النمو التونسي في مأزق ... خطة متعثرة لتنشيط الاقتصاد وغموض حول الاقتراض

04 أكتوبر 2020
تزايد معدلات الاستدانة بين الأسر لمواجهة الأعباء المعيشية (فرانس برس)
+ الخط -

لم تتوصل الحكومة التونسية بعد إلى خطة لتنشيط الاقتصاد، رغم الوعود بالعودة إلى نسب نمو إيجابية خلال العام المقبل 2021، عقب الانكماش غير المسبوق الذي شهده الاقتصاد في الربع الثاني من العام الجاري بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد.

ويواجه مشروع قانون تنشيط الاقتصاد الذي بدأ البرلمان في مناقشته، انتقادات واسعة من قبل مختصين في الشأن المالي وتكتلات رجال الأعمال التي طالبت بخطة أكثر شمولية لاستعادة مستويات النمو على المدى القريب ومحاصرة الأضرار الناجمة عن الجائحة.

ويقدم مشروع القانون الذي طرحته الحكومة حلولاً لتنشيط الاقتصاد، عبر تخفيف العبء الضريبي على المؤسسات ودفع الاستثمار إلى جانب إجراءات لإدماج الأنشطة والعملة المتأتية من الاقتصاد الموازي في الدورة الاقتصادية.

غير أن رئيس منظمة "كوناكت" (منظمة لرجال الأعمال) طارق الشريف، قال لـ"العربي الجديد" إن مشروع قانون تنشيط الاقتصاد بصيغته المقترحة لم يقدم أي حلول لإنعاش القطاعات الاقتصادية، بل يعكس سياسات الدولة في البحث عن موارد مالية جديدة لتمويل العجز في الموازنة العامة وتمويل مشروع موازنة العام المقبل، من دون معالجة أسباب ضعف النمو الاقتصادي.

وأشار الشريف إلى ضرورة إيجاد حلول واقعية للمؤسسات التي تعاني صعوبات كبيرة جراء كورونا، معتبراً أن الاستثمار الإنتاجي هو مفتاح إعادة تنشيط الاقتصاد في البلاد وخلق فرص عمل لامتصاص البطالة المتفاقمة.

وانتقد "سياسة الضغط الضريبي التي اعتمدتها الحكومات السابقة على أغلب القطاعات الاقتصادية ذات التشغيلية العالية، وخاصة القطاع العقاري"، لافتاً إلى أن 690 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة تمر بصعوبات وأضحت مهددة بالاندثار.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وفي مايو/ أيار الماضي، أعلنت حكومة إلياس الفخفاخ السابقة عن إطلاق مشاريع كبرى بقيمة 5.5 مليارات دينار (حوالي ملياري دولار) في إطار خطة الإنعاش الاقتصادي، من بينها مشاريع بقيمة 3 مليارات دينار ستنفذها الدولة وأخرى بقيمة 2.5 مليار دينار ستنفذ في إطار شراكة بين القطاعين الحكومي والخاص.

وقال الفخفاخ حينها إن الأموال الخاصة بمشاريع الإنقاذ الاقتصادي مرصودة في موازنة الدولة، وإن خطة الإنقاذ ستنطلق في فترة تتراوح بين 6 و9 أشهر بعد إعداد النصوص التشريعية التي تسهّل تنفيذها.

غير أن خبراء اقتصاد يعتبرون أن المشروع المرحّل من الحكومة السابقة لا يرتقي إلى مستوى البرنامج بل أشبه بوثيقة نوايا في ظل شلل شبه تام في الشرايين الحيوية للاقتصاد المحلي، ولا سيما قطاعي الطاقة والسياحة.

وقال الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف لـ"العربي الجديد" إن أي خطة إنعاش ستظل متعثرة ما لم تتمكن الحكومة من معالجة الأسباب الرئيسية لضعف نسب النمو وتراجع قدرة الاقتصاد على جلب الاستثمارات وخلق فرص العمل.

وأضاف أن مشروع القانون المعروض على البرلمان رغم أهميته سيكون محدود المفعول، إذا لم تتمكن الحكومة من استعادة نشاطي الطاقة والفوسفات سريعاً.

وتضرر الاقتصاد التونسي بشدة جراء جائحة كورونا، وفرضت الحكومة حجراً صحياً في البلاد منذ منتصف مارس/ آذار، رافقه تعليق أنشطة المؤسسات الاقتصادية.

