- رغم انخفاض تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا، إلا أن النمسا ودول أخرى مثل المجر وسلوفاكيا لا تزال تعتمد عليه، مع استمرار تدفق الغاز عبر أوكرانيا حتى عام 2040.
- تواجه أوروبا صعوبة في إيجاد بدائل للغاز الروسي، مع عدم التوصل لاتفاق مع أذربيجان، مما يعقد جهود تقليل الاعتماد على روسيا ويؤدي لارتفاع أسعار الطاقة.
قررت شركة غازبروم وقف صادرات الغاز الروسي إلى النمسا بداية من أول أمس السبت، رداً على إعلان شركة "أو إم في"، الأربعاء الماضي، حكماً يمنحها الحق في المطالبة بتعويض قدره 230 مليون يورو بسبب قطع سابق للغاز لفرعها الألماني، وهو ما يطرح تساؤلات عن إمكانية فرض عقوبات أوروبية شاملة على موسكو مع وجود عقود ملزمة يترتب عليها غرامات تعاقدية.
من جانبه، قال الباحث في الشؤون الأوروبية كاي مورشلات، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "القرار الروسي بمثابة أداة ضغط على الجانب النمساوي الذي مازال يعتمد إلى حد كبير على واردات الغاز الروسي"، مشيراً إلى أن "العقوبات الأوروبية حتى الآن لم تشمل جميع واردات الغاز الروسي، خاصة المسال، إذ تشير الأرقام إلى أن روسيا كسبت ما لا يقل عن 12.5 مليار يورو العام الماضي من خلال صادراتها من الغاز الطبيعي لدول أوروبية رغم العقوبات". وأضاف أن "هناك قراراً أوروبياً حول إنهاء الاعتماد على الغاز الروسي كلياً في العام 2027، وهو ما لا تؤيده الشواهد حتى الآن، إذ إن الغاز الروسي ما زال يتدفق عبر خطوط الأنابيب التي تمر عبر أوكرانيا إلى النمسا وسلوفاكيا والمجر ودول أخرى".
الغاز الروسي يتدفق إلى أوروبا
ووقعت النمسا عام 2018 مع غازبروم عقوداً تستمر حتى عام 2040. ووفقاً للعقود، يتعين على شركة الطاقة النمساوية "أو في إم" أن تدفع ثمن الغاز حتى لو لم تشتره، فضلاً عن سلوفاكيا والمجر والدول المجاورة. ولا يزال 5% من إجمالي استهلاك الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي يتدفق عبر الخطوط الأوكرانية.
وكانت روسيا توفر 40% من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز قبل الحرب في أوكرانيا. وأرسلت روسيا نحو 15 مليار متر مكعب من الغاز عبر أوكرانيا في عام 2023، أي نحو 8% فحسب من ذروة تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر طرق مختلفة في 2019/2018، وفقاً لبيانات جمعتها وكالة رويترز. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، مر 65% من إمدادات الغاز التي تتلقاها النمسا وجارتاها المجر وسلوفاكيا عبر أوكرانيا في 2023.
وينتهي سريان اتفاق بين موسكو وكييف لمدة خمس سنوات بشأن عبور صادرات الغاز الروسي من أوكرانيا إلى أوروبا في نهاية العام الجاري، ودأبت كييف على قول إنها لن تمدد العقد في ظل الصراع العسكري المستمر. وتعليق موسكو إمدادات الغاز إلى النمسا، المتلقي الرئيسي للغاز عبر أوكرانيا، يعني أن روسيا لن تورد كميات كبيرة من الغاز إلا إلى المجر وسلوفاكيا، وفي حالة المجر عبر خط أنابيب يمر في الغالب عبر تركيا.
كذلك، ما زالت ناقلات الغاز الطبيعي المسال الروسية ترسو بانتظام في ميناء زيبروغ البلجيكي وفي مختلف محطات الغاز المسال الفرنسية والإسبانية، وتشير البيانات إلى أن صادرات الغاز الطبيعي الروسي المسال لأوروبا ارتفعت في النصف الأول من عام 2022، والذي شهد بداية الغزو الروسي لأراضي أوكرانيا مقارنة بنفس الفترة من العام 2021، إذ بلغت نسبة الزيادة في بلجيكا نحو 50% وفي فرنسا 9%على الأقل، وإسبانيا بنسبة 55%.
وتلزم العقود الموقعة قبل الحرب في أوكرانيا، بين روسيا من جانب ودول في الاتحاد الأوروبي من جانب آخر، دفع غرامات تعاقدية في حال الإخلال بأي بند من بنود التعاقد.
وأكدت غازبروم أن تدفقات الغاز إلى النمسا تظل متوقفة أمس الأحد، لكنها أشارت إلى أن إجمالي الإمدادات اليومية عبر أوكرانيا، الطريق الرئيسي لنقل الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، سيظل عند 42.4 مليون متر مكعب، وهو نفس الحجم تقريباً لكل يومين على مدار العام الماضي. وتعد النمسا من الدول القليلة في الاتحاد الأوروبي التي استمرت في الحصول على الغاز من روسيا عام 2024. وكانت إمدادات روسيا من الغاز تمثل قرابة 80% من إجمالي الإمدادات في النمسا هذا العام، إذ كانت النمسا تتلقى 17 مليون متر مكعب قبل قطع الإمدادات، والآن تجد هذه الكميات مشترين جدداً في أوروبا.
