بوادر أزمة مالية في الصين ... المصارف في خطر والمستثمرون يهربون

08 ديسمبر 2020
الحي التجاري في وسط مدينة شنغهاي الصينية
+ الخط -

تقف الصين على حافة جبل عال من ديون الشركات، التي ربما تهدد بحدوث أزمة مصرفية، وتقوض النجاحات الاقتصادية السريعة والضخمة التي حققتها البلاد خلال العقدين الأخيرين. وساهمت هذه الديون في تراجع أرباح المصارف التجارية في الصين إلى أدنى مستوياتها  في عشر سنوات.

وكانت الحكومة الصينية قد منحت الشركات والأعمال التجارية في بداية العام الجاري، حينما تفشت جائحة كورونا، الحق في تأجيل تسديد أصول الديون وخدمة أقساطها حتى شهر مارس/ آذار من العام المقبل، 2021.

ويبدو أن الشركات الصينية، حتى تلك التي لم تتأثر بالجائحة استفادت من هذا الحق وتراخت عن تسديد القروض التي أخذتها من المصارف، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في حجم القروض غير العاملة، أو تلك التي لا تدر فوائد في القطاع المصرفي بالبلاد.

وحسب بيانات صادرة عن منظمي الإجراءات المصرفية الصينية، بلغ حجم الديون غير العاملة لدى المصارف الصينية حتى نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي نحو 2.84 ترليون يوان (نحو 429 مليار دولار). 
ولدى الصين قطاع مصرفي يقدر حجمه بنحو 45 ترليون دولار، أي أنه الأكبر في العالم. وكانت الشركات الصينية، قبل جائحة كورونا، قد استدانت بشراهة خلال السنوات التي تلت أزمة المال العالمية في العام 2008، لتمويل التمدد التجاري في الأسواق العالمية مستفيدة من بحث المصارف الغربية عن العوائد.

وتعاني المصارف الصينية والأجنبية في الصين حالياً من زيادة معدل التخلف عن تسديد السندات التي حان أجلها أو حتى خدمة أقساط السندات التي لم يحن أجلها بعد. 
ووفق عاملين في البنوك، فإن هذا المعدل المرتفع من التخلف عن السداد يزرع الرعب في أوسط المؤسسات المالية المقرضة للقطاع الخاص الصيني، وخاصة أن سوق السندات الصيني يعد حالياً ثاني أكبر سوق سندات في العالم بعد الولايات المتحدة. 
ويقدر حجم سوق سندات الدين في الصين بمبالغ تراوح بين 13 و15 ترليون دولار، حسب تقديرات إدارة الصرف الأجنبي الصينية التابعة للبنك المركزي (بانك أوف تشاينا). 

ويرى الاقتصادي بشركة "تي أس لومبارد" الأميركية للخدمات الاستثمارية، بو زهوانغ، أن ما يقلق المستثمرين في السوق الصيني هو أن التخلف عن السداد يتزايد في وقت تتساهل فيه الحكومة مع الشركات التي تفشل في خدمة ديونها المصدرة بالسندات. 
ووسط تزايد فشل الشركات الصينية في خدمة ديونها، ينصح بو زهوانغ المستثمرين الأجانب بعدم وضع أموالهم في السندات الخاصة والاقتصارعلى السندات الحكومية المحصنة ضد عدم السداد.

ويقول زهوانغ إنه "حتى سندات الدين التي تصدرها الحكومات المحلية في الصين أو الشركات المملوكة للدولة المركزية في بكين لم تعد محصنة ضد عدم السداد". 
ويرى خبراء أن الصين رغم ما تحقق لها من نمو كبير وفائض في الميزان التجاري، فإن مصارفها التجارية تعاني من مخاطر الفشل بسبب انهيار الشركات والأعمال التجارية الصغيرة. 
ويقول الخبير الاقتصادي توم أورليك، في تعليقات لمركز "بروكغنز إنستيتيوشن" الأميركي للدراسات، إن الصين ربما تواجه أزمة مالية في المستقبل بسبب تزايد حجم الديون الرديئة وجفاف التمويل لدى المصارف.

ووفق أورليك فإن القطاع المصرفي الصيني يعاني من الضعف، ولا يستبعد أن يتعرض للانهيار.

ويشير في هذا الشأن إلى أن ما يمنع إفلاس العديد من المصارف في الصين، هو معدل ادخار المواطنين المرتفع ونسبة الفائدة المرتفعة التي تدفعها المصارف للمدخرين، إضافة إلى الإجراءات الحكومية المشددة على التحويلات المالية للخارج. وتحدد السلطات المالية في الصين حجم الأموال المسموح بتحويلها للخارج في العام بـ50 ألف دولار فقط. 
ووفق أورليك، فإن هذه العوامل هي التي تساهم في الحفاظ على السيولة بالمصارف، وإلا لكانت العديد من المصارف قد تعرضت للانهيار. ومشكلة التخلف عن السداد ليست قاصرة فقط على سوق السندات بالبر الصيني، ولكنها امتدت كذلك إلى أسواق الأوفشور. 
على الصعيد الحكومي، لا يبدو أن لدى الصين ديون سيادية ضخمة مقارنة بحجم اقتصادها، إذ يقدر حجم الدين السيادي بنحو 2.09 ترليون دولار، ولكن الصين تواجه أزمة في الحصول على الديون التي منحتها للدول الفقيرة والنامية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.

وحسب تقرير لنشرة "هارفارد بيزنس رفيو"، التي تصدر عن جامعة هارفارد الأميركية، فإن حجم القروض المباشرة وخطوط الائتمان التجاري التي منحتها الصين لنحو 150 دولة تقدر بنحو 1.5 ترليون دولار حتى نهاية العام 2019.

وبحسب النشرة، فإن بعض الدول الفقيرة أخذت قروضاً من الصين تصل لنحو 20% من إجمالي حجم ناتجها المحلي، وبالتالي ربما تجد الصين صعوبة في استرداد هذه القروض في المستقبل.

وبالتالي فإن الواجهة الصينية اللامعة التي تعكس النجاحات الاقتصادية والمالية، ربما تخفي وراءها أرتالاً من المشاكل المالية التي ربما تتفجر في أي لحظة وقد تهدد الاقتصاد الصيني بأكمله، إذ إن هنالك فقاعة قروض مصرفية لا تدر فوائد ربما تقود إلى انهيار العديد من المصارف.

وهذا يشكل بدوره خطراً على سوق السندات المحلية في البر الصيني الذي تستخدمه الشركات بكثافة في تمويل تمددها التجاري، وذلك إضافة إلى أزمة هونغ كونغ واحتجاجاتها والحظر الأميركي واحتمال العزل الاقتصادي.

وبالتالي فهنالك الكثير من نقاط الضعف المتوفرة أمام إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن في الحرب الناعمة التي تخطط لها الولايات المتحدة ضد الصين.

المساهمون