أن نفط القوقاز تحت هيمنتها".

وأشار المتحدث ذاته إلى أن "الحرب في أوكرانيا أعادت أو أكدت حاجة أوروبا لأميركا التي تبيع لهم الغاز حاليا بأربعة أضعاف السعر الذي كانوا يشترون به سابقا من روسيا".

أهمية مستمرة للطاقة الأحفورية

من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الهاشمية في الأردن، جمال الشلبي، أن مصادر الطاقة الأحفورية ستظل لها أهميتها في الاقتصاد العالمي رغم الحديث عن الطاقة المتجددة كبديل.

وأشار الشلبي، في مداخلته بالمؤتمر، إلى أن ذلك سيجعل منطقة الشرق الأوسط، التي تستحوذ على نحو 70% من احتياطات الطاقة الأحفورية عالميا، محط اهتمام وأطماع الدول الكبرى، خاصة في ظل الحرب الأوكرانية الحالية. وذكر أن التوقعات تشير إلى أن منحنى الطلب على مختلف مصادر الطاقة سيستمر بالصعود حتى عام 2030، وسيرتفع معدل استهلاك البترول إلى 116 مليون برميل يوميا في 2030.

وأكد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الهاشمية أن أمن الطاقة يرتبط أيضا بالأمن القومي للدول، التي قسمها إلى أنواع ثلاثة، وهي المصدرة والمستوردة والمرور، موضحا أن الحرب الأوكرانية جاءت برغبة بعض الدول للقضاء على مصادر الطاقة الروسية لصالح مصادر أو مصدرين آخرين، مشيرا إلى أن ذلك يظهر مدى أهمية الطاقة في التأثير على المجال السياسي.

وأشار الشلبي إلى الاستراتيجية التركية التي يسعى الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تحقيقها عبر سعيه لتحويل بلده إلى مركز للطاقة وتحويلها إلى دولة مرور لمصادر الطاقة من الدول المصدرة للمستوردة، مما يعني قوة إضافية لبلاده.

وأكد أن العالم يسير حاليا نحو دبلوماسية الطاقة، لضمان أمن إمدادتها عبر وسائل ومصادر عدة، وهو ما يفسر السعي الأوروبي الحثيث حاليا نحو الجزائر، والبحث عن مصادر أرخص للطاقة، وكذا دعم مصادر الطاقة البديلة للتغلب على نقص الإمدادات الروسية.

وتوقع الشلبي صعوبة الاستغناء الأوروبي عن إمدادات الطاقة الروسية على المدى القريب، مما سيسبب أزمات للقارة العجوز، وربما يتطور إلى انقسامات.

إستراتيجية الطاقة الأميركية

وفي مداخلته عن مكانة العراق في استراتيجية الطاقة الأميركية، أكد الباحث في الشؤون الدولية مهند حميد الراوي أن الاستراتيجية الأميركية الطاقوية، وتحديدا في العراق، لم تعد قائمة على صناعة أهداف لها مثلما كان عليه الحال في السابق، وإنما استندت إلى ما يمكن تسميته بـ"العودة نحو الوسائلية" في الاستراتيجية.

وأشار الراوي إلى أن الأهداف واضحة، وهي إدامة النفوذ الأميركي في العراق وتوسيعه وتمكينه، و"بالتالي لم تعد هناك أهداف تبحث عنها، بقدر ما تبحث عن وسائل تخدم هدف هذه الاستراتيجية في العراق والمنطقة".

وأضاف الباحث في الشؤون الدولية أن "الولايات المتحدة تحاول العودة إلى الشراكات والتحالفات الإقليمية كوسيلة من وسائل الاستراتيجية، من خلال استدعاء الوسائل التاريخية أثناء الحرب الباردة وتطبيقها على الشرق الأوسط عن طريق استراتيجية التطويق والاحتواء بالاعتماد على العراق كمركز ثقل استراتيجي، في ظل (توازنات التهديد) الجارية في المنطقة بين إيران والولايات المتحدة".

وأشار الراوي إلى أن "ما ينطبق على إيران في الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط ينطبق على العراق، من خلال تطبيق استراتيجية "الحليف الواحد والشراكات المتعددة"، عبر مشروع "المشرق الجديد"، الذي يضم العراق ومصر والأردن، برعاية أميركية، وإمكانية العودة إلى فكرة "حلف بغداد"، في ظل احتمالية انضمام فواعل جديدة إلى تحالف ضمن هذا المشروع، الذي قد يتحول سريعاً بسبب تسارع الأحداث إلى حلف إقليمي يسعى إلى تطويق إيران بسلسلة من الدول المعادية في سياساتها الإقليمية في المنطقة".

وتوقع الباحث أن "تتوسع سياسة التطويق من خلال ضم مجموعة من الدول الإقليمية الأخرى إلى هذا المشروع الناشئ، خاصة السعودية، في ظل بحث الولايات المتحدة عن بديل لإيران وفق هذه الاستراتيجية بسبب خلافها مع النظام السياسي الإيراني، وليس مع إيران كدولة". 