وانكمش الاقتصاد بنسبة 21.6% خلال الربع الثاني من العام الجاري، وفق بيانات المعهد التونسي للإحصاء (حكومي)، كما ارتفعت معدلات البطالة إلى 18%. وقال وزير الاقتصاد والمالية علي الكعلي في سبتمبر/ أيلول الماضي، أمام اللجنة المالية بالبرلمان، إنه لا يمكن لبلاده تحمّل استمرار تسجيل نسبة نمو اقتصادي دون 3%، مضيفاً أنه من الضروري تجاوز الانكماش الحاد الحالي.

وتتعرض المالية العامة إلى ضغوط متزايدة في ظل تراجع موارد الدولة، بينما يكتنف الغموض مصير التعاون الجديد مع صندوق النقد الدولي، بعد نحو عام من تعليق اتفاق القرض المدد، الذي وقعته حكومة الحبيب الصيد مع الصندوق في مايو/ أيار 2016.

وتراجعت إيرادات السياحة، التي تعدّ أحد المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي، بشكل حاد منذ بداية العام الجاري وحتى العاشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، بسبب توقف حركة السفر عالمياً وركود الأنشطة السياحية في ظل كورونا، وفق بيانات صادرة عن وزارة السياحة نهاية الشهر الماضي.

ووفق الوزارة انخفضت الإيرادات السياحية بنسبة 60% على أساس سنوي، مسجّلة 1.56 مليار دينار (550 مليون دولار).

ويمثل قطاع السياحة 14% من الناتج الداخلي الخام وفقاً للأرقام الرسمية ويشغل نحو 400 ألف عامل.

وكانت تونس قبل جائحة كورونا تستعد لموسم سياحي متميز وتخطط لاستقبال نحو 9 ملايين سائح، بعد أن نجحت الموسم الماضي في جلب نحو 8 ملايين، وهو رقم قياسي لم يسبق للقطاع تحقيقه منذ عام 2010.

ورغم حاجة تونس إلى التمويلات لردم فجوة بأكثر من 15 مليار دولار في موازنة 2020 وتعبئة الموارد المالية الضرورية لموازنة العام المقبل، لم تكشف حكومة هشام المشيشي الحالية عن أي خطة للتعاون المالي مع صندوق النقد.

لكن الخبير المالي وليد بن صالح، لا يستبعد أن تفتح الحكومة مفاوضات مع مؤسسات تمويل أخرى ومنها البنك الدولي والبنك الأوروبي للاستثمار للحصول على تمويلات إضافية، فضلاً عن إمكانية الخروج إلى السوق المالية لطرح سندات (أدوات دين حكومية).

ويشير محللون إلى مخاوف حكومية من شروط تقشفية لصندوق النقد وهو ما يزيد من الاحتقان الاجتماعي في ظل الظروف الحالية التي تشهد ارتفاعاً في معدلات البطالة وارتفاع الأعباء المعيشية.

وتظهر بيانات رسمية أن نحو نصف مليون أسرة تدور في دوامة الاستدانة المستمرة، بينما تسارعت وتيرة الاقتراض في ظل تداعيات جائحة كورونا، وفق البيانات الرسمية.

ورغم المخاوف من شروط الصندوق إلا أن بن صالح اعتبر أن التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد "مهم جداً" لتونس من أجل تيسير مهمة البحث عن مصادر تمويل خارجية.

ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019 علّق صندوق النقد صرف شرائح إضافية من القرض المتفق عليه في 2016 بسبب الانتخابات التي جرت في البلاد، منتظراً تشكيل حكومة جديدة تضمن الاستقرار السياسي الذي يتيح لخبراء الصندوق عقد اتفاقات حول الإصلاحات الاقتصادية التي سيتم تطبيقها مقابل صرف باقي شرائح القرض.

وبسبب تعليق المفاوضات لم تتمكن تونس من سحب أقساط تقدر بـ 1.2 مليار دولار من مجموع تمويل بقيمة 2.8 مليار دولار.

واعتبر وزير الإصلاحات الكبرى السابق والخبير الاقتصادي توفيق الراجحي أن "تونس لم تعد تحظى بالخصوصية التي تمتعت بھا كأول تجربة دمقراطية ناجحة"، مضيفاً أن "الثقة مع المؤسسات الدولیة تبنى بانتهاج مسار إصلاحي شامل وبالجدّية في إنجاز الإصلاحات المتفق علیھا والتي على أساسھا تحصل البلاد على الدعم المالي".

المساهمون