تعتمد الحكومة السعودية بشكل متزايد على الديون نتيجة انخفاض عائدات النفط، بحسب شبكة بلومبيرغ التي اعتبرت في تقرير لها يوم الاثنين، أن 50 مليار دولار من الديون تعكس الضغوط المالية المتزايدة على المملكة التي تكافح مع عجز الموازنة والتحديات التي تحفز الاستثمار الأجنبي المباشر، حتى مع تدفق كبار رجال الأعمال في وول ستريت إلى الرياض لحضور مؤتمر على غرار دافوس.
وهذا الواقع يجبر السعودية على الاعتماد كثيراً على مصدر آخر للتمويل وهو الديون، إذ أصدرت الحكومة وكيانات مثل صندوق الاستثمار العام نحو 50 مليار دولار من السندات عام 2024، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبيرغ، وتشمل مبيعات الشركات والسيادة بالدولار واليورو. وقد جعلت هذه الموجة من النشاط الدولة الغنية بالنفط واحدة من أكبر الجهات المصدرة للديون الدولية في الأسواق الناشئة هذا العام.
ومن المرجح أن تقترض الرياض عشرات مليارات الدولارات عام 2025، وفقاً لمدير أبحاث الدخل الثابت في "أرقام كابيتال" نديم عماطوري، علماً أنه خلال هذا الأسبوع، تنطلق مبادرة الاستثمار المستقبلية السنوية في المملكة، وهو الحدث الذي سيجذب أسماء عالمية مثل ديفيد سولومون من مجموعة غولدمان ساكس، وجين فريزر من سيتي غروب، وروث بورات رئيسة شركة ألفابت. وسيقدم نظرة على شهية المستثمرين للسعودية مع سعي البلاد إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط في مواجهة التحديات المالية المتزايدة.
وقد كان المستثمرون الدوليون بطيئين حتى الآن في استثمار الأموال في مشاريع رئيسية مثل مدينة نيوم الجديدة. وكانت تدفقات الاستثمار المباشر الأجنبي الأدنى منذ عام 2020 في العام الماضي، وتوقفت في النصف الأول من عام 2024، بما يجعل الديون أكثر أهمية لمشاريع وتطورات الرياض الطموحة.
وفي هذا الصدد، نقلت بلومبيرغ عن الباحثة البارزة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا كارين يونغ قولها إن "من المفترض أن يستمر العجز بالديون عبر عدد كبير من الكيانات المرتبطة بالدولة، بحيث يكون هناك مجال للمناورة من خلال إصدار سندات جديدة وديون الشركات".
وتعترف الحكومة نفسها بأن انخفاض أسعار النفط واحتياجات الإنفاق الهائلة ستضغط على مواردها المالية. وتتوقع أن تسجل عجزاً مالياً حتى عام 2027 على الأقل مع إعطاء الأولوية للإنفاق على تنويع اقتصادها. وسبق أن قالت إنها ستواصل الاقتراض لتغطية العجز وستنظر في تمويل آخر للمساعدة في دعم المشاريع الكبرى.
ففي 30 سبتمبر/أيلول الماضي، قالت وزارة المالية في البيان التمهيدي للميزانية إن المملكة تتوقع عجزاً نسبته 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2025. كما تتوقع أن يبلغ إجمالي الإنفاق 1285 مليار ريال (342 مليار دولار) وأن تسجل إيرادات تبلغ 1184 مليار ريال في عام 2025. وتشير توقعاتها إلى تسجيل 0.8% نمواً في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عام 2024 و4.6% في 2025.
وأشارت وكالة ستاندرد أند بورز العالمية للتصنيف الائتماني إلى أن المملكة لا تزال في وضع مريح لإصدار المزيد من السندات، نظراً لأن مستوى ديونها إلى الناتج المحلي الإجمالي يظل منخفضاً نسبياً مقارنة بمعظم البلدان الأخرى. وعززت شركة التصنيف الائتماني مؤخراً توقعاتها للبلاد من مستقرة إلى إيجابية.
ومع ذلك، من المتوقع أن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 30% العام المقبل، وفقاً لصندوق النقد الدولي. ورغم أن هذه النسبة منخفضة وفقاً للمعايير العالمية، فإنها أكثر من ضعف متوسط البلاد خلال العقد الماضي. وقال محللون لبلومبيرغ إن السعودية ستحتاج إلى إظهار سجل حافل وإثبات أن مشاريعها يمكن أن تتحقق من أجل جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي.
وقد بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر نحو 9.7 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2024، وفقاً للبيانات الأولية. وللوفاء بهدف هذا العام المتمثل في جذب 29 مليار دولار، ستحتاج المملكة إلى رؤية واحدة من أكبر عمليات الضخ في النصف الثاني في تاريخها. ومن بين خيارات التمويل المتاحة للرياض فرض ضريبة على الدخل، وهو الإجراء الذي سعت دول الخليج منذ فترة طويلة إلى تجنبه. واقترح صندوق النقد الدولي أن الرسوم العقارية يمكن أن تساعد أيضاً في تعزيز الإيرادات غير النفطية.
وبحسب بلومبيرغ، تحتاج الحكومة إلى أن يكون سعر برميل النفط الخام أعلى من 96 دولاراً لتحقيق التوازن في ميزانيتها هذا العام، وفقاً لأحدث التقديرات من صندوق النقد الدولي. والرقم أعلى من ذلك، عند نحو 112 دولاراً، عندما يؤخذ الإنفاق المحلي لصندوق الاستثمارات العامة في الاعتبار، وفقاً لخدمة بلومبيرغ إيكونوميكس. وتتداول أسعار خام برنت عند نحو 71 دولاراً، وهو ما يؤكد الدور الذي سيستمر الدين بلعبه في الخطط الطموحة للبلاد.
وذكرت الباحثة المقيمة البارزة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن كريستين ديوان أن "الاستراتيجية السعودية تعتمد، في إطار رؤية 2030، على النفط مورداً مالياً. وبهذا المعنى، فإن إصدار الديون أمر أساسي لتمويل وتسريع عملية الانتقال".
(بلومبيرغ، العربي الجديد)