يتدافع المواطنون في السودان لشراء ما يمكنهم الحصول عليه من سلع أساسية لمواجهة مصير مجهول في ظل عدم اليقين من انتهاء الحرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و"قوات الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بينما تشهد الأسواق ندرة في المعروض وقفزات في الأسعار يراها مواطنون ومحللون بفعل ممارسات من وصفوهم بـ"تجار الأزمات" الذين يسعون خلف خطوط الاقتتال إلى تحقيق أكبر مكاسب في ظل هذه الظروف.
ويتخوف كثيرون من كارثة معيشية محدقة تصل إلى حد المجاعة، ولا سيما في ظل توقف الاستيراد وتعطل الإنتاج واضطرار الكثير من المتاجر والأسواق إلى الإغلاق، لاسيما في الخرطوم، التي تعد الوجهة الحقيقية للإنتاج وتوزيع المواد الغذائية إلى باقي الولايات الـ18.
السلع المخزونة تشرف على النفاد
وفى جولة لـ"العربي الجديد" في سوق أم درمان (ثاني أكبر مدينة في السودان وتشكل الجزء الكبير من ولاية الخرطوم) يؤكد تجار للمواد الغذائية أن السلع المخزونة من الإنتاج المحلى والمستورد تشرف على الانتهاء نتيجة للطلب الكبير من قبل تجار التجزئة والمواطنين وبعض الولايات الأخرى التى بدأت تشهد نزوحاً من الخرطوم مثل ولاية الجزيرة والنيل الأزرق ونهر النيل وشمال كردفان.
ويقول محمد إسحاق وهو تاجر سلع ومورد في سوق أم درمان إن هناك طلبا كبيرا على الدقيق (الطحين) والأرز والسكر والزيوت والعدس، لافتاً إلى أن عدم اليقين حول انتهاء الحرب بخاصة بعد مغادرة البعثات الدبلوماسية البلد، يجبر المواطنين وتجار التجزئة على التدافع لشراء أكبر كميات ممكنة من السلع، مؤكداً أنّ إغلاق الجسور وحرق كثير من المصانع والمخازن ساعدا على تأزيم وضع إمدادات السلع.
بدوره، يشير إسماعيل بشير، وهو تاجر في سوق أم درمان، إلى أن ما يقارب من 80% من السوق أغلق أبوابه خوفاً من أعمال النهب التي انتشرت بقوة في الأيام الأخيرة، مؤكدا أنه يصعب فى الوقت الراهن إدخال بضائع من الطريق الرابط بين السودان ومصر لتوقف شاحنات النقل كما توقفت البضائع الواردة عبر ميناء بورتسودان (شرقي البلاد) إلى الخرطوم.
ويلفت كذلك إلى توقف نقل البضائع عبر المطارات، مضيفاً: "حتى إذا حاول بعض التجار نقل السلع إلى داخل الأسواق فستواجه بعدم الاستقرار فى ظل استمرار الحرب". ويؤكد أن الكثير من البضائع فى المخازن لم تسلم من النهب والسرقة والحرق، وهذه خسارة كبيرة للتجار، لافتين إلى أن الكثيرين منهم نقلوا بضاعتهم إلى مناطق آمنة وتوقفوا عن البيع.
في ظل هذا الظروف، يؤكد مواطنون أن كثرا من التجار بدأوا يستغلون أزمة الحرب ويتاجرون فى الوضع الحالي، حيث ارتفعت الأسعار بصورة كبيرة بنسبة وصلت إلى 200% فى غضون أيام خاصة فيما يخص السلع الضرورية. ويشير مواطنون إلى اختفاء الكثير من السلع الأساسية مثل الزيوت والدقيق والأرز والعدس والسكر. ويرى المواطن آدم إبراهيم أن التجار يساهمون فى تأجيج الأزمة المعيشية بإشعال الأسعار التي ألهبتها أعمال السلب والنهب التي انتشرت في الكثير من المناطق وفي ظل انعدام السيولة المالية مع إغلاق البنوك.
وأعادت المواجهة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع" وانتشار أعمال السلب والنهب، تفعيل عمل لجان المقاومة السودانية ولجان الأحياء، في خطوة تهدف إلى تقليل حجم الخسائر وسط المواطنين والتجار وحمايتهم من الفوضى الأمنية.
فجوة غذائية بين الولايات
في الأثناء بدأت نذر أزمة وفجوة غذائية يصل مداها إلى بعض الولايات المجاورة لولاية الخرطوم التى نزح إليها مواطنو ولاية الخرطوم هرباً من الحرب المستمرة، إذ يقول محمد محمود الناشط من ولاية الجزيرة، وهي أكثر الولايات استضافة للفارين من العاصمة، إن حكومة ولاية الجزيرة أخلت مدارسها ومقارها الرسمية لاستضافة القادمين إليها بالإضافة إلى امتلاء الفنادق بالمواطنين. ويضيف محمود أنه رغم تكوين لجنة من الولاية لتقديم الخدمات بدأت أسواق ولاية الجزيرة أيضاً تشهد اختفاء بعض السلع مثل الدقيق والزيوت.
في السياق، يقول عمر بشار، وهو أحد التجار في سوق ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة عبر اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" إنّ ولايته تعتمد فى الإمداد على ولاية الخرطوم، التى تعانى بالأساس من الحرب، لذلك فإنّ الأزمة إذا استمرت فستؤثر بالتأكيد على الأوضاع الغذائية والمعيشية للمواطنين في الولاية.