رغم أن مؤسسات مالية ومحللين غربيين سارعوا إلى توقّع تكرار سيناريو الأزمة المالية العالمية في 2008 هذه الأيام على خلفية انهيارعملاق العقارات الصيني "إيفرغراند"، إلا أن بنوكا عالمية كبرى استبعدت تكرار السيناريو أو ظهور ما يمكن أن تُطلَق عليه كارثة "ليمان براذرز" الصينية.
من بين هذه البنوك "سيتي غروب" الأميركي و"باركليز" البريطاني و"يو بي إس" السويسري، والتي ترى أن أزمة ديون شركة التطوير العقاري الأكثر مديونية في العالم "تشاينا إيفرغراند غروب" من غير المرجح أن تصبح لحظة "ليمان" بالنسبة للصين.
ووفقًا لتقارير نقلتها "بلومبيرغ" عن البنوك، فإن يو بي إس أشار إلى أن مستويات التعثر قليلة للغاية بالنسبة لحجم الاقتصاد الصيني، بينما توقع سيتي بنك أن يتدخل صانعو السياسة الصينية لاحتواء الأزمة العنيفة، وكان البنك المركزي الصيني قد ضخ 12 مليار دولار قبل أيام لتفادي وقوع أزمة سيولة في القطاع المالي.
مؤسسات دولية ترى أن أزمة ديون شركة التطوير العقاري الأكثر مديونية في العالم "إيفرغراند" من غير المرجح أن تصبح لحظة "ليمان" بالنسبة للصين
وفي حين ترى مؤسسة جيفريز فاينانشال غروب Jefferies Financial احتمالية ضئيلة للمخاطر النظامية من إيفرغراند، وتنصح المستثمرين بشراء أسهم البنوك عند انخفاضها، فإن مصرف غولدمان ساكس الاستثماري العملاق يرى أن أكبر مخاوف يجب أن تنتاب المستثمرين مع الأزمة التي تجتاح شركة التطوير العقاري الأكثر مديونية في العالم هي العدوى العالمية.
وحسب موقع ياهو فاينانس، قالت الخبيرة الاقتصادية لدى البنك، هوي شان، في مذكرة بحثية يوم الإثنين: الخطر بالتحديد هو تأثير العدوى، في حال حدوث تعثر دون وجود قيود واضحة لمنع وصول التداعيات إلى أجزاء أخرى من الاقتصاد الحقيقي أو القطاع المالي.
وأضافت أن الأحداث التي وقعت الأسبوع الماضي تشير إلى مخاطر التحرك ببطء نحو هذا الاتجاه، مشيرة إلى الموجة البيعية للأسهم والسندات المصدرة من قبل مطورين آخرين، والاحتجاجات في مكاتب إيفرغراند في أنحاء الصين والتي قد تسبب إحجامًا بين مشتري المنازل المحتملين على نطاق واسع، كما أن ضغوط التمويل التي يواجهها مطورو العقارات أدت إلى فشل مزادات الأراضي في عدد من المدن.
يذكر أن كلمة "العدوى" انتشرت بسرعة كبيرة من قبل وسائل الإعلام العالمية خلال الأزمة المالية في 2008 عندما ضغطت أزمة "ليمان براذرز" على كل البورصات وأسواق الأصول في العالم. وأدت بعدها إلى انهيار عدد من البنوك وشركات التأمين والتمويل العقاري.
"بنك أوف أميركا" يتوقع أن ينمو اقتصاد الصين بوتيرة أبطأ من المتوقعة حتى عام 2023، كما يرى المزيد من التضخم المعتدل خلال تلك الفترة
ورغم استبعاده تكرار سيناريو "ليمان براذرز"، إلا أن "بنك أوف أميركا" يتوقع أن ينمو اقتصاد الصين بوتيرة أبطأ من المتوقعة حتى عام 2023، كما يرى المزيد من التضخم المعتدل خلال تلك الفترة.
وخفض البنك الأميركي توقعاته لنمو الاقتصاد للعام الحالي على أساس سنوي إلى 8% من 8.3%، ولعام 2021 من 6.2% في السابق إلى 5.3%، أما بالنسبة لعام 2023 فيتوقع البنك نموًا بنسبة 5.8% بدلاً من التقدير السابق البالغ 6%.
