المنشور والمحجوب من مراجعة صندوق النقد للاقتصاد المصري

01 مايو 2024
المقر الجديد للبنك المركزي في العاصمة الإدارية، 1 أغسطس 2023 (خالد دسوقي فرانس بس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- صندوق النقد الدولي وافق على زيادة دعمه المالي لمصر إلى أكثر من 8 مليارات دولار، مانحًا سيولة فورية بـ820 مليون دولار، رغم استخدام جزء كبير لسداد قروض سابقة.
- الحكومة المصرية لم تلتزم بكامل الإصلاحات المتفق عليها، متخلفة عن تنفيذ عدة شروط مهمة مثل نشر عقود المشتريات العامة والتقارير السنوية للمحاسبات.
- التحديات تشمل نقص التدفقات المالية من الداعمين والتحذيرات من صندوق النقد بشأن التحكم في سعر الصرف، مما يثير الشكوك حول قدرة مصر على تجاوز الأزمة دون مزيد من الاقتراض.

في مارس/آذار الماضي، اعتمد صندوق النقد الدولي المراجعتين الأولى والثانية للاقتصاد المصري، ضمن اتفاق التسهيل الممدد المقدم لمصر، ليوافق على زيادة قيمة البرنامج الأصلي بنحو خمسة مليارات دولار، تقفز به إلى أكثر من ثمانية مليارات دولار، ولتحصل الحكومة المصرية على سيولة فورية تقدر بنحو 820 مليون دولار من الصندوق.

وبغض النظر عن أن أغلب قيمة المبلغ المسحوب، وربما أكثر منه، سيُستخدم في سداد دفعات مستحقة للصندوق من قروض سابقة، قال صندوق النقد الدولي في مراجعته للاقتصاد المصري إن الحكومة المصرية استوفت سبعة إصلاحات هيكلية فقط من أصل 15 إصلاحا تعهدت الحكومة للصندوق بالالتزام بها.

لم تلتزم الحكومة المصرية بنشر جميع عقود المشتريات العامة التي تزيد قيمتها عن 20 مليون دولار على بوابة المشتريات الحكومية الإلكترونية، بما في ذلك العقود التي تُمنح عبر المناقصات، ولم تنشر معلومات عن العطاءات المقدمة والفائزة.

ولم تنشر الحكومة أحدث ثلاثة تقارير سنوية صادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبات، ولم تلتزم بتسعير الوقود وفقاً للآلية التي جرى الاتفاق عليها، ولم تنشر تقريرها السنوي الشامل عن النفقات الضريبية، والذي يفترض أن يتضمن تفاصيل وتقديرات الإعفاءات الضريبية، بما في ذلك تلك المقدمة للشركات المملوكة للدولة، سواء كانت شركات القطاع العام، أو الشركات المملوكة للقوات المسلحة، أو حتى المشاريع المشتركة.

لم تعتمد حكومة البلد الأكثر سكاناً في الشرق الأوسط نهجا قائما على المخاطر في الإجراءات الجمركية، ولم تلتزم بتقليص الوقت اللازم للإفراج عن الواردات في الموانئ المصرية، ولم تقم بتحويل السجلات الحكومية إلى إلكترونية لتعزيز كفاءة التحصيل الضريبي، ولم تصدر اللائحة التنفيذية لقانون الإدارة المالية العامة التي توضح العناصر الرئيسية لتقويم الميزانية، بما فيها المبادرات الجديدة، وتعهدات أنشطة المناخ.

وأخيراً لم تبلغ وزارة المالية الصندوق عن المدفوعات المتأخرة من المستحق على الشركات المملوكة للدولة، بما في ذلك الهيئة العامة للبترول، والهيئة العامة للسلع التموينية، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، والهيئة الوطنية للبريد، والهيئة القومية لسكك حديد مصر، وبنك الاستثمار القومي، والبنك المركزي المصري، وشركة الكهرباء القابضة، والشركة القابضة للمياه والصرف الصحي، وشركة مصر للطيران.

هذا ما نشره صندوق النقد، وليس كل ما يمكن ملاحظته على الاقتصاد المصري، فقد تجنب الصندوق (الجهة المقدمة للتمويل) نشر كل "الغسيل المتسخ" عن "الزبون" الذي أصبح منذ فترة ليست قصيرة ثاني أكبر مقترض من المؤسسة الدولية، وهو ما كشف عنه اقتصاديون ورجال بنوك شاركوا في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين قبل أسبوعين في واشنطن، ومنهم من زار القاهرة مؤخراً، فكانت له انطباعات عن الاقتصاد المصري، في مرحلة ما بعد الإعلان عن حزمة الإنقاذ الإماراتية.

