- الأزمة تتفاقم بسبب نقص الدولار واعتماد مصر على استيراد 90% من المواد الفعالة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الدواء وظواهر التخزين والتهريب.
- محاولات إنعاش السوق كافتتاح "جيبتو فارما" لم تنجح في تحسين الوضع، مع دعوات للتسعير الإجباري ومنع التهريب كحلول مقترحة لضبط السوق.
يعاني سوق الدواء المصري من عدة أزمات متلاحقة منذ عدة سنوات تهدد بتوقفه وبإغلاق أغلب الصيدليات وتعثر المصانع وعرضها للبيع، بعد أن كانت مصر تحقق اكتفاءً ذاتياً من تلك الصناعة الاستراتيجية وتحقق عائداً كبيراً من العملات الأجنبية من التصدير إلى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
هذه الأزمات عبّر عنها أخيراً الدكتور حاتم البدوي، الأمين العام للشعبة العامة للصيدليات في الاتحاد العام للغرف التجارية عبر تصريحات متلفزة، حذر فيها من تدمير ممنهج لسوق الدواء ونواقص كبيرة في الأدوية تؤدي إلى تعثر أغلب الصيدليات وتهدد استمرارها في ظل رقابة هيئة الدواء التي تترك السوق دون ضوابط، على عكس وزارة الصحة التي كانت تقوم بالرقابة والإشراف في السابق.
ووقع سوق الدواء المصري الذي يقدَّر حجمه بحوالى 300 مليار جنيه حسب البيانات الرسمية، فريسة لأزمة الصرف ونقص الدولار منذ سنوات، التي أثرت بشدة في مدخلات الإنتاج والمواد الفعالة التي تستورد مصر 90% منها من الهند والصين لقلة التكلفة، ما نتج منه ارتفاعات كبيرة في أسعار الدواء واختفاء كميات كبيرة إما بالتخزين والتلاعب، وإما بالتهريب إلى خارج البلاد.
وعانى السوق بقوة لسنوات من محاولات استحواذ واحتكار ضخمة، كان أهمها مشروع صيدليات 19011 التي تأسست في عام 2017، صاحبها جدل كبير حول ملكية نجل الرئيس السيسي للمجموعة، التي سيطرت على مجموعة كبيرة من الصيدليات الشهيرة في وقت قياسي، وسيطرت على السوق، ثم عانت من انهيارات مالية مفاجأة وخرجت من السوق في عام 2022 بمقتضى حكم المحكمة الاقتصادية بإشهار إفلاس شركة ألفا المالكة للمجموعة، وعادت للظهور أخيراً بإعلان افتتاح فروع جديدة.
واستبشر المصريون والعاملون في سوق الدواء المصري بعد افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي في إبريل/ نيسان عام 2021 مدينة الدواء بالخانكة بمحافظة القليوبية "جيبتو فارما"، التي روّج لها إعلام النظام باعتبارها أكبر صرح لإنتاج الدواء وملاذ المواطن لتوفير الدواء الآمن والفعال وبسعر مناسب. وككل المشاريع العملاقة المشابهة لم يلمس المواطن أي تحسن في السوق، بل زادت الأزمات والأسعار واختفى الدواء.
أشرف، وهو يعمل في سوق الدواء منذ سنوات طويلة، ويملك عدة صيدليات، عبّر في تصريحات لـ"العربي الجديد"، عن تشاؤمه، وأكد اختفاء الدواء من السوق، وأن أغلب الصيدليات متعثرة، وكذلك أغلب المصانع أوشكت على التوقف، ومنها ما هو معروض للبيع، وقال: "بصراحة، مفيش دواء، والصيدليات بتقفل والمصانع برضوا بتقفل".
ولفت إلى ظاهرة تهريب الدواء نظراً لفروق الأسعار بين المحلي وسعر التصدير، ما يضيع على الدولة مبالغ كبيرة. ورأى أنّ الحل في التسعير الإجباري والمتقارب حتى يفوت على المهربين هوامش الربح، ويمكن ضبط السوق وعدم شحّ الدواء.
وعبّر الدكتور "ج.ع"،
وهو مالك أحد مصانع الأدوية المتعثرة والمعروضة للبيع، عن حزنه لتخلي مصر عن مكانتها في سوق الشرق الأوسط وأفريقيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق والثقة التي اكتسبتها على مدى عقود لصالح الدواء الهندي والمنتج في بعض الدول العربية، وعن تخلي الدولة عن دعم صناعة الدواء.
وأكد في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن أزمة الدولار وتضييق الدولة لصالح مدينة الدواء والشركة المتحدة وعدم ضبط السوق، ورفض هيئة الدواء تعديل الأسعار، كلها عوامل ساعدت على خروج البعض من السوق. وأكد حديثه العميد السابق بالجيش "ط.ع"، الذي يعمل حالياً وسيطاً، وفضّل عدم ذكر اسمه، وأكد لـ"العربي الجديد" أنه يتوسط حالياً في بيع حوالى ستة مصانع أدوية، وأن أغلب المهتمين بالشراء رجال أعمال إماراتيون، إلى جانب اهتمامهم بباقي جوانب القطاع الطبي كالمعامل والمستشفيات والصيدليات، وقال: "مصر كلها معروضة للبيع الأيام دي وأزمة الدولار والتحويلات البنكية عطلت عمليات بيع كتيرة".
أما أحمد جلال الذي عمل لسنوات في المبيعات والتسويق، فلفت إلى تأثير ظاهرة اللاجئين في السوق. وصرّح لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "المخازن بطّلت تبيع أدوية. كلهم بيجمعوا لصالح اللاجئين وبدون خصم، وفي أدوية بتتباع أكتر من ثمنها، أنا لسه موجود في المجال بس هخرج خلاص مش لاقي بضاعة أصلاً، والله المتحدة أكبر كيان دوائي في مصر مفيهاش بضاعة".