بايدن يعود من الخليج بخفي حُنَيِن

17 يوليو 2022
صورة جماعية للمشاركين في قمة جدة/الأناضول
+ الخط -

زار الرئيس الأميركي جو بايدن منطقة الخليج نهاية الأسبوع الماضي وعقد قمة إقليمية في مدينة جدة السعودية جمعته بقادة الدول الخليجية، إضافة إلى مصر والأردن والعراق.

كان للزيارة هدفان، الأول سياسي وهو محاصرة إيران وتضييق الخناق عليها عبر إنشاء تحالف أو محور أمني إقليمي برئاسة أميركا ودولة الاحتلال بهدف تأمين إسرائيل والحيلولة دون امتلاك طهران برنامج نووي.

والثاني هدف اقتصادي وهو العمل على خفض أسعار النفط والمشتقات البترولية من بنزين وسولار وغيرها من منتجات الطاقة في الأسواق الدولية وفي مقدمتها السوق الأميركي.

كما كانت دولة الاحتلال تأمل ن تسفر زيارة بايدن عن إنشاء سوق إقليمية مشتركة في الشرق الأوسط تشمل السعودية وغيرها من دول الخليج التي لم تنضم لقاطرة التطبيع بعد.

هدف اقتصادي لزيادة بايدن منطقة الخليج هو العمل على خفض أسعار النفط والمشتقات البترولية في الأسواق الدولية

وفي تقديري فإنّ بايدن أخفق في تحقيق الهدفين معاً، والدليل مهاجمة الصحف العبرية بايدن اليوم الأحد وتأكيدها على خيبة أمل من الزيارة على مستوى الهدف السياسي، إضافة إلى البيانات الصادرة من بعض الدول المشاركة في القمة برفض سياسة الأحلاف خاصة تلك التي تضم دولة الاحتلال.

أما بالنسبة للهدف الاقتصادي للزيارة فقد أخفق بايدن في الحصول على تعهد خليجي بزيادة فورية في إنتاج النفط، والعمل على تهدئة أسعار الخام الأسود في الأسواق الدولية بشكل عاجل عبر زيادة المعروض، خاصة مع ضخامة إنتاج دول الخليج من النفط الخام والبالغ قرابة 18 مليون برميل يومياً، تشكل نسبته 19% من إجمالي الطلب العالمي المقدر بنحو 100 مليون برميل يوميا.

قبيل زيارته إلى المنطقة، أعلن بايدن أنّ السلطات السعودية تعمل مع الإدارة الأميركية لزيادة إمدادات النفط إلى الأسواق وخفض أسعار النفط، بل وشدد على أنّه يتوقع خطوات عملية من الرياض بشأن زيادة إنتاج النفط.

وقبيل الزيارة أيضاً أعلنت مصادر أميركية أنه من المتوقع أن يحث بايدن الرياض على زيادة إنتاج النفط في محاولة للحد من الارتفاع الهائل في الأسعار العالمية، وتخفيف الصداع السياسي المتصاعد داخلياً في الولايات المتحدة بسبب قفزة معدل التضخم والتي اقتربت من 10% وتعد الأعلى في أكثر من 40 سنة.

لكنّ التصريحات الصادرة من الرياض عقب انتهاء القمة لا تدعم خطة بايدن ولا تلبي ضغوطه، رغم تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يوم السبت، أنّ بلاده أعلنت عن زيادة مستوى طاقتها الإنتاجية النفطية إلى 13 مليون برميل يومياً، وليست لديها أيّ قدرة إضافية للرفع بعد ذلك.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يعلن أنّ بلاده أعلنت عن زيادة مستوى طاقتها الإنتاجية النفطية إلى 13 مليون برميل يومياً

كلام بن سلمان ليس جديداً فقد سبق أن توقع وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان يوم 16 مايو/أيار الماضي أن تكون بلاده قادرة على زيادة قدرتها اليومية لإنتاج النفط بأكثر من مليون برميل لتتخطى 13 مليون برميل يومياً مطلع العام 2027.

وقال إنّ الإنتاج سيبلغ "على الأرجح 13.2 إلى 13.4 برميل يومياً لكنّ ذلك سيكون في نهاية 2026 أو بداية 2027". وتابع أنّ بلاده ستحافظ على هذا المستوى من الإنتاج "إذا سمح السوق بذلك".

تصريح وزير الطاقة السعودي يعني أنّ الزيادة الأخيرة التي أعلن عنها بن سلمان في الإنتاج النفطي لن تكون فورية كما كان يطالب بايدن، بل تأتي في إطار خطة اعتمدتها السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، تتم على مدى عدة سنوات مقبلة.

ويبدو أنّ بعض دول الخليج وفي مقدمتها السعودية لم تتحمس لضغوط البيت الأبيض الخاصة بزيادة الإنتاج النفطي بشكل فوري لأسباب كثيرة منها مثلاً تفادي الصدام مع روسيا، أحد الفاعلين الرئيسيين في تحالف "أوبك+"، والقاء الكرة في ملعب اجتماعات منظمة أوبك.

وربما الظهور بمظهر المستقل في القرارات النفطية والاقتصادية والسياسية، ورفض سياسة الإملاءات الخارجية، وأنّ هذه الدول سعت لبعث هذه الرسائل لإدارة بايدن خلال قمة جدة.

بعض دول الخليج لم تتحمس لضغوط البيت الأبيض الخاصة بزيادة الإنتاج النفطي بشكل فوري لأسباب منها تفادي الصدام مع روسيا

وهذا ما ترجمه تأكيد مستشار الأمن القومي الأميركي يوم الجمعة أنّ الولايات المتحدة لا تتوقع أن تعزز السعودية إنتاجها النفطي على الفور، وأنّها تنتظر نتائج اجتماع "أوبك+" في 3 أغسطس/ آب المقبل، علماً أنّ هذا الاجتماع ستشارك فيه روسيا، وأنّ المملكة أشارت مراراً وتكراراً إلى أنّها لن تتصرف من جانب واحد في قصة تحديد سقف الإنتاج، زيادة أو نقصاناً.

ويوم الجمعة نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية أيضاً عن مصادر مطلعة قولها إنّ بايدن، غادر الشرق الأوسط من دون إعلان فوري عن زيادة في إمدادات النفط.

الرئيس الأميركي غادر منطقة الخليج وعاد إلى واشنطن بخفي حُنَيِن كما يقولون وفق المعلن من الزيارة، فلا حاصر طهران، ولا خفض أسعار البنزين والسولار في بلاده. بل العكس هو ما حدث حيث زادت أسعار النفط بنسبة 2.5% يوم الجمعة عقب تأكيد مسؤول أميركي إن الولايات المتحدة لا تتوقع أن تزيد السعودية إنتاج النفط في الحال.

وبالتالي تظل مشكلة التضخم وقفزات سعر الوقود قائمة في الولايات المتحدة، وهي المشكلة الكبيرة التي تؤرق بايدن خصوصاً مع وصول غالون البنزين إلى سعر 5 دولارات وهو أعلى مستوياته على الإطلاق، وزيادة غضب المواطن الأميركي من قفزات الأسعار التي باتت تؤثر سلباً على قدرته الشرائية ومستوى معيشته ورفاهيته.

وهذا المأزق يزعج قاطني البيت الأبيض وإدارة بايدن بسبب تأثيراته السلبية المتوقعة على الانتخابات النصفية للكونغرس، المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

المساهمون