يقول هؤلاء إن التدفقات المالية التي حصلت عليها الحكومة من الداعمين الخليجيين ومؤسسات التمويل الدولية لن تنجح في سد العجز في الحساب الجاري وسداد الالتزامات الدولية إلا لعدة أشهر، لا تلبث أن تعود البلاد بعدها إلى الأزمة التي عصفت بها على مدار العامين الأخيرين، والتي شهدت ارتفاع التزاماتها بالعملة الأجنبية، وتقلص المتاح منها في السوق المصرية.

وأشاروا إلى استمرار ارتفاع معدلات الفائدة المصرية مقارنة بمستوياتها التاريخية، وارتفاع الدين العام بصورة مطردة، ما يعني استمرار تجاوز مستحقات خدمة الدين لكل الإيرادات الضريبية، وبالتالي تقليص المبالغ الموجهة لإنفاق الدولة على التعليم والصحة والبحث العلمي.

ولفتوا إلى استمرار النمط الإنفاقي للحكومة المصرية، رغم ما سببه من كوارث خلال الفترة الماضية، خاصة مع الإعلان عن استكمال مشروعات البنية التحتية في العاصمة الإدارية الجديدة، وربما التوجه نحو البدء في مشروعات المرحلة الثانية منها، بالإضافة إلى السعي لتوسيع قناة السويس.

ورغم المليارات التي انهالت على البلاد، ما زالت مصر مندفعة نحو الاقتراض بالعملة الأجنبية، إذ أعلن البنك المركزي المصري هذا الأسبوع عن بيع أذون خزانة بالدولار لأجل عام، بقيمة تقترب من مليار دولار، وبمتوسط عائد 5.149%، لتضاف إلى 1.85 مليار دولار كان البنك قد اقترضها باستخدام الأداة نفسها، في أول شهرين من العام الجاري. وما زالت مصر تطرق أبواب حكومات كبرى، منها بريطانيا واليابان والصين، للحصول على المزيد من القروض لسد عجز الموازنة، رغم ما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والاتحاد الأوروبي. كما بدأت الحكومة المصرية التفاوض مع البنك الآسيوي للاستثمار لنفس الغرض.

وقبل نهاية الأسبوع الماضي، حذّر صندوق النقد الدولي الحكومة المصرية من العودة إلى التحكم في سعر الصرف، مشيراً إلى التزامها وفق البرنامج المتفق عليه مؤخراً مع الصندوق باتباع نظام سعر صرف مرن. وأكد أهمية إدراج اقتراض الحكومة والقطاع العام من البنك المركزي في الميزانية العامة للدولة.

وقال الصندوق إن البنك المركزي أتاح لوزارة المالية في الفترة الأخيرة التوسع في استخدام تسهيلات السحب على المكشوف، مؤكداً تسبب ذلك في خلق ضغوط تضخمية ومشكلات في سعر الصرف خلال العامين الماضيين.

وحذّر الأصدقاء الذين شاركوا في اجتماعات الصندوق الأخيرة من تردي الأحوال الاقتصادية للمواطنين، مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم، وتهاوي الجنيه أمام العملات الأجنبية، وتفاقم أعباء الديون. وأشاروا إلى ارتفاع فوائد الدين في مشروع موازنة مصر للسنة المالية الجديدة (2024 - 2025) من نحو 1.12 تريليون جنيه إلى 1.83 تريليون جنيه، بزيادة تتجاوز 700 مليار جنيه، وبارتفاع تتجاوز نسبته 63%. وأظهرت موازنة الدولة الجديدة حجم اقتراض يفوق ما اقترضته مصر العام الماضي بنسبة 33%.

هذا جزء من لمحات نقلها إلينا من زاروا مصر مؤخراً، ومنها ما ورد في تقارير حكومية مصرية وأخرى صادرة عن صندوق النقد. فهل يتمكن البنك المركزي المصري بعد كل ذلك من العبور بالاقتصاد إلى المنطقة الآمنة، أم تتغلب الضغوط وتعود الأزمة، بعد أن نكون قد استنفدنا كل أطواق الإنقاذ التي ألقيت لنا؟

المساهمون