ولا يزال الغاز الروسي يباع بكميات كبيرة إلى سلوفاكيا والمجر، وكذلك إلى جمهورية التشيك التي ليس لديها عقد مباشر، في حين تذهب كميات أصغر إلى إيطاليا وصربيا. من جانبها، بينت صحيفة هاندلسبلات الأحد، عن هيئة مراقبة السوق الحكومية النمساوية أن الغاز عبر خط الانابيب الروسي لايزال يصل إلى نقطة النقل في باومغارتن في شرق النمسا عند الحدود مع سلوفاكيا. وأضافت أن "كميات الغاز التي تضخ حالياً إلى نقطة النقل في باوبغارتن أقل بنسبة عشرة إلى 20% عن المعتاد"، بعدما كانت فيينا تغطي ما متوسطه 80% من احتياجاتها من روسيا. وأمام ذلك اعتبر مورشلات أن وقف الإمداد والضخ الذي أعلنته شركتا غازبروم" و"أو. إم. في" اقتصادي أكثر من كونه فعلياً.
غياب الإجماع الأوروبي لفرض حظر
وتنسجم هذه البيانات أيضاً، مع تقديرات تشير إلى أن ألمانيا تستورد كميات كبيرة من الغاز الروسي بطريقة غير مباشرة وعبر الموانئ البلجيكية أو الفرنسية، وتتم التغذية إلى شبكة خطوط الأنابيب في المحطات، كما لم يعد من الممكن تحديد المصدر الدقيق للغاز في الأسواق الأوروبية. ورأت أوساط دبلوماسية مطلعة أن قرار الحظر الحقيقي يجب اتخاذه بالإجماع في بروكسل، وهذا غير موجود في الأفق والاتحاد الأوروبي بعيد كل البعد عن ذلك، وليس بسبب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي تتولى بلاده حالياً الرئاسة الدورية للتكتل فحسب، وهو الذي أقدم الربيع الماضي على توقيع عقود توريد إضافية مع غازبروم الروسية، كما تسعى موسكو أيضاً لتزويد بلدان جنوب شرق أوروبا بالغاز الروسي، ولو بعلاوة سعرية معتدلة وملحوظة.
ووسعت روسيا من قدراتها في مجال الغاز الطبيعي المسال، خاصة في مناطق القطب الشمالي. وبحسب مركز برويغل للأبحاث في بروكسل، فإن "أول شيء تقوم به ناقلات الغاز الروسية، وهي في طريقها إلى الأسواق العالمية البعيدة، هو المرور بالموانئ الأوروبية القريبة"، حيث "تعرض روسيا الغاز المسال على زبائن أوروبيين بأسعار أقل من تلك المستوردة من مناطق إنتاج أخرى في العالم، وهو ما يغري الأوروبيين بالشراء في ظل غياب العقوبات على الغاز الروسي المسال، كما يوفر على روسيا تكاليف النقل إلى الأسواق الآسيوية التي باتت أكثر كلفة مع تزايد مخاطر المرور عبر البحر الأحمر في ظل استمرار هجمات الحوثيين".
وقالت شركة شراء الغاز المملوكة للدولة في سلوفاكيا SPP، في وقت سابق من الشهر الجاري، إن أوروبا ليست على وشك التوصل إلى اتفاق لاستبدال خط أنابيب الغاز الروسي بالغاز الأذربيجاني، حال توقف إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا نهاية العام الجاري. وإذا توقفت هذه التدفقات، فقد يؤدي ذلك إلى خسارة سنوية تبلغ نحو 6.5 مليارات دولار لروسيا ما لم يُعثر على طرق أو أسواق بديلة. وذكرت وكالة بلومبيرغ نيوز الخميس الماضي، نقلاً عن مصادر مطلعة على الخطط، أن شركات من المجر وسلوفاكيا تقترب من توقيع صفقة لتلقي 12-14 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً من أذربيجان.
وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن وقف عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا من شأنه أن يعطل كثيراً إمدادات الطاقة على عدد من دول القارة، ومن المرجح أن يكون التأثير الفوري هو ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في جميع أنحاء أوروبا، حيث تتفاعل الأسواق مع انخفاض العرض وزيادة عدم اليقين.
ودعا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الاتحاد الأوروبي الجمعة الماضية، إلى إعادة النظر في العقوبات المفروضة على روسيا لأنها تبقي أسعار الطاقة مرتفعة، ما يعوق القدرة التنافسية للاتحاد. وذكر أوربان في مقابلة مع الإذاعة العامة المجرية: "يجب خفض أسعار الطاقة بكل الوسائل. وهذا يعني ضرورة إعادة النظر في العقوبات، لأن أسعار الطاقة لن تنخفض في ظل سياسة العقوبات الحالية"، بحسب رويترز، مضيفاً أن الشركات الأميركية "تدفع ربع ما تنفقه نظيراتها الأوروبية على الغاز والكهرباء، وهو عائق لا يمكن التغلب عليه بوسائل أخرى".