قبل ثلاث سنوات فقط، عندما نشبت الخلافات بين عمالقة النفط في أوبك +، وجدت الولايات المتحدة نفسها تلعب دور صانع السلام. الآن يبدو وكأنها مستهدفة.
التحالف النفطي السعودي الروسي لديه القدرة على إحداث جميع أنواع المشاكل للاقتصاد الأميركي، وحتى لحملة إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن. قد يكون قرار أوبك + هذا الشهر بخفض إنتاج الخام، للمرة الثانية منذ أن سافر بايدن إلى المملكة العربية السعودية الصيف الماضي بحثاً عن زيادة، مجرد البداية، وفق تقرير موسع نشرته وكالة "بلومبيرغ" تحت عنوان: "اتفاق النفط الأميركي السعودي ينهار مع سيطرة روسيا على زمام الأمور".
ويعني إعلان 2 إبريل/ نيسان، الذي رفع أسعار النفط بنحو 5 دولارات للبرميل، أن مخاطر الركود أكبر مما كانت ستصبح عليه لولا ذلك، لأن المستهلكين الذين ينفقون أكثر على الطاقة سيكون لديهم نقود أقل لأشياء أخرى، وسيكون التضخم أعلى. في غضون ذلك، يحصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على صندوق حرب أكبر لتمويل هجومه على أوكرانيا.
لكن الأهم هو ما تقوله حركة أوبك + بشأن المسار المحتمل لأسعار النفط خلال السنوات المقبلة. في عالم من التحالفات الجيوسياسية المتغيرة، تبتعد المملكة العربية السعودية عن فلك واشنطن. وحدد السعوديون مستويات إنتاج النفط بالتنسيق مع روسيا. عندما أرادوا تخفيف حدة التوترات مع المنافس الإقليمي إيران، لجأوا إلى الصين للتوسط في صفقة - مع استبعاد الولايات المتحدة من الحلقة. بعبارة أخرى، بلغ النفوذ الغربي على كارتل النفط أدنى مستوياته منذ عقود.
وردا على سؤال حول مخاوف الولايات المتحدة من أن أوبك + اختارت مرتين خفض الإنتاج منذ زيارة الرئيس بايدن إلى المملكة العربية السعودية، قال مصدر من وزارة الخارجية الأميركية لـ"بلومبيرغ" إن الإدارة تركز على خفض أسعار الطاقة المحلية وضمان أمن الطاقة في الولايات المتحدة. وشرح أن الولايات المتحدة تعتبر تخفيضات الإنتاج غير مستحسنة بالنظر إلى التقلبات المستمرة في السوق، لكنها ستنتظر لمعرفة الإجراءات التي ستتخذها أوبك + في نهاية المطاف.
في غضون ذلك، انحسر خطر المنافسة من حقول النفط الصخري في الولايات المتحدة، الذي كان رادعاً لارتفاع الأسعار في الماضي. وفي حين أن هناك جهداً عالمياً لتقليل استخدام الوقود الأحفوري - وستؤدي الأسعار المرتفعة إلى تسريع هذا الجهد - يُظهر اندفاع الحفر في العام الماضي أن الاقتصاد الخالي من الكربون لا يزال طموحاً طويل الأجل أكثر من محرك قصير المدى.
وبينما يقول بعض المحللين إن عقبات الطلب تعني أن الارتفاع الأخير في الأسعار قد يكون عابراً، يتوقع معظمهم ارتفاع الأسعار فوق 80 دولاراً للبرميل خلال السنوات المقبلة - أعلى بكثير من متوسط سعر البرميل البالغ 58 دولاراً بين عامي 2015 و2021.
ومر 18 شهراً متقلباً أو نحو ذلك في أسواق النفط الخام، مع ثلاث مراحل رئيسية، وفق "بلومبيرغ"، في الفترة التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا - وأكثر من ذلك في أعقابه مباشرة - ارتفعت الأسعار، لتصل إلى حوالي 120 دولاراً للبرميل في يونيو/ حزيران 2022.
ثم ذهب الاتجاه معاكساً. تضافرت المخاوف بشأن الركود في أوروبا، والارتفاع السريع في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وقيود كورونا الصينية، ما أدى إلى انخفاض السعر إلى حوالي 75 دولاراً في ديسمبر/ كانون الأول.
بدأ الطلب في الارتفاع في بداية عام 2023، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى إعادة الافتتاح في الصين - أكبر مستورد في العالم. أوقف الاضطراب المصرفي الشهر الماضي الارتفاع، لكنه استؤنف حتى قبل خفض إنتاج أوبك + المفاجئ، الذي رفع الأسعار إلى 85 دولاراً للبرميل من 80 دولاراً.
بالنسبة للاقتصاد العالمي، يعتبر انخفاض المعروض من النفط وارتفاع الأسعار أخباراً سيئة. المصدرون الرئيسيون هم الرابحون الكبار بالطبع. بالنسبة للمستوردين، مثل معظم البلدان الأوروبية، تعتبر الطاقة الأعلى كلفة بمثابة ضربة مزدوجة - فهي تؤثر على النمو حتى مع ارتفاع التضخم.
تقع الولايات المتحدة في مكان ما بينهما. كمنتج رئيسي، فإنه يستفيد عندما ترتفع الأسعار. لكن هذه المكاسب، ليست مشتركة على نطاق واسع.
لعقود من الزمان، كان اتفاق "النفط مقابل الأمن" بين الولايات المتحدة والسعودية أحد أعمدة سوق الطاقة. الآن هو متذبذب. الاتفاق الذي يرمز إليه الاجتماع الذي عقد عام 1945 بين الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود على متن سفينة أميركية في قناة السويس، أتاح للولايات المتحدة الوصول إلى النفط السعودي مقابل ضمان أمن المملكة.
لكن الاتفاقية لم تعد كما كانت من قبل، وفقاً لـ "بلومبيرغ"، وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2022، خفضت منظمة أوبك + إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، أقل من ثلاثة أشهر بعدما سافر بايدن إلى الرياض سعياً وراء الزيادة. وانتقد البيت الأبيض الخطوة ووصفها بأنها "قصيرة النظر".
واتفقت السعودية وإيران، الشهر الماضي، على استعادة العلاقات الدبلوماسية في اتفاق توسطت فيه الصين ووقعته في بكين.
كما وافقت الحكومة السعودية على الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون - وهي مجموعة تضم الصين وروسيا، ويُنظر إليها على أنها منافسة للمؤسسات الغربية - باعتبارها "عضواً في الحوار".
قال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مؤسسة فكرية مقرها واشنطن: "السعوديون يبحثون عن وسيلة تحوط قوية. بالنظر إلى ما يعتبره السعوديون سياسة أميركية لا يمكن التنبؤ بها بشكل جذري، فإنهم يعتقدون أنه من غير المسؤول عدم البحث عن تحوط. وبسبب عدم القدرة على التنبؤ بشكل جذري، فأنت تنظر إلى سياسة أميركية تغيرت بشكل حاد بين أوباما وترامب وبايدن".
وليس هناك ما يضمن أن السعوديين وروسيا وبقية أعضاء أوبك + سيكونون قادرين على الحفاظ على جبهتهم الموحدة. من الأسهل القيام بذلك عندما تكون الأسعار مرتفعة - ولكن عندما تنقلب الدورة، يثبت الأعضاء أنهم أقل استعداداً للحد من العرض.
ومع ذلك، في الوقت الحالي على الأقل، يتم تحديد سعر أهم سلعة في العالم من قبل بلد لم يعد بإمكان الولايات المتحدة الاعتماد عليه كصديق، وفقاً لتعبير "بلومبيرغ".