وأكد أن "هذا ما يجعل العراق البديل الاستراتيجي الأمثل للعب مثل هذا الدور في المنطقة، خاصة أن الولايات المتحدة تسعى انطلاقا من العراق لتأسيس مركب أمن إقليمي كحالة وسائلية وصولا إلى ترتيبات إقليمية".

أمن غذائي مهدّد

وفي مداخلته عن تداعيات التغير المناخي في العراق، أكد الباحث عمر شكر أن العراق يستحوذ على 12% من معدل الاحترار العالمي بسبب ازدياد معدل حرق الغاز، والذي يمكن أن يستفيد منه بدلا من حرقه في توليد الطاقة، وفي الوقت ذاته وقف معدل الاحترار المرتفع.

وأشار شكر إلى خطورة الجفاف الذي أدى إلى فقدان العراق سنويا نحو 100 ألف دونم، وهو ما يهدد بخسارة العراق نحو مليون دونم من الأراضي الزراعية خلال 10 سنوات، والقضاء على ثروته الزراعية خلال 65 سنة. وأكد أن الجفاف وتدهور نوعية المياه أديا إلى هجرة الفلاحين من مناطقهم، كما أن العراق ضمن 11 دولة معرضة لعدم الاستقرار الجيوسياسي بسبب تغير المناخ.

وشدد شكر على أن تغير المناخ يعتبر أكبر تهديد يواجهه العراق، فهو خامس دولة على مستوى العالم من حيث تأثره بتغير المناخ، وقد شهد عام 2021 ثاني أكثر المواسم جفافاً منذ 4 عقود بسبب انخفاض هطول الأمطار.

كما انخفضت تدفقات المياه من نهري الفرات ودجلة، التي توفر ما يصل إلى 98% من المياه السطحية في العراق، بنسبة ما بين 30 و40%، فيما بدأت مساحات واسعة بالجفاف.

وتصاعدت درجات الحرارة في العراق، حتى بلغت حوالي 54 درجة مئوية في البصرة حيث سجلت أعلى درجة حرارة. ومع تهديد الملوحة للزراعة وعليه فإن تغير المناخ يهدد الحياة البشرية في الكثير من مناطق العراق.

وبحسب تقرير للبنك الدولي فإن خفض إمدادات المياه في العراق بنسبة 20%، وما قد يرافقه من تغيرات سلبية في غلات المحاصيل الزراعية نتيجة للتغيرات المناخية، قد يؤدي إلى خفض إجمالي الناتج المحلي في العراق بنسبة تصل إلى 4%، أي ما يعادل 6.6 مليارات دولار أميركي.

دور ليبي صاعد

وفي ورقته عن مستقبل اكتشافات النفط والغاز في ليبيا، أكد الخبير النفطي الليبي نجم الدين العريفي أهمية ليبيا في مجال الطاقة، مؤكدا "أهمية الاستقرار في تسهيل عمليات التنقيب عن مصادر الطاقة الأحفورية ومن ثم زيادة الإنتاج".

وقال العريفي إن العالم سيظل بحاجة إلى النفط والغاز إلى عام 2050 وما بعده، رغم الدعوات للتخلي عن الوقود الأحفوري بحلول هذا العام.

وقدر الخبير النفطي الليبي احتياطي بلاده من النفط بنحو 162 مليار برميل، مشيرا إلى أن الاحتياطي المؤكد مازال عند 48 مليار برميل بسبب توقف عمليات التنقيب منذ عام 2011، وتراجعها خلال حكم معمر القذافي لأسباب عدة، مشيرا إلى أن "معظم الاحتياطات المؤكدة هي منذ عمليات الاستكشاف في العهد الملكي".

وأشار إلى أن احتياطي ليبيا من الغاز يقدر بنحو 10 مليارات مكافىء، تعادل نحو 60 ترليون قدم مكعب من الغاز، ولفت إلى أن حجم الاحتياطي يعتمد على النشاط الاستكشافي، مؤكدا أن الاستقرار السياسي والحاجة الأوروبية والدولية لإمدادات الطاقة سيدفع عمليات الاستكشاف للعودة بقوة، مما يزيد من احتياطي ليبيا وإنتاجها من الوقود الأحفوري.

كما أكد العريفي أن "هناك توقعات بوجود ما يعادل 30 تريليون دولار من احتياطات الغاز في المنطقة الاقتصادية البحرية الخاصة بليبيا"، ودعا إلى تطوير الحقول المكتشفة ودعم عمليات التنقيب، متوقعا أن يؤدي ذلك إلى إضافة 25 مليار برميل من النفط للاحتياطي.

وأشار الخبير ذاته إلى أن ليبيا تحتاج استثمارات للتنقيب والاستكشافات تقدر بنحو 200 إلى 250 مليار دولار، لكنها ستحقق عائدات بنحو 1.25 تريليون دولار بسعر برميل 50 دولارا، وهو ما يؤكد أهمية الاستثمارات المحلية والأجنبية، وأهمية صيانة وإعادة تأهيل الموانئ والحقول النفطية لدعم إنتاج ليبيا من النفط والغاز.

 

المساهمون