ويعود التباطؤ في النمو، حسب البنك، إلى 3 أسباب رئيسية هي تفشي متحور "دلتا"، وقيود الائتمان على العقارات والاستثمار في البنية التحتية، إلى جانب سياسات التخلص من الكربون التي تخفض من إنتاج السلع.
وأوضح اقتصاديو البنك: "لا نزال نتوقع تقديم صانعي السياسة التحفيز اللازم في الربع الرابع، إذ يؤكد تباطؤ النمو في الأشهر المقبلة أن الضعف المسجل في أغسطس ليس حدثًا عابرًا، وسيدفع نحو اتخاذ قرار يتعلق بالسياسة".
وانضم محللون ماليون كبار لرأي البنوك العالمية، حيث أكد خبير الاستثمار العالمي والمستشار الاقتصادي لشركة "أليانز"، محمد العريان، أن المخاوف بشأن تخلف "إيفرغراند" عن سداد ديونها لم تصل إلى "لحظة "ليمان".
وشدد في تصريحات لمحطة "سي إن بي سي"، على أنه رغم أن الأزمة لم تقترب من تكرار انهيار بنك "ليمان براذرز" خلال أزمة 2008، فإنها تهز المبادئ الرئيسية لفكرة الاستثمار العالمي.
ووفق العريان، فإن حالة عدم اليقين المحيطة بـ"إيفرغراند" تقوض الافتراض القائل إن الحكومات ستتدخل دائمًا لإنقاذ القطاع المالي عندما يواجه لاعب كبير أزمة.
ويرى أن أسواق الأسهم ستخضع للاختبار خلال الجلسات القليلة المقبلة، جراء أزمة "إيفرغراند".
شهدت أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا موجة بيعية وسط مخاوف من عدم قدرة "إيفرغراند" على الوفاء بالتزاماتها، مع معاناة الشركة من ديون تتجاوز 300 مليار دولار
وشهدت أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا موجة بيعية وسط مخاوف من عدم قدرة "إيفرغراند" على الوفاء بالتزاماتها، مع معاناة الشركة من ديون تتجاوز 300 مليار دولار.
وفي واشنطن، قال المحلل بشبكة سي إن بي سي، جيم كريمر، إن شركة التطوير العقاري الصينية المثقلة بالديون "تشاينا إيفرغراند" لا تمثل خطرًا كبيرًا على الاقتصاد والنظام المالي في الولايات المتحدة.
وأضاف كريمر أن "إيفرغراند بالتأكيد تشكل خطرًا نظاميًا على الصين، لكني لا أعتقد أن ذلك سيحدث الكثير من الضرر في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أنه لا يرى مخاطر اقتصادية واسعة النطاق على الولايات المتحدة، فإنه يعتقد أن الشركات يمكن أن تتأثر بالتأكيد بمشاكل "إيفرغراند".
وأضاف: "إذا تسبب هذا في ركود كامل في الصين، فإن الشركات الأميركية التي لديها الكثير من التعامل مع الصين يمكن أن تتضرر"، مشيرًا إلى ستاربكس ونايكي وكاتربيلر، وقد يمتد الأمر إلى تسلا وآبل.
وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق في نيويورك، ويليام دودلي، إن المخاوف المرتبطة بقطاع العقارات في الصين لن تمنع الفيدرالي من الإشارة إلى أنه يقترب من خفض مشتريات الأصول.
وأوضح دودلي في مقابلة مع بلومبيرغ: "مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي لن يتفاعلوا مع تحركات السوق الصغيرة وسيؤجلون خفض برنامج شراء الأصول، الأمر بحاجة لتعديل التوقعات الاقتصادية وهو ما يبدو استنتاجا سابقا لأوانه في هذه المرحلة".
وبحسب دودلي، فإن ما يحدث في الصين مهم للاقتصاد العالمي والأميركي، لكنه لا يزال يتوقع أن يشير مسؤولو الفيدرالي في اجتماع هذا الأسبوع إلى خطة الخفض التدريجي لمشتريات الأصول في نوفمبر.