يمر قطاع البناء في اليمن بمرحلة صعبة للغاية بعد الطفرة العقارية المثيرة للجدل في آخر ثلاث سنوات، والتي عمت مختلف مناطق ومحافظات البلاد. ورافق هذا النمو المعماري فتح ثغرة واسعة في عمليات الاستيراد وإغراق السوق المحلية بالعديد من السلع المستوردة التي ترتبط بأعمال البناء والتشييد، في الوقت الذي تعتبر فيه البلاد غنية بالموارد الطبيعية التعدينية التي يمكن استغلالها في تغطية جزء كبير من احتياجات السوق المحلية.
وتشير إحصائية صادرة عن هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية إلى وجود نحو أكثر من 3500 محجر في 20 محافظة يمنية.
ويلاحظ انتشار واسع لمنشآت التعدين والمحاجر والمعامل المنتجة لمواد البناء في أوساط المدن الرئيسية، وهو ما تسبب في أزمات متتالية بين الجهات الحكومية المعنية وملاك هذه المنشآت، الذين تنصلوا من قرارات وإجراءات عديدة طوال السنوات الماضية، استهدفت نقلهم من أوساط المدن إلى أطرافها لتلافي أضرارها المختلفة على المناطق السكانية.
في المقابل، تواجه هذه المعامل تحديات تهدد وجودها. ويرى الخبير الهندسي في مجال البناء والأشغال العامة، نجيب العديني، أنّ العام 2021 كان صعباً جداً على قطاعات الأعمال والاقتصاد في اليمن، بسبب الاضطراب الحاصل في العملة المحلية اليمنية وانهيارها الكبير، الذي كانت تبعاته جسيمة على قطاع البناء والأشغال العامة بشكل عام.
ويشير صلاح عبد الغني، مالك إحدى المنشآت المنتجة لمواد البناء، لـ"العربي الجديد"، إلى معاناة هذه المنشآت من صعوبة توفير المواد الخام وارتفاع تكاليف الكهرباء والمياه والقفزات السعرية للأسمنت، إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل وتدهور سعر صرف الريال اليمني وتوسع فوارق الصرف بين المناطق اليمنية. ويلفت إلى أنّها كلها عوامل فرضت العديد من التحديات والصعوبات على المحاجر والمعامل والمنشآت العاملة في إنتاج مواد البناء.
ويصل سعر الحجر الواحد من "البلوك" الأكثر استخداماً في اليمن إلى 350 ريالاً، بنسبة زيادة 100 في المائة مقارنة بسعره قبل الحرب، في حين يباع الرخام بالدولار، خصوصاً الأصناف المستوردة من الخارج.
ويشكو إبراهيم الشماسي، مقاول ومالك منشآت عاملة في مجال البناء، في حديث لـ"العربي الجديد"، من فرض السلطات في البلاد المزيد من الأعباء التي تثقل بها قطاعاً مدمراً، بدلاً من مد يدها لمساعدته "إذ لا يجب إغفال أنّ الحرب مهما طال أمدها ستتوقف، وستبدأ عملية البناء والإعمار التي سترتكز على هذا القطاع الذي نالت منه تبعات الظروف الراهنة وحدّت بشكل كبير من قدراته".
ونتيجة غياب عمالة ماهرة ومدربة، بالإضافة إلى عدم امتلاك المنشآت والمعامل والمحاجر والمناشير العاملة في اليمن معدات حديثة، فإنه يتم هدر نسبة كبيرة من خامات المواد المنتجة عند عملية القطع والتشذيب بالطرق التقليدية. كما أنّ ضعف الثقافة الاستثمارية أدى إلى عدم الاستفادة من تصنيع منتجات مختلفة ترفع من القيمة المضافة للخامات.
ويوضح الخبير في مجال المعادن صالح النجار، لـ"العربي الجديد"، أنّ تقادم الآلات المستخدمة في هذه المنشآت واعتمادها على المعدات التقليدية والهدر الكبير للخامات وانعدام القيمة المضافة لها، أدت إلى إنتاج الكثير من الأصناف غير المطابقة للمواصفات المعتمدة، وبالتالي إضعاف القدرات التصديرية وارتفاع الوراد من هذه المواد والمنتجات.
وتستند مختلف هذه الأعمال والمشاريع والمنشآت إلى قطاع زاخر، إذ يعد اليمن بلداً غنياً بالموارد الطبيعية وبفرص هائلة في قطاع التعدين، الذي تعتبره مؤسسات دولية أحد اهم البدائل المتاحة لليمن لتعزيز النمو الاقتصادي والقطاع الأبرز لتحفيز التنمية الصناعية.