بشكل قاطع، جاء رد وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي، برونو لومير، بالرفض، على رغبة مجموعة المتاجر الكندية "كوش تارد" في الاستحواذ على سلسلة متاجر كارفور الفرنسية، في صفقة ضخمة قدرت بـ 16.2 مليار يورو (19.6 مليار دولار)، مبررا استخدامه الفيتو ضد الصفقة بحماية "الأمن الغذائي" للفرنسيين.
وتمنع فرنسا بيع بعض الشركات التابعة لقطاعات حيوية من دون موافقة الحكومة. ولم يكفّ الوزير، في الفترة الأخيرة، عن التذكير بأن الفيتو الذي رفعه لعرقلة الصفقة يأتي تطبيقا للقانون، ليقطع الطريق على المجموعتين الكندية والفرنسية، لمحاولة إقناع السلطات بتمرير هذا الاستحواذ.
وحظي قرار الوزير، الصادر منتصف يناير/كانون الثاني الجاري، بتأييد فيدرالية المزارعين الفرنسيين، التي عبرت عن خشيتها من أن تكون العملية عبارة عن "حصان طروادة" للمنتجات الكندية. بينما نقلت مجلة تشالنج الأسبوعية أخيراً عن الخبير الاقتصادي فيليب مواتي، أن وراء قرار الوزير لومير، حسابا سياسيا.
وأوضح أن الفرنسيين أضحوا متحفظين على مسألة العولمة، خاصة في ظل الأزمة التي وضعت في قلب النقاش العمومي مفاهيم السيادة وإعادة التصنيع وإعادة ترحيل صناعات فرنسية.
ويُعد وزير الاقتصاد والمالية، منتجا خالصا للنسق الفرنسي، حيث تخصص في الأدب الفرنسي. وكما الأغلبية الساحقة من النخبة الفرنسية، التحق بمعهد العلوم السياسية والمدرسة الوطنية للإدارة والمدرسة العادية العليا.
ودخل لومير وزارة الشؤون الخارجية قبل 22 عاما، قبل أن يعمل بجانب رئيس الوزراء الأسبق دومينيك دوفيلبان في عهد الرئيس الراحل جاك شيراك بين 2002 و2007، ليتولى بعد ذلك العديد من المناصب العليا في وزارة الشؤون الأوروبية ووزارة الفلاحة، ويصبح وزيرا للاقتصاد.
يرى محللون أن لومير لم ينس أنه كان يعمل بجانب دوفيلبان، الذي أبدع مفهوم "الوطنية الاقتصادية" في عام 2005، عندما كان يدافع عن رفض شراء بيبسي كولا الأميركية لشركة دانون الفرنسية.
يرى لومير أنه ليس من غير المشروع أن تضطلع الدولة في وقت الأزمة بدور الحامي للشركات التي يرتهن لها أمن البلد والفرنسيون، معتبرا أن دور الدولة يتمثل في تحديد القواعد الاقتصادية والدفاع عن المصلحة العامة، مشددا على أن تلك الحماية ضرورية في ظل الأزمة، حيث ترتفع مخاطر الافتراس، كما في الظرفية الحالية المتمثلة في تداعيات جائحة فيروس كورونا.
في كتابه الذي صدر في الأسبوع الماضي، الذي اختار له عنوان "الملاك والوحش"، أكد لومير أن هناك حاجة إلى دولة تراقب، دولة تمارس مهامها في القطاعات الاستراتيجية، وليس دولة طرفا في أعمال القطاع الخاص، مؤكدا أن الحماية تهم، قبل كل شيء، التكنولوجيات الحساسة، التي توجد هدفا للافتراس من قوى أجنبية.
يوصف بأنه ليبرالي، لكنه مع تدخّل الدولة. لا يكفّ عن التأكيد على أن الشركات هي المهمة، ما يجعله يدافع عن تخفيف التكاليف الجبائية عنها، حيث يتبنى سياسة تقوم على العرض من أجل المساعدة على رفع تنافسيتها، غير أنه يميل إلى تدخّل الدولة التي يمكنها إعادة تمويل عملية إعادة ترحيل بعض الصناعات التي كشفت الأزمة أن فرنسا رحّلتها إلى بلدان أخرى.
دأب لومير، منذ بداية الأزمة الصحية، على الدعوة إلى إعادة ترحيل بعض الصناعات الفرنسية التي تنجز خارج البلد، حيث يشدد على إعادة التصنيع، خاصة أن مساهمة هذا القطاع في الناتج الإجمالي المحلي تراجعت من 20% في الثمانينيات من القرن الماضي إلى 18% في 2018.
لم يتردد في مساعدة الشركات والعمال في ظل الأزمة، فقد كان وراء مخطط للإنعاش الاقتصادي بحوالي 100 مليار يورو، وهو مبلغ يراد تخصيص 70% منه لتحديث الصناعة الفرنسية، كما كان وراء توفير 300 مليار يورو من القروض المضمونة من قبل الدولة.
غير أن هناك من يرى في الاتحادات العمالية، مثل ألكسندر دورينيي، العضو في الكونفدرالية العامة للعمل، أن الرجل يبذل الكثير من الجهود عبر خطة الإنعاش، من أجل معالجة مشاكل الشركات وتعظيم أرباح رجال الأعمال، مع الزج بالعمال في نوع من الهشاشة.